النص الكامل لكلمة سماحة أية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي في مؤتمر لندن حول :

 

دور المرجعيات والشخصيات والمؤسسات الدينية في بناء الشخصية العراقية فكريا وايمانيا وحضاريا

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد واله الطاهرين واللعنة على اعدائهم اجمعين

قال الله العظيم في كتابه الكريم:

(لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلوا عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانو من قبل لفي ضلال مبين) ال عمران 64

نبدأ البحث بتساؤل فقهي هام جدا: فهل يجب علينا كشخصيات او مؤسسات او منظمات او احزاب او مرجعيات دينية ، وجوبا شرعيا ان نساهم بل ان نجند كل طاقاتنا ونستفرغ الوسع لبناء او لاعادة بناء مجتمعاتنا فكريا وايمانيا حضاريا؟ ام ان ذلك امر مستحب ومحبذ ليس الا؟

واذا كان واجبا فهل هو واجب عيني ام انه واجب كفائي؟

ثم هل ان الواجب هو مجرد الدعوة والارشاد والتوجيه ، وسائر الطرق المباشرة ؟

ام ان الواجب يشمل : تأسيس مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات البنية التحتية التي تكفل بناء شخصية الانسان فكريا وحضاريا وايمانيا : مراكز دراسات ، قنوات فضائية هادفة ، منظمات حقوق الانسان ، مراكز الضغط (اللوبيات)، وكذلك كل ما من شأنه ان يسهم بشكل مباشر او غير مباشر في بناء مجتمع حضاري متطور مفكر؟

لكي نعرف الاجابة على هذا السؤال نعيد صياغة السؤال بطريقة اخرى فنقول:

هل دائرة (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) تتسع لتشمل كل ما يتعلق بشؤون العقيدة والشريعة وكل ما قوام المجتمع به وحتى قائمة الفضائل والرذائل الاخلاقية؟

وهل ان ذلك واجب على كل احد؟

وهل يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لو كان المأمور بالمعروف (فردا او منظمة اوجهة او حتى شعبا ، وكذا المنهي عن المنكر) جاهلا او غافلا عن انه معروف وان ذاك منكر ، اي هل يجب اخراجه من دائرة الجهل وافهامه بان مسيرتك خاطئة ثم نهيه عن ذلك وردعه؟

وكذلك هل الواجب ان نعرفه اولا ما هو المعروف ثم ندفعه باتجاه الالتزام به؟

ثم بعد ذلك ، ولان الناس على قسمين جاهل مقصر وجاهل قاصر، نتسائل

هل يختص وجوب الامر والارشاد بالجاهل المقصر فقط ام يشمل الجاهل القاصر ايضا؟

الايات الحيوية

ولكي نعرف مدى اهمية وخطورة هذه الاسئلة ونعرف شدة ترابطها مع عنوان هذا البحث نمثل بالايات الحيوية في القران الكريم والتي هي الاساس الاكبر في بناء شخصية الانسان الحضارية والسبب الرئيسي في تقدم واستقرار وازدهار الحضارات: وهي ايات :

1- (الشورى) كما قال تعالى (امرهم شورى بينهم) وقال سبحانه (وشاورهم في الامر)

2- (الحرية) قال تعالى : (لا اكراه في الدين) وقال عز من قائل (يضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم).

3- (الامة الواحدة) كما قال تعالى: (وان هذه امتكم امة واحدة)

4- (الاخوة الاسلامية) حيث يقول سبحانه ( انما المؤمنون اخوة)

5- ( التعددية ) ( قال تعالى (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) باعتبار ان جوهر التعددية – سياسية كانت ام غيرها – هو التنافس

6- ( العدل والاحسان) ( اذ (ان الله يأمر بالعدل والاحسان)

فهل يجب مثلا تثقيف مجتمعنا العراقي (في الداخل والخارج ،احزابا ومنظمات وشخصيات وحكومات) بثقافة (الشورى)؟ وهل يجب استخدام مختلف سبل الامر بالمعروف ومراتبه الثلاثة (القلب واللسان والجوارح) للدفع باتجاهها؟ ام لا؟

وهل يجب تثقيف الناس بالحريات الاسلامية ودعوتهم لها والتخطيط لتحققها وتوفير ضمانات للحفاظ عليها ؟

وكذلك الامر في عناوين اخرى هامة مثل التعايش السلمي بين الشيعة والسنة ، وبناء المجتمع ليكون محصنا امام محاولات ايقاع الفتنة الطائفية واشعال فتيل الحرب بين الطائفتين  فهل يجب نشر ثقافة (الحوار البناء الموضوعي الايجابي) بحيث يكون الحكم هو المنطق وتكون (الكلمة) و(البرهان) و(الحجة) هي المرجع ، بدل ثقافة ( منطق القوة) والمحاصصة الطائفية مثلا التي تعتمد على الضغوط الاقليمية والدولية وعلى استخدام سلاح الارهاب في وجه الاكثرية التي لا تريد اكثر من حقوقها المشروعة؟

وبتعبير اخر هل يجب بناء شخصية الانسان العراقي بحيث لايكون مستعدا للتنازل عن حقوق الاكثرية ، في الوقت الذي يدافع فيه بنفس القوة عن حقوق الاقليات ايضا؟

لقوله (صلى الله عليه واله)

