في هذا الباب...

 

بات البعض يعتقد بأنّ السلطة الرابعة أوشكت أن تفقد ذاتيتها لسيرها قهراً أو إختياراً في ركاب الحاكم سواء أكان الحاكم متمثلاً في ذلك المستبد الأوحد كما في الدول غير الديمقراطية، أو في جماعات الضغط السرية التي تفتقد المشروعية أو الشركات العملاقة المعولمة العابرة للقارات كما في العديد مِن الدول الديمقراطية، ويسردون لإعتقادهم هذا الكثيرَ مِن الأحداث والوقائع والشواهد الجديرة بالدراسة والمعالجة.

جاءت الديمقراطية أو الشوريّة كآلية لتنظيم ممارسة الحرية فكانت مِن الأدوات لتكريس الديمقراطية تجزئة السلطة إلى سلطات ثلاث: الأولى تشريعية، الثانية قضائية والثالثة تنفيذية إضافة إلى إستقلال كل منها عن الأخرى، وإلى جانب الإعلام الحرّ المستقل (السلطة الرابعة)، والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وجماعات الضغط وحق الطعون القضائية في المنازعات الإدارية والقضائية والضمانات لإستقلال كل سلطة و... الخ.

فلماذا هذه التعددية في صمامات الأمان يا ترى؟

ببساطة مع غياب العصمة أن السلطات الثلاث التقليدية: التشريعية والقضائية والتنفيذية يمكن أن تفشل أو تلتبس عليها الأمور أو أن ترتكب الأخطاء، الأمر الذي يتكرر وكثيراً في الدول الديكتاتورية، والأمر نفسه يقع في الدول الديمقراطية بشكل آخر وبنسبة مختلفة عن الدول التسلطية، لهذا وغيره مِن الأسباب كانت التعددية في صمامات الأمان لتكريس الديمقراطية فحماية الحرية مِن أي خطر متوقع، ولنفس السبب مِن جهة ولإمكانية الإلتفاف على بعض الإجراءات المتقدمة - كما هو واقع- مِن جهة ثانية جاءت ولادة السلطة الرابعة مع ضمانات لحرياتها وإستقلاليتها والمنع مِن إحتكارها، وذلك لكي يراقب الإعلامُ كلاً مِن السلطات الثلاث وينقل بلْ يُوصَل الحقيقةَ إلى الجمهور مِن ناحية وإلى الدولة مِن ناحية ثانية لمعالجة الثغرات وترشيد الأداء وبلورة وإنضاج وإبراز وتجسيد الرأي العام.

فما الذي حلَّ بالسلطة الرابعة لتتعالى النداءات بتأسيس سلطة خامسة؟

ما نزلَ بالسلطة الرابعة في الدول غير الديمقراطية مِن إحتكار وأحادية وعدم إستقلال وقيود واضح، أما ما يحاول إفراغ الإعلام مِن وظائفه الأساسية والذي يبعثُ البعضَ للدعوة إلى إنشاء السلطة الخامسة فيتمثل في أنه مع تسارع وتيرة العولمة منذ أكثر مِن 15 عاماً وإنطلاقة نوع جديد مِن الرأسمالية والسلطة الكبيرة لطيف مِن المجموعات الإقتصادية الكونية والشركات المعولمة التي يزيد وزنها الإقتصادي أحياناً على وزن بعض الدول والحكومات، والسعي الدؤوب لتلك الشركات العملاقة إلى المزيد مِن التملك والسيطرة على مختلف القطاعات الإعلامية في العديد مِن البلدان والقارات علاوة على ضغوطها المستمرة على الحكومات في الدول الديمقراطية لكسر القوانين التي تحِدُّ مِن التمركز الإعلامي أو التي تمنع قيام إحتكارات مطلقة أو ثنائية، وذلك لتطويع السلطة الرابعة لخدمة مصالح تلك الشركات عبر العولمة الثقافية فالإبتعاد عن الهدف الأساسي المتمثل بتصحيح التجاوزات على القانون وإختلال العمل بالنظام الديمقراطي، وبالتالي إبتعاد الإعلام عن قضايا الدفاع حريات وحقوق ومصالح الشعوب ودور الرأي العام.

وعلى كل التقادير فذلك وغيره مِن الأسباب تدعو إلى القلق على مستقبل دور الإعلام وفاعليته، وضرورة دعم دوره وأداءه، ولهذا جاءت السلطة الخامسة لتكون باباً مِن الأبواب لنُقدِم مِن خلاله ما يُساهم (مِن الدراسات والمقالات والتقارير والأخبار والإحصاءات) في تفعيل دور السلطة الرابعة ويصب في قناة السلطة الخامسة ويخدم أهداف وتطلعات الأخيرة ويُمهِد للإعلام النهوض بمهامه الأصلية، فالسلطة الرابعة أيضاً كالسلطات الأخرى: التشريعية والقضائية والتنفيذية يمكن أن تفشل أو تلتبس عليها الأمور أو أن ترتكب الأخطاء فهي أيضاً بحاجة إلى الرقابة والنقد والمراجعة للترابط الحيوي بين السلطة والمسؤولية والسماءلة، كما هي ليست بمنأى تام عن آثار الترغيب والترهيب أو عن الوقوع في شرك الدعاية الإيحائية المكثفة أو الديماجوجية اوتضارب المصالح أو أعمال السيادة التي تنفرد بها بعض الحكومات أو التشريعات المكبلة لحريات الإعلام وحق التعبير أو آثار العولمة السلبية، فطالما لَعِبَ الإعلامُ دوره وأعتبرَ الإعلاميون والصحفيون أن مِن واجبهم إيصال الحقيقة والتصدي لخرق الحقوق وكثيراً ما دفعوا الثمنَ باهظاً مِن إعتداءات وإختطافات وتصفيات وما زالوا يواصلون المسيرة، فهذا الباب مرصد للدراسات والمقالات والإحصاءات والأخبار والتقارير ذات العلاقة بتفعيل الإعلام وتقويمه ودعم الإعلاميين وتكريس حق حرية التعبير بأشكاله دعماً لمصالح الشعوب وحقوقها ومصالحها وللدول بترشيد أداءها.