بقيع الغـرقـد وسـامراء
بقيع الغرقد:
في
الاصل قطعة ارض فيها اشجار العوسج في المدينة المنورة واول من دفن فيها
اسعد بن زرارة الانصاري ثم دفن بعده الصحابي الجليل عثمان بن مظعون بعد
ذلك دفن فيها ابراهيم ابن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ولما رأى
المسلمون ان الرسول صلى الله عليه وآله قد دفن ابنه فيها اتخذوها مقبرة
لهم حيث قاموا بقطع الاشجار واعداد الارض لذلك.
أهل
البقيع رموز الحضارة الاسلامية :
بعد ان أصبحت البقيع مقبرة أهل المدينة دفن فيها الكثير ممن كانت لهم
اليد الطولى في تأسيس الحضارة الاسلامية والجهاد في سبيل الله سواء مع
الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله او في ازمنه لاحقه بعده وبخاصة وان
الكثير من أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم قد دفنوا فيها لا سيما
السيدة الجليلة فاطمة الزهراء سلام الله عليها (كما هو محتمل حيث ان
قبرها مجهول) وكذلك أربعه من الائمة المعصومين عليهم السلام وهم الإمام
الحسن المجتبى والإمام زين العابدين والإمام الباقر والإمام الصادق
عليهم السلام اضافة إلى محمد بن الحنفيه والحسن بن الحسن وعقيل بن أبي
طالب وعبد الله بن جعفر واسماعيل بن الإمام الصادق ومحسن السقط بن أمير
المؤمنين عليه السلام ومحمد بن زيد والحسن بن جعفر ومحمد بن النفس
الزكيه وبعض زوجات الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وعماته ومرضعته
حليمه السعديه.
وزبدة المخاض ان البقيع اصبح من اهم البقع المباركه التي نستطيع من
خلالها دراسة التاريخ الاسلامي وحضارته العريقة فكل شخصية رقدت فيه
جسّدت لنا جانب مهم من جوانب بناء الحضاره الاسلامية بل ان بعض
الشخصيات كان لها الدور الرئيسِ في زمنه فكان فلك الزمان يتخذه قطبا
والمسلمون اليه ينجذبون ومنه يصدرون وحوله يطوفون من علومه يغترفون
فكانوا بحق مجديدين الاسلام وحافضيه من الضياع وببركتهم اتسع الاسلام
وعظم حتى اصبح اقوى واعظم دوله في العالم.
البقيع يجسد مظلومية أهل البيت عليهم السلام :
البقيع
يمثل جانب من مظلومية العترة الطاهره بل هو صرخة الدهر بوجه الظالمين
فلا عجب عندما تقف امام تلك البقعة الطاهرة وتتأمل في موقها الجغرافي
لابد وانك ستغوص في اعماق التأريخ لتتذكر وقائع المّّت بأهل البيت سلام
الله عليهم لاسيما الصديقه الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام
ومظلوميتها وغصب حقها، كذلك الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه فعند
ما تذكره فلا شك ستتراءى لك واقعة الدفن وما صاحبها من احداث.
وبالتأكيد سوف ينتقل ذهنك تلقائياً وانت تقف امام ضريح الامام السجاد
زين العابدين عليهم السلام إلى واقعه الطف الأليمة فالحقبه الزمنيه بعد
الامام الحسن عليه السلام كان يدور فلكها حول سيد الشهداء عليه السلام
إلا انك لا تجد له قبراً في البقيع وكأن البقيع يناشدكَ بها ويستفهمك
عنها وبخاصة وان حلقاته بعد الامام السجاد متناسبه ومتصله فالامام
الباقر ثم الصادق عليهم السلام حتى اذا ما وقفت عنده للزيارة ترائت لك
تلك القصه الحزينه التي عاشها الامام الكاظم عليه السلام وابعاده عن
المدينة المنوره الى بغداد حيث استشهاده سلام الله عليه.
اذن
فبقيع الغرقد هو التأريخ الناطق والمرآة الناصعة للتأريخ الاسلامي
وتدّرج حقيقي للحضاره الاسلاميه.
بقيع الغرقد في عقول الظالمين :
البقيع منذ سنواته الاولى كان يتحدى الطغاة والظالمين ويعتبرونه تجمع
للثائرين والمجاهدين فتعال معي لترى مكانته في عقول الظلمه وبخاصه أبو
الظالمين ورأس الطغاة ابو سفيان ففي حديث المناشدة والمحاجّه بين
الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ومعاوية بن ابي سفيان، قال الإمام
الحسن عليه السلام:
( ثم انشدكم بالله هل تعلمون ان ابا سفيان دخل على عثمان حين بويع في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا ابن اخي هل علينا من عين
فقال: لا فقال ابو سفيان: تداولوا الخلافه فتيان بني اميه فو الذي نفس
ابي سفيان بيده ما من جنه ولانار.
وانشدكم بالله اتعلمون ان ابا سفيان اخذ بيد الحسين عليه السلام حين
بويع عثمان وقال يا ابن اخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد فخرج حتى إذا
توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته : يا اهل القبور الذي كنتم تقاتلونا
عليه صار بأيدينا وانتم رميم.
فقال
الحسين بن علي عليه السلام قبّح الله شيبتك وقبح وجهك ثم نتر يده وتركه
فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينه لهلك.