(لا يتوى ، اي لايضيع ولا يسحق ، حق امرء مسلم)

ذلك كله ما سنستعرضه – بايجاز – في ضمن الاجابة على الاسئلة التالية:

السؤال الاول:

هل دائرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تتسع لتشمل شتى مناحي بناء شخصية الانسان : ايمانيا وفكريا وحضاريا؟ وبعبارة اخرى هل تتسع لتشمل شؤون العقيدة وشؤون الشريعة وكافة الشؤون الاخلاقية : فضائل ورذائل ، وكل ما يصلح الانسان في شيء من شؤون دينه او دنياه ؟

للاجابة على ذلك نقول :

ان الايات والروايات تدل بوضوح على الشمول ولاننا لسنا بصدد بحث فقهي استدلالي الان نكتفي بذكر آيتين وروايتين ثم نتطرق لذكر كلمات عدد من اعاظم فقهائنا .

قال الله تعالى (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ومن الواضح ان كافة ما يتعلق بشؤون العقيدة والشريعة وما يسعد الناس في دنياهم واخرتهم هو(سبيل الرب) جل وعلا.

وقال عز من قائل (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)  آل عمران 110

وقال امير المؤمنين عليه السلام (ذلك ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء الى الاسلام مع رد  المظالم ومخالفة الظالم) فان التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد وكذلك (الشورى) و(الحرية) و(الاخوة الاسلامية) و(العدل والاحسان) كلها (معروف) والامر بها امر بالمعروف والدعوة لها (دعاء الى الاسلام) اصولا وفروعا.

وفي الحديث (لا يتكلم الرجل بكلمة حق يؤخذ بها الا كان له مثل اجر من اخذ بها ولا يتكلم بكلمة ضلال يؤخذ بها الا كان عليه مثل وزر من اخذ بها) ومن الواضح ان (الحق) و(الباطل) يشمل كل ما ذكر فكل معتقد ، وكل كلمة ، وكل موقف وكل عمل ، وكل عقد ، وكل تشريع و.... فانه اما حق واما باطل يقول اية الله العظمى السيد عبدالاعلى السبزواري في مهذب الاحكام ج15 ص 137 :

(كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)

ص 139: ومن النصوص نصوص متواتره بين الفريقين كقول الصادق (ع) الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من امكنه ذلك.

ص 140: (والمعروف يشمل الواجب والمندوب بل كل ما هو حسن عقلا)لتسالم الكل على انقسام المعروف الى ما ذكر واطلاق الامر بالمعروف وعمومه والترغيب اليه بالسنة شتى يشمل الجميع.

ويقول آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي في موسوعة الفقه ج48 ص 202

ص 202: ( الواجب على الانسان امور خمسة متدرجه الاول ارشاد كافة الناس وامرهم ونهيهم اذا كان متمكنا من ذلك لقوله (وما ارسلناك الا كافة للناس) بضميمة (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) بالاضافة الى اطلاقات الدعوة الى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر)

كما ان اية الله العظمى السيد الخوئي في منهاج الصالحين اعتبر الامور التالية من المعروف:   

( الاعتصام بالله- التوكل على الله- حسن الظن بالله- الصبر- انصاف الناس من نفسك     - الزهد )    

واعتبر الامور التاليه من المنكر : الغضب ، الحسد ، الظلم و...

وعندما نرجع الى التفاسير نجد ان المفسرين يصرحون بان (المعروف) هو الحق و(المنكر) هو الباطل وذلك يشمل بوضوح كافة شؤون العقيدة (التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد) فانها الحق وماعداها الباطل ، والشريعة (سواء في العبادات ام الاحوال الشخصية ام غيرها)

(فان وجوب الصلاة حق ، يجب الامر به، والر با وبيع الكالي بالكالي ، ومصادرة الحكومة للحريات وسحق الحقوق ، والتزوير في صناديق الاقتراع وغير ذلك ،باطل يجب النهي عنه)

قال المفسر الكبير الطبرسي في مجمع البيان:

ذيل اية :

(يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر)

(والمعروف الحق والمنكر الباطل لان الحق معروف الصحة في العقول والباطل منكر الصحة في العقول ، وقيل المعروف: مكارم الاخلاق وصلة الارحام والمنكر عبادة الاوثان وقطع الارحام ثم ذكر ان هذا القول مصداق ذاك

وقال شيخ الطائفة الطوسي في التبيان ذيل الاية الشريفة :(وسمي الحق معروفا والباطل منكرا لان الحق يعرف صحته العقل اذ الاعتماد في المعرفة على الصحة وينكر الباطل بمعنى ينكر صحته).

السؤال الثاني

بعد ان عرفنا شمول دائرة الامربالمعروف والنهي عن المنكر لتغطي شتى مناحي العقيدة والحياة وكل حق وكل باطل ، نتسائل :

هل ان ذلك واجب على كل احد؟

والجواب هو: بدون شك او ريب.. الا ان الخلاف هو هل انه واجب عيني كما ارتضاه الشيخ الطوسي وجمع كبير من العلماء وقال في الشرائع انه اشبه القولين بالمذهب ام انه واجب كفائي كما ذهب اليه المشهور؟

ولذلك نجد ان آية الله العظمى السيد الشيرازي (قده) يقول (الواجب على الانسان امور خمسة متدرجة...) الى اخر ماسبق .

