مبادرة لتعليم الشباب المسلم ثقافة قبول الآخر

 

راشورث إم. كيدر

 

 

في اليوم الذي أحبطت فيه شرطة أونتاريو خطة لتفجير قنابل تورط فيها 17 شاباً كندياً من أصول جنوب آسيوية، وقبل أن يلقى المتشدد الأردني أبو مصعب الزرقاوي مصرعه في العراق. كنت أتناول فطوري في إحدى المقاطعات الساحلية لولاية ساوث كارولينا مع دكتور "إبوو باتيل".

د "باتيل" شاب مسلم لديه شغف بالحوار بين الأديان، كما يتمتع بموهبة في تبسيط المسائل المعقدة، ويمتلك رؤية واضحة للغاية لعالم يهتز من فرط التوتر بين الإسلام والغرب وقد لاحظت أن صحن الربيان المغطى بالصلصة البنية الذي كان موضوعاً أمام د. باتيل، الذي ينحدر من جزيرة رودس والحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد، قد برد بسبب انهماكه في شرح الأساس الفكري لأحد التحديات الجوهرية التي تواجه الإسلام باعتباره ديناً يتهمه أعداؤه بالدعوة للتطرف والعنف وهذا التحدي ينبع من تناقض صارخ. ففي أحد الجانبين يقف أسامة بن لادن الذي يتبنى دوراً أساسياً هو دور "كشاف المواهب". فهو يعمل على اكتشاف وتجنيد الشباب المسلم الغاضب، ويدربهم على أدوات التطرف والتفكير الشمولي وبعد ذلك يرسلهم كإرهابيين مدعومين بفكر "القاعدة" ورسالتها لتحقيق هدفها وهو تحويل المختلفين عنهم إلى الدين الإسلامي أو قتلهم إذا ما رفضوا ذلك وفي الجانب المقابل تقف جماعات مثل جماعةInterfaith Youth core التي أسسها ويديرها "باتيل" في نيويورك، والتي تساعد الشباب من مختلف الأديان على بناء التفاهم والتعاون.

والجماعات المشابهة لهذه الجماعة تقوم بتجنيد الطلاب، وتدريبهم على بناء المجتمعات، كما تساعدهم على فهم حقيقة أن "جميع الأديان تعتنق قيماً مشتركة فيما بينها".. وأن هدفها هو: "بناء المدينة الجديدة على التل" حيث تقف المنارة والكنيسة جنباً إلى جنب مع الكنيس والمعبد "ويعمل أتباع تلك الأديان معاً باحترام من أجل بسط السلام ودعم الصالح العام" .

والسؤال : أي من المجموعتين تمتلك أموالاً أكثر؟ الإجابة واضحة: "القاعدة" طبعاً.. التي تمتلك مصادر كافية لاجتذاب الساخطين واليائسين، والتي قد لا تجد صعوبة كبيرة في اجتذاب المسلمين الشباب إلى أطروحة الفوضى الشاملة التي يؤكد "باتيل" أنها مناهضة لروح الإسلام، ولكنها تتخفى في ردائه. ويتساءل باتيل: أين الأصوات الأخرى البديلة التي تعلم هؤلاء الشباب جوهر الدين.. وتعلمهم أيضاً ما الذي يعنيه أن تكون مسلماً في العالم المعاصر؟ لماذا الصمت في مقابل رسائل "القاعدة" وحججها ومناقشاتها.. ولماذا تبدو الأصوات التي تشجع الشباب على أن يكونوا رواداً للتعددية خافتة للغاية؟.