فالبقيع كان يمثل في نظر اباسفيان قلب المجاهدين الاسلاميين فهو يمثل
الجانب الاخر في معركه المصير التي خاضها ابا سفيان ضد الاسلام ولا عجب
من ذلك فالرسول العظيم صلى الله عليه وآله كان دائماً يخاطب أهل البقيع
بعباره دار قوم مؤمنين وكان صلى الله عليه وآله يزور البقيع ويسلم على
أهله ويقول ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون، غداً
مؤجلون، وانّا انشاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) حيث
انه صلى الله عليه وآله كان يقول (انني قد أُمرت بالأستغفار لأهل
البقيع )
وخلاصة الكلام هنا ان بقيع الغرقد يتحدى الطغاة دائماً وانهم يفهمونه
كونه الثوره الاسلامية ضدهم ففي تربته الكثير من مؤسسي الحضارة
الاسلامية وكما تقدم الا انه رغم حقد الظالمين والمنافقين ظل مناراً
يقتدى به عبر العصور.
الوهابيون وتهديم القبور:
الوهابيون وكما هو معروف قد ورثوا الحقد الدفين ضد الحضارة الاسلامية
من اسلافهم الطغاة والخوارج الجهلاء فكانوا المثال الصادق للجهل والظلم
والفساد فقاموا بتهديم قبور بقيع الغرقد مرتين:
الأولى عام 1220هـ :
كانت الجريمة التي لاتنسى، عند قيام الدولة السعودية الأولى حيث قام آل
سعود بأول هدم للبقيع وذلك عام 1220 هـ وعندما سقطت الدولة على يد
العثمانيين أعاد المسلمون بناءها على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين،
فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط
رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.
الثانية عام 1344هـ :
ثم عاود الوهابيون هجومهم على المدينة المنورة مرة أخرى في عام 1344هـ
وذلك بعد قيام دولتهم الثالثة وقاموا بتهديم المشاهد المقدسة للائمة
الأطهار عليهم السلام وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بعد
تعريضها للإهانة والتحقير بفتوى من وعّاظهم.
فاصبح البقيع وذلك المزار المهيب قاعا صفصفا لا تكاد تعرف بوجود قبر
فضلا عن أن تعرف صاحبه.
لماذا هدم الوهابيون بقيع الغرقد؟
والآن نسائل لماذا؟ لماذا هذا الحقد؟
والجواب جلي للمثقف الواعي بمجرد أن نلقي نظرة إلى التأريخ لتبين لنا
ما يلي :
الاستعمار الانكليزي كان يسيطر على معظم دول العالم فبريطانيا العظمى
الامبراطورية التي لا تغيب عن ممتلكاتها الشمس فأراضي شاسعه ولا يمكن
أن يتم السيطره عليها بصوره مباشره من قبل الانكليز انفسهم فلا بُد من
طريقةٍ ما للسيطره على تلك المستعمرات فإتخذت عدة طرق لتحقيق ذلك الهدف
منها افشاء الجهل وايجاد العملاء ومحاربة روح التحرر لدى الشعوب وبخاصة
تلك التي تمتلك حضارة عريقة كانت يوماً أعظم الحضارات على وجه الارض.
فكيف
يتم ذلك الهدف؟ كان لابد من إيجاد طريقة ما للقضاء على أي رمز يمثل
الحضاره الاسلامية العظيمة ويُذكِّر تلك الشعوب بماضيهم التليد ويبعث
في نفوسهم روح الثورة على النظام القائم ويطمح نحو إعادة الحضارة
المنهارة باعتبارها المعين العذب الذي لا ينضب يروي ظمأ الثائرين ويخط
لهم الطريق القويم.
فعمل من اجل ايجاد منفذ من داخل المسلمين انفسهم فتم القرار في أروقه
وزاره المستعمرات البريطانيه لتشكيل لجنه خاصه تأخذ على عاتقها تحقيق
ذلك الهدف.
ومنذ ذلك الوقت بدء العمل ولسنين فتم تأسيس الحركه الوهابيه على يد
اغبى العملاء في الدول الإسلامية محمد بن عبد الوهاب.
كان اول انجازاته تهديم أي مَعلَم يشير إلى الحضارة الاسلاميه وكان في
طليعتها بقيع الغرقد ولم يكتفوا بذلك بل ارادوا تهديم قبر الرسول
الاعظم صلى الله عليه وآله الا ان موجة الاعتراضات التي واجهتم بها
الدول الاسلاميه حالت دون ذلك وانهم ليتأملون تهديمه إلى الآن.
سامراء البقيع الثاني :
دائماً وابداً تكون سمة الغدر من صفات المنافقين والحاقدين فتراهم
يستغلون أي فرصه متاحة ويطعنون الاخرين في ظهورهم فشعارهم الغدر
ووسيلتهم المثلى قتل الأبرياء وكل انسان لايوافقهم في عقيدتهم الفاسده
يصبح كافراً ورامقاً عن الدين.
الوهابيون وهم رؤوس النفاق في وقتنا الحالي كانوا وما زالوا يتحينون
الفرص حتى يتم لهم مراد أسيادهم في القضاء على رموز الحضاره الاسلاميه
وكما سيطروا على بعض المسلمين من العوام بجهلهم وعملائهم وجنّدوهم لذلك
سيحققون هدفهم بنفس الوسيلة من جهل وعمالة فاستغلوا فرصة اضطراب الوضع
في العراق وغياب الامن فبدل ان يقدموا يد العون إلى العراقين في محنتهم
راحوا يصيّرون خططهم واقعاً وبخاصه وان الفرصه الحاليه لا تعوض بثمن
وهكذا قاموا بأرتكاب فاجعه سامراء وتهديم اضرحه الائمه سلام الله عليهم
فأعظم أحلامهم هو القضاء على الامام المهدي عليه السلام باعتباره اهم
رمز للأسلام يبعث النفوس نحو بناء وتجديد الدوله الاسلاميه فصبوا جمّ
غضبهم على بيته الذي يضم أضرحه أولياء الله فإنا لله وإنا إليه راجعون
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
المصدر:alshirazi.net
|