ويقول اية الله العظمى السيد السيستاني في الفقه للمغتربين مسأله 309 (الامربالمعروف والنهي عن المنكر واجبان عباديان على كل مؤمن ومؤمنه ... قال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...)

وفي المسألة 20 (مسألة: لو استطاع المكلف ان يدعوا غير المسلمين للاسلام او ان يزيد في تثبيت دين المسلمين في البلدان غير الاسلامية من دون خوف من النقصان في دينه فهل يجب عليه التبليغ؟ الجواب: نعم يجب كفاية عليه ، وعلى سائر من يستطيع ذلك)

والادلة على وجوب ذلك على كل واحد وجوبا كفائيا هي : العقل وبناء العقلاء والنقل كتابا وسنة: ومنها كافة ادلة ارشاد الجاهل وتنبيه الغافل الى جوار ادلة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ... وغيرها – والتفصيل يطلب من كتب الفقه المفصلة

السؤال الثالث :

هل يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لو كان المأمور بالمعروف وكذا المنهي عن المنكر جاهلا او غافلا عن انه معروف او ان ذلك منكر؟

فهل يجب اخراج الناس من دائرة الجهل مثلا بان الاستبداد حرام ، ومصادرة الاموال حرام ، والتزوير في صناديق الاقتراع ، حرام والمحاصصة الطائفية التي تضيع حق الاكثرية حرام ؟

وكذلك: هل يجب اعلام الناس وتبليغهم بان الشورى واجبه ، والعدل السياسي والاقتصادي والاجتماعي و... واجب؟ الى غير ذلك.

الجواب على ذلك كله : نعم ! وبالادلة الاربعة .. وتكفينا في هذه العجالة نقل كلمات علمين من اكابر فقهائنا العظام .

قال اية الله العظمى السيد احمد الخونساري في جامع المدارك ج5 ص398 (ان الايات والاخبار تشمل صورة عدم معرفة التارك للمعروف والفاعل للمنكر لعدم مدخلية ما ذكر في المعروفية والمنكرية...)

وقال اية الله العظمى عبدالعال الكركي في جامع المقاصد ج3 ص 486 (والاصل في ذلك انه لا دليل على اشتراط الوجوب بهذا الامر (أي العلم بهما) فان الامر بهما ورد مطلقا وتقييده يتوقف على الدليل)

السؤال الرابع :

وهل يجب ارشاد الجاهل وامره بالمعروف ونهيه عن المنكر لو انه كان جاهلا مقصرا ، او حتى لو كان جاهلا قاصرا ايضا؟

والاجابة على ذلك هي:لا شك في وجوب الامر والنهي للجاهل المقصر كما صرح بذلك اعلام فقهائنا

اما القاصر فلا شك ايضا في وجوب ذلك بالنسبة للشؤون الخطيرة ،  وما علم من الشارع اراده عدم وقوعه في الخارج (كالافساد في الارض ، والفتنة ، وقتل النفس المحترمة ، وما يستلزم الهرج والمرج وشبه ذلك ..

واما غير ذلك فقد يقال ايضا بالوجوب نظرا لان (المعروف) و(المنكر) عنوانان ثبوتيان وليسا عنوانين اثباتيين فما هو (معروف) في حد ذاته و(منكر) في ذات نفسه يجب الردع عنه والنهي عنه – وان لم يعلم به قصورا – لشمول كافة ادلة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لذلك

وعلى أي تقدير فان الخلاف في هذه النقطة غير ضار بما نحن بصدده  من وجوب تأسيس ذلك المقدار من منظمات المجتمع المدني (احزابا  ومنظمات ونقابات ومراكز دراسات وجامعات ومراكز ضغط ومنظمات حقوق الانسان وغيرها) التي تعطي الوعي الضروري للأمة وتخرج الجاهل القاصر والمقصر عن جهله ، وتوفر الحصانة من وقوع الوطن في هرج ومرج او فتنة طائفية او مسرحا للدمار الناتج من صراع القوى الاقليمية والدولية ... فان ذلك مما يعلم من الشارع اراده عدم وقوعه اضافة الى ان مقدمه الواجب واجبة عقلا سواء وجبت شرعا اولا

ولهذا البحث تفصيل ، سنرجع اليه في بحث لاحق باذن الله.

الاهداف الذكية

يقول الامام علي عليه السلام

(من ساء تدبيره بطل تقديره)

ويقول (من ساء تدبيره كان هلاكه في تدبيره)

ويقول عليه السلام (من تأخر تدبيره تقدم تدميره)

وهذه الكلمات على اختصارها تحمل في طياتها اشمل واعمق البحوث الاستراتيجية – الادارية فان (سوء التدبير) ينشأ :

(1) اما من عدم تحديد الهدف (هل حددت هدف وجوديا في الغرب مثلا؟ فهل لكي انقذ شعبي ام لكي احصل على لقمة العيش فقط؟) او من انتخاب الهدف المهم على حساب الهدف الاهم عند التزاحم (فالطالب يدرس لكي يصبح مهندسا او طبيبا لكن اليس الاهم ان يكون اعلاميا او محاميا يدافع عن قضايا وطنه؟)

(2) وقد ينجم سوء التدبير من انتخاب هدف غير قابل للتحقيق – ولو في هذه المرحلة الزمنية المعينة او من هذه البقعة الجغرافية  او بهذه الالية –

(3) وقد ينبع سوء التدبير من عدم وضع (مقاس) لقياس (الاداء) و (الجودة) ومدى الاقتراب من الهدف – عند انجاز سلسلة محددة من الاجراءات والخطوات ، او من عدم الالتزام بمراجعة المقياس وتصحيح المسار بين فترة واخرى .

