هزيمة النُخب العربية و الموقف من قضية العراق

 

عبدالمنعم الاعسم

 

 

نعم، صحيح القول، ان تجربة التحول الديمقراطي في العراق انكفأت وتخبطت وترافقت مع عنف وفساد واحتلال وتجار مبادئ وظواهر انشقاق وصراعات دموية في داخل النسيج الاجتماعي، ولم تتحول الى حالة ملهمة ولا مشجعة لنخب المنطقة وشعوبها، لكن الاكثر صحة هو ان ثمة تحالفاً غريباً انخرط فيه - قبيل وغداة التغيير في العراق- اكثر الحكام استبدادا في المنطقة وبين اكثر النخب الثقافية والسياسية العربية معارضة له، ومنها فئات كسبت رصيدها واحترامها من تصديها لسلطة الاستبداد والمطالبة بالاصلاح، وغدت الديمقراطية بالنسبة لهما معا ترفا او-في غالب الاحيان- دعوة اميركية لغزو المنطقة.. وفي هذه المفارقة تكمن حقائق جديدة جديرة بالبحث والمعاينة؟.

الحقيقة الاولى، هزيمة وتشرذم النخب الثقافية العربية المطالبة بانهاء السلطة الاستبدادية وبدمقرطة الحياة السياسية، ودخول الكثير من تجمعاتها وشخصياتها في صفقة مساومة ومصاهرة وتهدئة(وحتى تحالف) مع شرائح متخلفة واستبدادية حاكمة في الخليج ومع حكومات الحزب الواحد والعائلة الواحدة، وايضا مع  قيادات دينية حاكمة ومتنفذة واخرى عسكرية برغم موجبات المرحلة القومية لدرء الاخطار الاميركية والاسرائيلية ودحر النموذج العراقي ( التدميري ) وقد فقدت هذه الشرائح امتيازها في الشارع وبين الجمهور بعد ان تماهت في الالة الثقافية والدعائية الحاكمة التي جندت لها عشرات الفضائيات والصحافة وجيشاً من الاعلاميين والمهرجين، واغدقت بالاموال والهدايا والولائم والمضايف والمراكز التكريمية على نخب اكاديمية وثقافية واعلامية مؤثرة في جميع الدول العربية، يشار بذلك الى ان زوجة احد امراء الخليج وظفت 170 من الاكاديميين والمفكرين والصحفيين العرب المرموقين كمستشارين في مؤسسة تديرها هي اقرب الى ناد فخري للوجاهة، وبذلك فقد جرى اخصاء المشهد الثقافي العربي من زاوية استقلاله وحيويته ونزعته الديمقراطية المناهضة للتوليتاريتيه، واصبح قسما ملحقا في آلة الاستبداد الحاكمة.

ينبغي ان نمعن النظر في دلالات وتعقيدات وامثلة هذا السقوط التاريخي للنخب التي يفترض انها تحمل رسالة التحديث والتمرد والاصلاح والديمقراطية في العالم العربي، وقبل هذا علينا ان لا نفترض بان "المشروع الديمقراطي" الاميركي في العراق هو البديل لحكم الاستبداد العربي الذي لم يستمر ويثري ويستقوي على الملايين من غير الرعاية الاميركية المبكرة اصلا، الامر الذي وجد تعبيره الصارخ في صفحات الصعود الاسطوري لصدام، بالغ الدلالة. وفي طيات الحقيقة الاولى، حقيقة سقوط الطبقة الثقافية العربية في شرك نظام الاستبداد العربي، سنجد ان شعارات النضال ضد "الامبريالية الاميركية والصهيونية والعولمة والدفاع عن الهوية القومية وتحرير فلسطين" كفت ان تكون مصدر ازعاج للحكام المستبدين العرب، بل انها صارت جزءا عضويا من لوازم الحكم الاستبدادي اتقاء استحقاقات الديمقراطية والاصلاح، وبمرور الايام لم تعد ثمة كلفة لهذه الشعارات على ارض الواقع، ويتذكر الجميع كيف تخلت الانظمة العربية عن اي التزام تطبيقي حيال "المعركة القومية" غداة العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان، ما كشف عن غش الغيرة القومية لتلك الانظمة.

وفي السياق نفسه سنعثر على مؤشر الانقلاب التاريخي للراهن العربي بظهور تيار العنف الديني المتمثل بقوى الاسلام الجهادي التي استمالت، بالدعوات الى التغيير والعدالة، مشاعر المحرومين والمنبوذين والساخطين على الانظمة، ثم احتلت المكان الذي شغر بتخلي النخب المثقفة عن مسؤوليتها الطليعية التاريخية لتحقيق التغيير الديمقراطي والرفاه، وقد مثل هذا المثال الصارخ على انكفاء هذه النخب وهزيمتها التاريخية وتخليها عن دورها التنويري، وليس من دون مغزى ذلك الاحتجاج المدوي الذي اطلقه الشاعر محمود درويش من فؤاده المكلوم بالقول " لا يغيظني الأصوليون، فهم مؤمنون على طريقتهم الخاصة.

ولكن، يغيظني أنصارهم العلمانيون".وفي التحليل الميداني لهذا السقوط سنجد ان التيار القومي النخبوي جر شراذم النخب الثقافية العربية الى  مستنقع المساومة مع الفكر الجهادي الظلامي، والمساومة، في ذات الوقت، مع الانظمة المستبدة الحاكمة ايضا، وصار، في نهاية المطاف، وسيطا انتهازيا بين قطبي معادلة الردة المتصارعين، الانظمة والجهاديين.

