العربيات الأنجح بعد الآسيويات في أمريكا

 

 

نجحت المرأة العربية الأمريكية في انتزاع مكانة متميزة داخل المجتمع بفضل عوامل كثيرة منها حصولها على شهادات علمية عالية وإصرارها على تحويل هويتها المزدوجة الثقافة إلى عامل دافع للنجاح والتفوق. وقد برهنت المرأة العربية داخل الولايات المتحدة على أن التسلّح بالعلم مقرونا بالإرادة الكبيرة واستغلال الفرص المتاحة يمكن أن تكون وصفة جاهزة للنجاح والتفوق.

جزء من كل

إذا ما سلـّمنا بأن المرأة تشكل على الأقل نصف نسبة العرب الأمريكيين فإن عدد النساء الأمريكيات من أصل عربي المسجلات رسميا في لوائح التصويت يبلغ أكثر من مليون ونصف امرأة. ورغم ندرة الدراسات الاجتماعية التي تهتم بوضعية المرأة الأمريكية ذات الأصول العربية إلا أن بعض الأبحاث تشير إلى أن المرأة العربية لعبت دورا محوريا في استمرار انتقال الموروثات الثقافية العربية إلى الأجيال اللاحقة من الأمريكيين ذوي الأصول العربية داخل الولايات المتحدة.

مسيحيات ومسلمات..  لكنهن عربيات أمريكيات

تتباين نتائج الدراسات العلمية التي اهتمت بوضعية النساء الأمريكيات من أصول عربية على قلتها فيما يخص نسبة العمل خارج البيت ومعدل الدخل والمستوى التعليمي. وقد أشارت دراسة أجرتها الدكتورة جنان غزال ريد أستاذة مساعدة في قسم علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا أن معدل عمل المرأة العربية الأمريكية يعد من الأضعف على الإطلاق مقارنة مع الأعراق الأخرى داخل الولايات المتحدة. كما أشارت الدراسة إلى أن عددا كبيرا من أولئك النساء متعلمات لكنهن لا يعملن ويفضلن الاهتمام بالعائلة وتربية الأطفال خصوصا بين صفوف النساء المسلمات. وأشارت الدراسة أيضا إلى أن معظم النساء العربيات الأمريكيات هن مسيحيات وحسب الدراسة فإن هناك فرق شاسع بين المهاجرات اللائي حصلن على الجنسية بعد الإقامة داخل الولايات المتحدة والعربيات المولودات داخل أمريكا. ويشير كتاب "الثقافة والطبقية والعمل بين صفوف النساء العربيات الأمريكيات" إلى أن المهاجرات العربيات تبقى لديهن روابط قوية مع الموروثات الثقافية والتقاليد المحلية حتى بعد إقامتهن داخل الولايات المتحدة لفترة طويلة وغالبا ما تجدهن ينشطن في المساجد والجمعيات الأهلية المحلية.

المشاركة في تحسين صورة العرب والمسلمين في عالم ما بعد هجمات سبتمبر

ضمّت النساء العربيات الأمريكيات جهودهن لجهود الرجال بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتحسين صورة العرب والمسلمين التي تضررت كثيرا بسبب تلك الهجمات الإرهابية وقد شارك عدد من هؤلاء النساء في برامج الحوارات التليفزيونية (توك شو) على القنوات الإخبارية الأمريكية للدفاع عن القضايا العربية والإسلامية كما ساهمت عدد من النساء في تنظيم حملة رسائل إلكترونية للسيدة لورا بوش عقب إدلائها بتصريحات تحدثت فيها عن معاناة النساء الإسرائيليات بسبب الصراع في منطقة الشرق الأوسط. وطالبت الحملة بضرورة أن تشير لورا بوش إلى معاناة النساء الفلسطينيات بسبب الحصار الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية والحصار الاقتصادي المفروض على الحكومة الفلسطينية. كما تعمل المئات من النساء العربيات الأمريكيات من خلال مزاولتهن لمهنة التدريس في الجامعات على التقريب بين وجهات النظر العربية والأمريكية من خلال طرح المواقف العربية المغيبة في المناهج الدراسية والمشاركة في صفحات الرأي بالصحف المحلية والوطنية.