و(المقياس) قد يكون كميا وقد يكون كيفيا مثال : العام الماضي بعثنا مأة الف ايميل للدفاع عن حقوقنا وهذه السنة وصلنا الى نصف مليون ، او ان مستوى (النزاهة)  لدى الدولة او المنظمات والمؤسسات كان بدرجه وبمستوى ج في السنة الماضية ؟ لكن ماذا عن العام الحالي؟

او ان الاتجاه العام كان لدى المؤسسات (التسطيح الفكري) او درجة واطئة من العمق في التحليل ... وكذا درجة محدودة من الابداع ... لكن ماذا تحقق بعد ذلك؟

(4) وقد يكون (سوء التدبير) معلولا للخطأ في انتخاب (السبل) و(الاليات) القابلة للاعتماد والموثوق بها ، او حتى الاشخاص الجديرين بالثقة والذين يجب ان يكونوا مصداق (القوي الامين) ... فهل مناهجنا الدراسية في الجامعات مثلا تساير حاجات المجتمع ام انها صالحة لثلاثة عقود سالفة او اكثر؟

وكذلك يمكن ان يقال عن بعض المناهج الحوزوية

(5) وربما كان (سوء التدبير) ، ناتجا عن عدم وضع جدول زمني دقيق ومرن في الوقت نفسه فمثلا : اننا نروم استقلال بلدنا لكن عدم الاصرار على وضع جدول زمني محدد لخروج قوات الاحتلال ، يعني امكانية استمرار الوضع الى مالا نهاية.

ومثال اخر : ان هذا الجمع الطيب وغيره يريد اعادة بناء ثقافة الكثير من شرائح الشعب ايمانيا وفكريا وحضاريا .. لكن لو ترك الامر دون جدول زماني محدد فان ما يمكن ان ينجز في عقد قد لا ينجز حتى لو مضى قرن من الزمن... وهكذا او هلم جرا

والى هذه الانماط الخمسة كلها من (سوء التدبير) اشار الامام علي عليه السلام بقوله (من ساء تدبيره، بطل تقديره) بل اوضح لنا الامام اكثر من مجرد بطلان التقدير ، بانه – وفي القضايا الخطيرة (وذلك يفهم من القرينة المقامية ومن مناسبة الحكم والموضوع) : (من ساء تدبيره كان هلاكه في تدبيره) واشار عليه السلام الى عامل الزمن وحساسيته واهمية انتخاب التوقيت المناسب والجدول الزمني الصحيح ، بقوله (من تأخر تدبيره تقدم تدميره) ولعل علماء الادارة استلهموا من كلامه عليه السلام – هذا وغيره سواء اعترفوا ام لم يعترفوا-القاعدة التي اطلق عليها :

الاهداف الذكية او سمارت smart

1- Specific                ان يكون الهدف محددا

2- Measurable                 وان يكون قابلا للقياس والرصد

3- Attainable          وان يكون قابلا للتحقيق والتحقق

4- Reliable              وان يكون قابلا للاعتماد عليه ، موثوقا به

5- Time – Tabled     وان يكون له جدول زمني محدد

والا كان كل ذلك من (سوء التدبير) الذي قد يجلب الدمار لشعب والافلاس لشركة والفشل للشخص.

وعودة الى عنوان هذا البحث (دور المرجعيات والشخصيات والمؤسسات الدينية في بناء الشخصية العراقية فكريا وحضاريا وايمانيا) ، نستلهم من القرآن الكريم تحديد الهدف – وهو الاساس الاول – حيث يقول تعالى :

(لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين) آل عمران الاية 64

فالهدف المقصود من  بعثه رسول الله صلى الله عليه واله هو بناء الشخصية في بعدي التزكية والتعليم والتزكية كما يقول الامام الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) في تفسيره (بقلع جذور المفاسد الاجتماعية والرذائل الخلقية ) ويقول ( التزكية من ادران العقيدة وموبقات الاجتماع) ويقول (التزكية من الكفر والفسق)..

اذن (التزكية) هي الهدف الاول وهي تعنى بناء الشخصية الايمانية في بعدي العقل النظري والعقل العملي : فيجب ان تكون (العقيدة) سليمة – في اصول الدين وما يتعلق بها - ، ويجب ان يكون السلوك نزيها فلا للفسق (عبر اجتناب المحرمات) ولا حتى (للرذائل الخلقية) كالجبن والبخل والحسد والتكاسل وما اشبه ، وبذلك يكون الشعب هو ذلك الشعب الحضاري المتحلي بصفات الكرم والشجاعة والايثار والهمة العالية وما الى ذلك  و(التعليم والتثقيف) هو الهدف الاخر وهو يعني : بناء الشخصية المتكاملة فكريا وحضاريا وذلك عبر تعليم الناس (افرادا ومؤسسات) (فكرا) ينبع من القرآن الكريم ، وعبر : تعريفهم على قواعد واسس بناء الامم والمجتمعات المزدهرة والمتطورة على ضوء هدي الكتاب الحكيم وسننه وتعاليمه (امثلة: الشورى، العدالة ، الاحسان ، الاخوة الاسلامية ، الامة الواحدة ،(فلا حدود جغرافية ولا جوازات ولا جنسية) وايضا: تكافؤ فرص العمل والاستثمار والتنافس الايجابي الخ .