الإجابة واضحة: ففي مقابل الارتباك والتوتر، الذي تقوم "القاعدة" بتوليده لدى من تقوم بشيطنتهم، نجد أن الحوار بين الأديان يمكن أن يكون فاتراً إلى حد كبير. ومع ذلك فإن هذا النوع من الحوار تحديداً، هو الذي يؤدي إلى نوع من الاهتمام بالأمور الدقيقة التي تتطلب الإمعان في الفكر، وإيجاد الرغبة في الاستماع لما يقوله الآخرون، والتعاون معهم. إن مثل هذه المناقشات تذكرنا بأن أصعب موضوعات العالم لم تتمثل أبداً في صورة شر مقابل خير، ولكنها كانت تتجسد دائماً في صورة خير مقابل خير وهذا يبعد بعداً كبيراً عن تلك الرؤية الحقودة الكارهة التي تقسم العالم إلى أسود وأبيض وهي رؤية الأصولية الراديكالية التي تقول طالما أنني على صواب فأنت لا يمكن إلا أن تكون على خطأ ولكن هناك شيئاً أعمق من ذلك يلعب دوراً مهماً. فعندما كان "باتيل" طالباً في جامعة ألينوي، في تسعينيات القرن الماضي لاحظ أنه على الرغم من أن "التنوع" كان هو الموضة السائدة، إلا أن الجميع كانوا على استعداد للحديث عن التنوع في كل شيء باستثناء الدين. كان الجميع يتكلمون عن الأشياء التي جعلتهم مختلفين، ولكن أحداً منهم لم يكن يتكلم عن الأشياء التي يمكن أن تجعلهم موحدين ومن خلال بحثه الدؤوب وجد "باتيل" أن النماذج الدينية التي كان يوقرها غاية التوقير، مثل "مارتن لوثر كنج"، والمسلمين الجنوب أفريقيين الذين كانوا يحاربون التفرقة العنصرية، كانوا ملتزمين بالقيم المشتركة التي يحتوي عليها الدين الإسلامي والمسيحي، والتي كانت تتضمن التعاطف والعدالة، كما أدرك إلى جانب ذلك أن التنوع الديني والعرقي كان هو الذي يقود إلى سفك الدماء في معظم أنحاء العالم.. ولكن ليس في الولايات المتحدة فالشيء الجدير بالإعجاب بالنسبة للولايات المتحدة في نظره هو تلك الدرجة العالية من الإيمان الديني الممزوج في نفس الوقت بشعور قوي بالتسامح وهو يرى أن هذا المزيج فريد من نوعه، وأنه يرجع في المقام الأول إلى أن أتباع الأديان المختلفة في أميركا يتبعون مجموعة من القيم الأخلاقية المشتركة بين تلك الأديان.

هذا ما يقوله "باتيل".. ولكن لمزيد من الشرح يجب أن نضيف أن التسامح بمعنى احترام الآخر الديني والثقافي لابد أن يقوم على أساس راسخ، وعلى الرغم من الرسالة التي يحاول بن لادن أن يبثها فإن قيم الأمانة والعدالة والمسؤولية والاحترام والتعاطف في الإسلام هي قيم تتماثل تماماً مع نفس القيم الموجودة لدى الآخر.

إن الغرب في حاجة لفهم أن السلام بين الدول، يرتبط ارتباطاً وثيقاً باعتراف مؤداه أن كل دين من الأديان يلتزم بمجموعة من القيم التي يشترك فيها مع الأديان الأخرى. كما أنه بحاجة إلى مساعدة شباب كل دين من الأديان على إحلال مشاعر الكراهية والعنف بمشاعر أخرى تقوم على القيم المشتركة بين الأديان فإنجاز ذلك، سيجعل من مهمة "القاعدة" في تجنيد المزيد من الشباب أكثر صعوبة وسيجعل من الأسهل بالنسبة للمسلمين في أركان المعمورة الأربعة أن يتصدوا للمنحرفين عن جوهر دينهم الذين يحاولون إغراء الشباب في كندا، وإغراء قيادات الإرهاب متوسطي الأعمار للدخول في دوامة الفوضى والخراب الشامل.

مدير "معهد الأخلاق العالمية" في ولاية نيوجرسي

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-14-6-2006