مقالات و محاضرات

 

 

إيران وأميركا.. والعراق

 

 

د.محمد الرميحي 

 

ملفتة هي الاخبار المتداولة عن محادثات إيرانية أميركية حول العراق،وعلى الرغم من أن كل طرف كيّف دوافع هذه المحادثات كما يعتقد أنها تخدم مصالحه، إلا أن المراقب لا يفوته أن يلحظ عددا من المتغيرات منها:

أولا: أن لا مثالية في العمل السياسي، فقط بعض العرب هم أصحاب نظرية المثالية في التعامل السياسي الدولي أو المحلي،وهي التي أورثت وما زالت توًرث العمل العربي السياسي كل هذه العقد التي تتراكم، ويدفع البسطاء من الأثمان الباهظة نتيجة لها.

لنأخذ فلسطين مثلا وحكومة حماس «الممكنة»، والحديث الذي تضطلع به حول «تحرير الأرض المحتلة» حيث لا تتوفر لها الوسائل العسكرية الحقيقية، وتفرط في الوقت نفسه بالوسائل السياسة الدولية.

في الجانب الإيراني والجانب الأميركي تبين لمن يريد أن يعرف، أن لا محرمات في السياسة، ففتح النقاش بين الطرفين حول العراق له أهمية خاصة في هذا الظرف السياسي الدولي.

ثانيا: في الحدث نفسه اعتراف متبادل، الأول اعتراف الإدارة الأميركية أن إيران هي لاعب أساسي في الساحة العراقية،استطاعت أن تعض على الإصبع الأميركي، بقوة وقسوة بأسنان غيرها،حتى جرى الاعتراف بوجودها.

وهو أمر كان يتم تجاهله لفترة طويلة،وبالعكس ثمة اعتراف إيراني بأن الولايات المتحدة موجودة لتبقى في العراق، هذا الاعتراف المتبادل يؤسس إلى إمكانية تفاهم طويل المدى حول مستقبل العراق والمنطقة المحيطة به بما فيها إيران والخليج.

لقد كان هاجس طهران في السنوات الثلاث الأخيرة خوف أن يتكرر «سيناريو» العراق على أرضها،وربما كان هذا الخوف هو الدافع الأساس لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

فقد اعتقد كثيرون من أهل السلطة في إيران أن وضعهم مهدد بما يكفي لاتخاذ موقف سياسي متشدد أمام أي نوايا أميركية تحتضن فكرة التخلص من النظام على المدى المتوسط،وان موضوع «النووي» ما هو إلا ذريعة للحشد الدولي وتضخيم المخاوف.

بدخول الشريكين في «محادثات حول العراق» اطمأن الإيرانيون قليلا إلى سلامة نسبية لنظامهم، وفي المقابل كسروا حاجز «المزايدة» في عدم الحديث أو الاتصال «بالشيطان الأكبر». لقد حققوا ما يريدون من خلال ساحة ليست ساحتهم وهي العراق.

ثالثا: المحادثات الإيرانية الأميركية هي في حدها الأدنى عملية «بناء ثقة» بين الطرفين قد لا تتطرق مباشرة إلى القضية النووية الإيرانية في هذه المرحلة وهو الموضوع المطروح على نار ساخنة دولياً، إلا أن عملية بناء الثقة والمصالح المشتركة بين الطرفين التي قد تتعمق في المستقبل، تتيح نافذة للولوج إلى الموضوع الحساس.

وهو الموضوع «النووي» الإيراني في مرحلة لاحقة والذي بنيت حوله اكبر عملية حشد إيراني داخلي، فالحصول على حد أدنى من الاتفاق في هذا الموضوع الحساس ليس هو تحقيق نصر على المستوى المحلي فقط، بل هو تأكيد للجماهير الإيرانية أن السياسية التي اتبعت حتى حينه كانت صائبة،ويستحق من صممها ويتابع تنفيذها كل الثقة ويوجب الالتفاف حوله.

قد تأخذ خطوة المحادثات الأميركية ـ الإيرانية الوضع بينهما من العداء الكامل إلى الاختلاف إلى الوفاق النسبي، وهي عملية، يجد فيها كل من الطرفين حاجته إلى الآخر، أكثر من حاجة الاثنين إلى حلفاء عرب.