وبعد ذلك كله نلاحظ ان هذه الاهداف تتميز بالوضوح والدقة وبانها محددة تماما.

كما تمتاز بانها قابلة للقياس والرصد كما وكيفا.

وتمتاز ايضا بان وسائلها والياتها قابلة للتحقيق والتحقق وبانها قابلة للاعتماد عليها والوثوق بها والركون اليها.

وبامكانية وضع جدول زمني واضح لها وربما تحدثنا عن هذه النقاط باستيعاب اكبر في بحث لاحق باذن الله.

وفي العراق : - ولنكون اكثر وضوحا وتحديدا – نتسائل : هل وضعت المرجعيات والشخصيات والمؤسسات والاحزاب هدف بناء الشخصية العراقية فكريا وايمانيا وحضاريا ، في اولوياتها واعتبرته هدفا مقدسا لا يمكن تناسيه او تجاهله او اهماله؟

ثم هل وضعت (مقاييس) لقياس مدى تقدمها (مقاييس كمية):العام الماضي طبعنا مليون نسخة من نهج البلاغة والصحيفة السجادية وتحف العقول عن آل الرسول ص والاحتجاج وما الى ذلك وهذه السنة سنطبع كذا وكذا ، او كانت لنا عشرة محطات فضائية والان لنا عشرون ، او كانت ثلاثة من الاحزاب والمنظمات تلتزم نهج الشورى والان تلتزم بالشورى عشرة منها مثلا وهكذا وهلم جرا .

او (مقاييس كيفية) : في العام الماضي كانت مؤتمراتنا تبحث قضية بناء الشخصية بشكل سطحي وعابر اما الان فاصبح ذلك هو المحور الاساسي وفي جوهر الاحاديث (في المؤتمرات وعلى هامشها وحتى في شتى الجلسات) .

ثم هل اننا اعتمدنا على اليات وسبل ووسائل قابلة لتحقيق الاهداف المرجوة وايضا قابلة للاعتماد عليها بحيث تكفل تحقيق : الاستقلال ، الاستقرار ، الازدهار، الحرية ، وبتعبير شامل : تكفل صناعة الشخصية الايمانية الحضارية المفكرة على مستوى العراق كله؟

فمثلا الاحزاب العراقية (الدينية والعلمانية)، و(الائتلاف العراقي الموحد) ، والتعاطي مع هذه الدولة الاقليمية او تلك الدولة الاستعمارية و...

فهل هذه الاليات اليات يمكن الاعتماد عليها بالفعل لبناء امة حضارية مستقلة مزدهرة؟

واذا لم تكن فاين الخلل؟ هل في ذات تلك التكوينات ام في طريقة تعاملها ام في الاولويات التي رسمتها لانفسها ام لضغوط خارجة عن الارادة ام لمجموع ذلك كله؟

وهل لا تزال – كمرجعيات او احزاب وشخصيات -  نخضع ذلك كله للرصد والدراسة والتحليل ؟

وبعد ذلك كله: هل رسمنا جدولا زمنيا لكل ذلك ؟ (مثلا تحول الحزب من حالة استبدادية، من القيادات العليا الى الوسطى الى المكاتب، الى حالة شورية...) هل اكتفينا بسماع الوعود بذلك ام طالبنا الحزب بتحديد جدول زمني للتحول التدريجي او الدفعي للعمل الديمقراطي؟

وهكذا الحال في كافة الامثلة الاخرى

اننا اذ لم نقم بذلك كله انطبق علينا لا سمح الله قول امير المؤمنين ومولى الموحدين وسيد الحكماء والبلغاء علي بن ابي طالب عليه السلام (من ساء تدبيره ، كان هلاكه في تدبيره) و(من تأخر تدبيره تقدم تدميره) فهل من مدّكر؟

اننا لكي نؤدي (دورنا) الضروري والواجب شرعيا علينا في بناء الشخصية العراقية ايمانيا وفكريا وحضاريا ، لا بد من ان نكوّن ونؤسس ونرعى منظومة بل منظومات متكاملة:

اعلامية – اقتصادية – حقوقية – تنظيمية – وروحية ايضا ، وعلى مستوى العراق كله وحيثما تواجد العراقيون في المهجر.

وهذا ما سنبحثه ضمن العنوان القادم (اقسام الجهاد) باذن الله

اقسام الجهاد الخمسة:

الجهاد احقوقي والاقتصادي والتنظيمي والاعلامي وجهاد (الدعاء)!

ان (خارطة الطريق) لبناء عراق مزدهر ومتطور ومستقر وحضاري ، ولبناء الشخصية العراقية فكريا وحضاريا وايمانيا ، بحيث تنافس ارقى شعوب الارض بل تكون الاسوة والقدوة والانموذج الذي يشار اليه بالبنان ، هي (الجهاد) باقسامه الخمسة!..