عربيات أمريكيات متفوقات

تشكل وعي عميق لدى المهاجرين العرب داخل الولايات المتحدة بضرورة الاستفادة من هامش الحريات الكبير الذي يتمتعون، به فسارعوا إلى تأسيس المؤسسات المدنية والدينية التي تهدف إلى الدفاع عن القضايا العربية أمام الجمهور الأمريكي. وقد ساهمت المرأة العربية في ذلك الأمر إلى حد كبير رغم المآخذ المختلفة على مدى فعالية ومصداقية المؤسسات التي تسعى لتحقيق ذلك الهدف.  وقد برزت نساء مناضلات معظمهن مسيحيات من بلدان الشرق الأوسط وخصوصا من لبنان متشبعات بالثقافة العربية ومتفوّقات داخل الولايات المتحدة. وقد نجحن بعضهن في ولوج المؤسسات السياسية الأمريكية مثل ماري روز عوكر وهي أمريكية من أصل عربي لبناني كانت عضوا في مجلس النواب من سنة 1977 حتى 1993 وتسعين وترأس عوكر حاليا اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز والتي تحظى بسمعة طيبة داخل أوساط النخبة الأمريكية. كما  تحولت هيلين توماس إلى واحدة من أشهر الصحفيين المتخصصين في شئون السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وقد عاصرت توماس التي تبلغ من العمر أربعة وثمانين عاما الرؤساء الأمريكيين  من الرئيس جون كنيدي إلى الرئيس الحالي جورج بوش الابن. وتشتهر توماس باسم سيدة الصحافة الأولى وكانت مراسلة لوكالة يونايتد برس إنترناشيونال في البيت الأبيض على مدى سبعة وخمسين عاما وأصبحت عميدة المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض، وكان كل رئيس أمريكي يمنحها الفرصة لتسأل أول سؤال في مؤتمره الصحفي و تختتم كل مؤتمر بقولها: شكرا سيادة الرئيس فيما كانت دونا شلالا اللبنانية الأصل أول امرأة عربية أمريكية على الإطلاق تتولى منصبا وزاريا في الإدارة الأمريكية وكان ذلك سنة 1993 وقام بتعيينها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كيلنتون وزيرة للصحة وترأس شلالا حاليا جامعة ميامي بولاية فلوريدا ولا يمكننا الحديث عن أشهر العربيات الأمريكيات دون أن نذكر دينا حبيب باول مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون التعليم والثقافة ونائب وكيل الوزارة للدبلوماسية العامة التي يُجمع المحيطون بها على أن نجمة صاعدة في إدارة الرئيس جورج بوش الابن. وقد راهن الحزب الجمهوري على دينا باول لتحسين صورة الولايات المتحدة وتعزيز حظوظها بالفوز في معركة كسب القلوب والعقول في منطقة الشرق الأوسط ولائحة النساء العربيات الأمريكيات اللائي سطع نجمهن سواء في السياسة أو الطب أو الأدب طويلة اخترنا منها الأسماء الواردة أعلاه في هذا الحيز ولا يمكن إنكار جهود الأخريات.

نظرة  ديموغرافية

يبلغ عدد الأمريكيين العرب المسجلين في اللوائح الانتخابية نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون حسب موقع المعهد العربي الأمريكي وحسب المعهد العربي الأمريكي فإن العرب الأمريكيين ينتشرون في جميع الولايات الأمريكية الخمسين لكن ثلثهم تقريبا يتمركزون في كل من كاليفورنيا ونيويورك وميتشيغن وتشير إحصاءات رسمية أجراها مكتب الإحصاء الأمريكي تعود لسنة ألفين، إلى أن 85% من العرب الأمريكيين أنهوا تعليمهم بالمدارس الثانوية فيما يحمل أربعة من بين كل عشرة من العرب الأمريكيين شهادة البكالوريوس أو الماجستير وهذا يعادل تقريبا ضعف المعدل الوطني الأمريكي. كما تشير إحصائيات رسمية أمريكية إلى أن 88% من العرب الأمريكيين يعملون في القطاع الخاص فيما فضل 12% منهم العمل في القطاع الحكومي.

موجة الهجرة الأولى

تشير دراسات علمية قليلة تم إنجازها حول العرب الأمريكيين داخل الولايات المتحدة إلى أن موجة الهجرة من الدول العربية نحو الولايات المتحدة تصاعدت بشكل كبير خلال نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي. وحملت تلك الموجة الأولى من المهاجرين آلاف العرب الذين فروا من منطقة الشرق الأوسط بسبب الحروب التي شهدتها المنطقة آنذاك وأيضا بسبب الظروف المعيشية المتدهورة التي خلـّفها خروج الدول المستعمرة من هناك. وتشير تلك الدراسات إلى العرب الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة حينها كانوا مشبعين بالأفكار البالية الداعية إلى ضرورة الانغلاق داخل تجمّعات عربية وإسلامية صغيرة للحفاظ على الهوية والتقاليد العربية والإسلامية في وجه المجتمعات الغربية وعلى رأسها المجتمع الأمريكي الذي كانوا ينظرون إليه على أساس أنه مجتمع مليء بالانحلال والكفر والفساد وقد ساهمت مثل تلك الأفكار في البداية في عزل النساء العربيات المتخوفات آنذاك من انعكاس الثقافة الأمريكية على تربية الأولاد فلزمن البيوت واخترن تخصيص أوقاتهن لتربية الأطفال وإشباعهم بالتقاليد والموروثات العربية وتوثيق الروابط الأسرية بين أفراد العائلة الواحدة.

مرحلة الاندماج

حمل الجيل الجديد من الأطفال العرب المولودين داخل الولايات المتحدة هوية عربية أصيلة بفضل إصرار العائلة على ترسيخ تلك الهوية لديهم لكن رغم ذلك لم تنجح العائلة في عزلهم من المناخ الحُر السائد داخل الولايات المتحدة فنتج بذلك جيل من العرب الأمريكيين الذين يفخرون بهويتهم وتقاليدهم لكنهم في الوقت نفسه يتشبثون بانتمائهم للولايات المتحدة الأمريكية وقيمها التي تقدس الحرية الفردية وتشير الدراسات إلى أن المرأة العربية في الجيل الثاني استفادت إلى أقصى حد من إجبارية التعليم وتفوّقت في تخصصات لم تكن متاحة أمامها في بلادها الأم وبدأ بالتالي نجم عدد من النساء العربيات الأمريكيات في السطوع. وارتفع عدد العربيات اللائي يعملن خارج البيت والباحثات عن العلم حتى وصلن حسب إحصاءات رسمية أمريكية نشرت سنة 2000 إلى مرتبة متقدمة عن الأمريكيات البيض المولودات داخل الولايات المتحدة، ومرتبة مباشرة خلف

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصاً و دون تعليق.

المصدر: تقرير واشنطن- العدد79