فلا الأميركان بحاجة إلى بلد مثل سوريا للقيام بحركة الالتفاف نفسها، ولا هم بحاجة إلى حزب الله في لبنان، كما أن أي اتفاق إيراني أميركي يكون الخاسر فيه الأكبر هو الطرف العربي.

رابعا: خسارة العرب فادحة، إذ أن التحالف مع الظهير الإيراني، سواء كان عراقيا أم سورياً أم حتى طرف لبناني، أصبح من الواضح انه كان تحالفا تكتيكيا لا غير، قد يتحلل منه الطرف الإيراني إذا حقق نتيجتين، كف يد أميركا كلياً عن التدخل في الشؤون الإيرانية،وعدم التعرض لمصالحها الدولية. في هذه الحالة فان الأطراف العربية، وحتى داخل العراق لن يعود لها سند سياسي.

 خامسا: وهو عود على بدء، فالتجربة الإيرانية في الثلاثة عقود الأخيرة، أي منذ حكومات الجمهورية الإسلامية، ثمة خيط يربط مظاهر العمل السياسي الدولي لديها، وهي المرونة الداخلية. فقد وقفت مثلا في حرب العدوان العراقي على الكويت وما تلاها على الحياد الذي غلب عليه تمني الإطاحة بصدام حسين عدوها اللدود.

 وحتى الخروقات العسكرية الأميركية في الفضاء الجوي الإيراني وقتها،كما هي الخروقات اللاحقة في حرب تحرير العراق، تم التعامل معها بمرونة شديدة.

كما وقفت إيران بحياد مخلص تجاه حرب أفغانستان التي خاضتها أساساً القوات الأميركية،واستفادت من خلال فلول الهاربين المتشددين من المعلومات الوفيرة لديهم للمساومة في تمرير هذه المعلومات المخابراتية التي توافرت لها من هؤلاء لمن يريد المقايضة السياسية الحوار الأميركي الإيراني يضع كل شيء على الطاولة ثم تتم بعد ذلك محاولات تجاوزه لبناء وفاق جديد.

 تأخذ فيه إيران موقعا يحميها في الظرف المتقلب في الشرق الأوسط الكبير،وتتيح للولايات المتحدة إنقاذ صورة تريد أن تخرج منها بعد مغامرتها العراقية.

علينا الاعتراف لم تلجأ الولايات المتحدة لإيران في هذا الوقت، إلا وهي تنظر إلى الساحة العراقية نظرة تشاؤمية، اقلها اضطراب طويل المدى بين الفئات المتخاصمة، وأبعدها حرب أهلية تفتح العراق على كل الشرور.

جزء من المشكلة تتحمله الولايات المتحدة،وجزء آخر يتحمله النظام العراقي السابق جراء ما فعل من هتك للنسيج الاجتماعي العراقي، حتى لم يبق له قدرة على التعامل السياسي،وجزء آخر،وربما هو مهم جداً أيضاً ويتعلق بفشل النخبة العراقية بعد التحرير (إن أردنا تسميتها بذلك التوصيف) من القيام بواجباتها الوطنية والتاريخية.

على كل الصُعد هذا الاحتياج الأميركي لإيران في الموضع العراقي، هو أيضا تفويض، وإن مداورة لإيران بشكل ما للحديث عن الحركة السياسية «الشيعية» لأن إيران لا تستطيع أن تتحدث عن السنة أو الأكراد في العراق أو في غيرها، من دول المنطقة.

حسابات الربح والخسارة في ظل هذه المعادلة أن طرفيها الإيراني والأميركي رابح جزئياً، إن الخاسر الأكبر منها هم العرب الذين لم يعرفوا حتى الآن كيف يتساندون في ظل أوضاع إقليمية ودولية مضطربة، فوقعوا في الشق الزلزالي للشرق الأوسط.

*كاتب كويتي

 و كل ذلك بحسب رأي د.محمد الرميحي في المصدر المذكور.

المصدر: البيان الإماراتية-21-3-2006