ولكن وقبل ذلك يجب ان نشير الى امر في غاية الاهمية وهو (مفهوم الجهاد) في الاسلام وغايته وفلسفته- ولو اشارة اجمالية عابرة – ذلك ان مفهوم (الجهاد) قد اساء اليه اكبر الاسائة متطرفوا المسلمين واعداء الاسلام على حد سواء فاضحى يحمل – عند الكثيرين – مخزونا من العنف والكراهية والاكراه والقسر الا ان الجهاد بمعناه الاسلامي الحقيقي: هو - بحق – مفهوم انساني حضاري باسمى تجليات (الحضارة البشرية) على مر التاريخ ..

فان الجهاد شرع للدفاع عن حقوق الانسان ، وليس لسحق حقوق الانسان : حقوق الاكثرية ، وحقوق الاقلية على حد سواء ، وللحفاظ على كافة الحقوق : الشخصية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

ذلك ان الجهاد شرع للدفاع عن الغاية من بعثة رسول الله (ص) وهي بصريح القرآن الكريم: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) وليس رحمة للمسلمين فحسب.

وايضا يصرح ربنا تعالى في كتابه الحكيم باهداف بعثه الرسول الاعظم محمد المصطفى صلى الله عليه واله وسلم ويعد منها (ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم).

والايات والروايات الدالة على ذلك بالمآت ويكفي ان نشير الى كلام الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام حيث وجه امرا الى كافة المسلمين بل كافة الناس بقوله (وافشوا السلام في العالم) تحف العقول عن آل الرسول – في خطبته المعروفة بالديباج وللتفاصيل يمكن مراجعة (الفقه:السلام) للامام السيد محمد الشيرازي رضوان الله تعالى عليه.

وذلك يعني انه لا بد من ان نبدأ بانفسنا كما قال الرسول (ص) (ابدأ بنفسك) واستقى منه الشاعر قوله (ابدأ بنفسك ايها الانسان...)

فلنطبق (نظام الشورى) وان بدى صعبا او عارضه البعض في مراكزنا وحسينياتنا ومساجدنا ومنظماتنا واحزابنا، وايضا على صعيد المرجعيات الدينية فلنطبق مثلا فكرة (شورى الوكلاء) وفي كل دولة كمرحلة اولى للوصول الى شورى الفقهاء المراجع ، ولنلتزم بـ ( العدل) و(الاحسان) مع عوائلنا ومع شركائنا بالعمل ومع جارنا وحتى مع اعدائنا ...

ولنحاول جادين ان نسمو على الانانيات ونخرق حجب (الانا) وظلمات الانانية ، ولنصفح عن المسيء بل ولندفع السيئة بالحسنة بل بالتي هي احسن كما قال تعالى (ادفع بالتي هي الاحسن) .. وبكلمة فلنبدأ بـ (الجهاد) باقسامه الخمسة لكي نؤدي الواجب علينا في بناء الشخصية العراقية فكريا وايمانيا وحضاريا.

وهذه اشارة سريعة لاقسام الجهاد – من غير حصر بها اذ هنالك اقسام اخرى للجهاد كالجهاد السياسي والجهاد العسكري ويحتاج ذكرها وذكر حدودها وشروطها وضوابطها الى مجال اخر –

اولا: الجهاد الاقتصادي

قال الله تعالى (وجاهدوا باموالكم وانفسكم في سبيل الله) ذلك انه لا يمكن النهوض بشعب من دون جهاد اقتصادي حقيقي ، وذلك يعني ليس الالتزام بالخمس والزكاة فقط وهو ما يتهرب منه اكثر الناس بعذر او آخر بل وايضا بذل المزيد والمزيد والمزيد... ويكفينا شاهدا : ان (المورمن) وهم اقلية مسيحية لا تتجاوز العشرة ملايين وفروا ميزانية سنوية زادت عن الخمسة مليارات دولار عبر الالتزام الحقيقي بنظام (العشر) رغم ان ذلك ليس واجبا شرعيا نصت عليه نصوصهم الدينية ، بل هو التزام اخلاقي فقط ، اضافة الى ان كنيستهم اقترحت عليهم تبرعا سنويا مبتكرا وهو صيام يومين سنويا واعطاء ما يتوفر من المال بذلك للكنيسة !

وكان ان بلغت الايرادات من التوفير في الاكل ليومين فقط بالسنة مأة وعشرين مليون دولارا سنويا !!

ولكي نبني عراقا ايمانيا حضاريا لابد من الجهاد الاقتصادي لتأسيس : المعاهد العلمية والجامعات الاهلية ومراكز الدراسات ومراكز التنمية البشرية وحتى المياتم التي تعنى بايتام العراق البالغ عددهم خمسة ملايين – حسب بعض الاحصاءات – ماديا ومعنويا ، فكريا وثقافيا ، صحيا وعاطفيا لينشأ هذا الجيل وهو يملك منتهى درجات القوة والكفاءة والايمان والسلامة والصحة ، للنهوض بعراق حضاري ايماني حر مزدهر مستقر مستقل باذن الله.

ثانيا – الجهاد الاعلامي :

يجب ان نتسائل:

كم فضائية نمتلك – في بحر الوف الفضائيات - ؟

وكم مجلة وجريدة نصدرها ؟ وكم محطة بث اذاعي اسسناها؟

وكم مقالة تنشر لنا بالصحف الغربية؟ او الصحف العربية؟

وهل استثمرنا حتى 1% من قدراتنا الاعلامية لتكريس وبث واشاعة ثقافة (الشورى) ، (الاخوة) و(الحرية) و(اللاعنف) و(الدعاء) وغيرها في نفوس المجتمع حتى تنبنى اجيالنا نفسيا وروحيا وفكريا على ذلك كله؟

وايضا كم بذلنا من جهد اعلامي لعرض الوجه الحضاري والحقيقي والمشرق لمدرسة اهل البيت الاطهار عليهم السلام؟

ويكفي ان نقرأ بعض ما جاء في استطلاع اجرته World public opinion حيث جاء فيه ان 40% من المصريين يؤيدون الارهابي الشهير بن لادن (الذي يقع على عاتقه جانب كبير من مسؤولية تدمير العراق) كما ان 17% من الشعب الاندنوسي ايدوه ايضا.

ماذلك الا لاننا تخلينا عن (الجهاد الاعلامي) وتركناه لغيرنا طائعين!

ثم لنتسائل ايضا كم من الجهد والجهاد الاعلامي (بل والسياسي والدبلوماسي والحقوقي وغيرها) بذلناه لاعادة بناء مرقدي الامامين العسكريين عليهما السلام بسامراء؟ ولاعادة اعمار البقيع ايضا؟ اليس ذلك من اوضح مصاديق الخذلان لاهل البيت عليهم السلام؟

وكان من الواجب ان نغرق الحكومة ورؤساء الدول والمنظمات الدولية بمآت الملايين من الايملات والرسائل وان نمطر الصحف والمجلات بالمقالات والدراسات والبحوث وان نقوم بألوف الاعتصامات والمظاهرات السلمية على مدار السنة وان لا يغمض لنا جفن حتى نعيد بناءها ونوفر الحماية لها ولغيرها من الاماكن المقدسة ، ونفضح الفكر التكفيري الارهابي ، المسبب لها ، ونخطط لاجتثاث جذور الارهاب (ومنه الارهاب الفكري التكفيري) .. الى غير ذلك.

اننا اذ لا نفعل ذلك نكون لا سمح الله كمن يحفر قبره بيديه وكمن ضيع في الصيف اللبن ومن وراء ذلك حساب الهي عسير..

ثالثا : الجهاد الحقوقي:

ويكفي ان نعرف ان منظمة واحدة وهي منظمة (بيتا) استطاعت ان تضم الى صفوفها مليون وخمسمأة الف عضو !! وهي منظمة متخصصة في الدفاع عن حقوق الحيوان ! ويحق لنا ان نتسائل كم عضوا جندنا للدفاع عن حقوق الانسان العراقي (الانسانية والفكرية والحضارية) المهدورة؟ وكم من الجهد بذلنا لبناء الشخصية الايمانية المتحضرة التي ترى (الحقوق) بكافة انواعها امرا مقدسا لا يمكن تجاوزه او المساومة عليه ؟ وتأكيدا نقول (الحقوق بكافة انواعها) مما يعني ليس فقط حق الانسان في الحياة (وهو الذي اصبح بدوره عرضة للانهيار) بل حقه في السفر والاقامة والتجارة والاستيراد والتصدير والبناء والاعمار والزراعة – دون قيود وقوانين كابته ورسوم وروتين مدمر ، وكذلك حقه في اصدار الصحف والمجلات وتأسيس قنوات فضائية ومحطات اذاعة وتأسيس دور نشر وعبادة ومدارس وجامعات ومراكز دراسات و... غيرها دون عوائق وموانع وقوانين مقيدة ما انزل الله بها من سلطان – راجع للتفاصيل : الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية والرفاه والسلام وكذلك الفقه : الحريات لسلطان المؤلفين الامام السيد محمد الشيرازي قدس الله سره- واننا اذ قمنا بذلك كله ، فانما خدمنا انفسنا ودافعنا عن ذواتنا ايضا وليس فقط عن حقوق شعبنا ووطننا وديننا الحنيف قال تعالى (ومن جاهد فانما يجاهد لنفسه) سورة العنكبوت – اية 6

رابعا : الجهاد التنظيمي

لكي نبني شعبا يتحلى بمثالية ايمانية وبمواصفات حضارية ، لابد من اشاعة ثقافة النظم والنظام والتنظيم فقد قال الامام امير المؤمنين عليه السلام في وصيته لولديه الامامين الحسن والحسين عليهم السلام – وهي وصية لكل مسلم - : (اوصيكما وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم امركم) فينبغي ان لا يوجد شاب او فتاة او شيخ او حتى طفل الا وهو منخرط في نشاط تنظيمي يصب في النهوض بالبلد فكريا وحضاريا وايمانيا ويجب ان يتحول المجتمع كله الى كتلة من : النقابات ، والاتحادات والاحزاب والمنظمات وسائر مؤسسات المجتمع المدني ولعل من اسرار قوة اليهود – رغم ضلالهم وقلة عددهم – ما اشار اليه البعض من انه ما اجتمع يهوديان الا اسسوا 3 منظمات : فهذا منظمة وذاك منظمة وكلاهما : منظمة ثالثة!

وايباك – اللوبي الصهيوني الضاغط  - تضم في عضويتها مأة الف شخص – وكجزء من حملتها الضاغطة على امريكا لتبني الدفاع عن اسرائيل – وبشكل أعمى – كانت لهذه المنظمة عام 2006 حوالي الفين من اللقاءات باعضاء الكونغرس الامريكي !

ومن الواضح ان (اسرائيل) تستمد ربما 90% من قوتها – ان لم نقل بالاكثر – من الحماية الكاملة والدعم الكبير الذي تحظى به من امريكا ودول اخرى .

قال تعالى (الا بحبل من الله وحبل من الناس) .

لقد عرفوا سر القوة .. فهل نتعرف نحن عليها ايضا؟ انها التنظيم.. والتنظيم .. والتنظيم ... واذا عرفنا ذلك وعملنا بجد وعزم ومارسنا (الجهاد التنظيمي) على اوسع واعمق وادق سبله ، عندئذ ثقوا تماما ان العراق سيكون بألف خير :مستقلا امنا مزدهرا حرا وحضاريا.

خامسا : جهاد الدعاء

وهل هنالك جهاد يسمى (جهاد الدعاء)؟

الاجابة .. نعم ومن دون ريب.. فان الدعاء رغم انه يتمتع بمزايا استثنائية : حيث انه في غاية السهولة ، ولا يحده زمان ، ولا يتقيد بمكان ، ولا يتأطر بحالة ، اذ يمكن التضرع الى الله في كل زمن وفي كل مكان وفي كل حالة ، ومن كل شخص ، كما انه لا سور له ولاحظر عليه لا من جهة الداعي والسائل ، ولامن حيث المطلوب والمسؤول ، وهو الى ذلك كله: وسيلة ربط مباشرة بخالق البرايا واله العالمين ومن بيده مفاتيح الفلاح  ولكن ومع ذلك كله نجد ان الانسان – بشكل عام – معرض عن الدعاء !

وادل دليل على ذلك ان ربنا تبارك وتعالى اوضح لنا سبيل الخلاص من عظائم الفدائح فقال ( فلولا اذ جاءهم بأسنا تضرعوا) وقال (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) وقال (قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم) ومع ذلك ورغم ان البلاء لا يزال يصب علينا صبا في العراق الجريح وفي لبنان وافغانستان وغيرها ايضا، لا نشاهد ذلك التضرع الذي ينبغي ولا الدعاء الذي يتحتم في مثل هذه الحالات اذ ان البلاء اذا كان فرديا ، كان الدعاء فردي كافيا لدفعه (كمرض او دين او جار معاد) لكنه اذا كان جماعيا وعاما فانه لابد من (مظاهر عامة) للدعاء – كما الفت الى ذلك آية الله العظمى السيد محسن الحكيم حسب مانقل عنه- كما نجد ذلك في صلاة الاستسقاء التي تستدعى خروج الناس كبارا وصغارا شيبا وشبانا رجالا ونساء الى الصحراء والابتهال الى الله بكل خضوع وخشوع حتى ينكشف البلاء...

والان لنتسائل اليس البلاء المحدق بالعراق من كل حدب وصوب ، اخطر من بلاء القحط والغلاء؟

فلماذا لا نرى استنهاضا شاملا للناس (للدعاء) ، بحيث يتحول الدعاء الى ظاهرة عامة في حياة الناس : ليس في الحسينيات والمساجد فحسب ، بل في الشركات والمحلات ومقار الاحزاب والمنظمات والنقابات والاتحادات ، وفي الوزارات وايضا في المدارس والجامعات والمستشفيات والمياتم ومراكز الدراسات وغير ذلك ؟ ولماذا لا يتحول الدعاء الى ظاهرة عامة في حياة المجتمع بحيث يخرج الناس زرافات ووحدانا الى الصحراء للتضرع والبكاء ؟

ولماذا لا نخصص كل سنة (اسبوعا للدعاء) على الاقل ، ليصطبغ كل شيء بلون السماء ، وتتعطر كل الاجواء بالدعاء : الشوارع ، المحلات ، كافة المؤسسات ، والراديو والتلفزيون والجرائد .. والقلوب والالسن.....

وكان التعبير بـ (جهاد الدعاء) لان الدعاء رغم بساطته وسهولته ، الا ان اعدائه كثـّر : فمن اعدائه : الغفلة ، والنسيان ، والتكاسل عنه ، وايضا : الجهل باهميته وشروط استجابة الدعاء ، والازمنة الاقرب للاستجابة والامكنة الاقوى في التأثير والحالات الاكثر نفاذا ، وايضا الشروط الجوهرية التي بدونها لا يستجاب ابدا الدعاء قال الله تعالى (اوفوا بعهدي اوف بعهدكم)

واخيرا علينا ان نقوم بكل جد وحزم وعزم ، بالواجب الملقى على عواتقنا تجاه امتنا وشعبنا ووطننا وان نجند كل طاقاتنا لبناء عراق ايماني حضاري مستقر مزدهر والا شملنا البلاء وعمنا غضب الله لا سمح الله ففي الحديث (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر وإلا ليسلطن الله عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم).

وفي الاتجاه المقابل يقول الامام امير المؤمنين عليه السلام (جاهدوا تورثوا ابناءكم عزا):

وقد قال الله العظيم من قبل (ومن جاهد فانما يجاهد لنفسه) واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين

 

 

السيد مرتضى الشيرازي      

ج1 – 1428 هـ = 19 /5/2007