وفيما شعرت انظمة الحزب الواحد والقبيلة الواحدة والعائلة الواحدة العربية بالهلع من مشروع التغيير في العراق، وانبرت قوى البربرية الارهابية الاصولية لاعلان حرب الماضي على العراقيين فان افضل من عبر عن هذا الهلع والتجييش واضفى عليه موصوفات فكرية ملفقة هو القطاع الثقافي العربي، ويستطيع الباحث ان يوثق مشهد انحطاط هذا القطاع من معركة "اتحاد الادباء والكتاب العراقيين" في الدفاع عن عضويته في "اتحاد الادباء العرب" اذ اتحد ممثلو النخب الثقافية العربية مع مندوبي انظمة الحزب الواحد سوية مع وكلاء التجييش الاسلامي الجهادي بهدف "طرد" ممثلي الثقافة العراقية الوطنية بشبهة التواطؤ مع الاحتلال، التي لم تكن سوى ذريعة مضحكة، او ثمنا لتحالف مشين بين هذه الاطراف.

لقد كان على النخب العربية، في مواجهة استحقاقات تشييد المدنية العربية الجديدة، ان تنأى بنفسها وخطابها ومنهجها عن مستنقع السلطة المستبدة، وان تتحصن ضد حرب الماضي وشعاراتها، وان تبني قاعدة معرفية وسلوكية لمتطلبات الانعتاق والتحرير وحماية الهوية والخصوصيات القومية والوطنية من اخطار التبعية والاحتلال، وان تتمايز في صياغة التعامل مع العصر الجديد بعيدا عن لوثة التكفير وردود افعال الوعي السائد الذي وضعت حشوته السياسات التربوية والاعلامية للانظمة الحاكمة والمؤسسة الدينية التقليدية.

وباستثناء اسماء طليعية قليلة من الليبراليين والديمقراطيين العرب، فانه طوال عقدين  وقعت النخب العربية ضحية تضليل الالة الدعائية لنظام الدكتاتورية في العراق (وربما رشى النظام ) ثم، بعد سقوطه، استسلمت لموجة الدعاية التي اطلقها النظام الرسمي العربي المحافظ سوية مع الخطاب التكفيري الجامح، وليس من دون مغزى ان يحتضن معرض الكتاب العربي في القاهرة ما يزيد على عشرين كتابا معاصراعن العراق( في ظل الاحتلال ) لباحثين وسياسيين عرب ليس بينها كتاب واحد يتوقف عند دلالة ان يشترك اثنا عشر مليوناً اي ( 80 بالمائة ) من العراقيين في انتخابات نهاية العام 2005 ولم يتأمل اي باحث بالعمق المطلوب التشوهات التي تركها الحكم الدكتاتوري الفردي طوال خمس وثلاثين سنة في المجتمع العراقي. لقد عكس هذا غيبوبة  تاريخية مريعة برضى اصحابها، فيما ملأت هذه النخب حافظة الجيل العربي، طوال عقود، بالكثير من الكلام في ذم العولمة وسياسات الغرب وعدوانيته وتدخله، وحمَلت "الاخر الاجنبي" مسؤولية المجاعة والتخلف والهجرة والنهب والصراعات الاقليمية والتصحر والحروب والفتن الطائفية التي تضرب في المنطقة، واحتلت النظرة الى مسؤولية الانظمة الاجتماعية والدينية والسياسية عما حل بالعرب حيزا هامشيا عابرا من الجهد الفكري والسياسي لهذه النخب، بل ان دعاة اصلاحيين سرعان ما انخرطوا في ركب انظمة استبدادية، قبلية، قمعية، بذريعة حماية الهوية العربية من الغزو الثقافي الغربي، قبل ان يسألوا عمن شجع السلطات الحاكمة على عقد مثل هذه المصاهرة المشبوهة، أو ان يعللوا لماذا تذعن هذه السلطات بمذلة، في ذات الوقت، الى املاءات الغرب العسكرية والاقتصادية، ثم، لماذا احتضن الغرب الحركة الجهادية ورعاها وصلَّب عودها. وليس من دون مغزى ان توظف النخب، وهي تنطّ على سلالم انظمة الحكم وهوس الجهاد، النهاية المتعثرة والدامية لعملية التغيير في العراق في تزييت ماكنة الردة الفكرية، فيما وضعت الدعوة الى الديمقراطية والاصلاح وضمان حقوق الانسان في اي بلد عربي تحت شبهة العمالة لإسرائيل واميركا والقوى الصليبية، الامر الذي اضطر الاصوات المعتدلة والواقعية التي تنتقد الاستبداد والارهاب والداعية للتغيير الديمقراطي الى الهرب والهجرة الى خارج الوطن العربي بعد ان لوحقت وقمعت وسُدت بوجهها سبل التعبير في حين حوصرت العديد من الاراء والتيارات التي لم تستسلم للتهديد والابتزاز والتخويف، وصمد بعضها بوجه العاصفة الصفراء، وقد عبر عن هذا البعض الكاتب التونسي برهان بسيس بالقول: "حان الوقت ان نطرح الاسئلة الموجعة بشجاعة: ما هو نصيب مسؤوليتنا في تخلف مجتمعاتنا؟ في عطالة تنميتنا؟ في استبدادية سياساتنا؟ في التباسات هويتنا؟ في تصحر افكارنا؟ في ازمة ثقافتنا؟ في عبوسنا وكسلنا؟ في احلامنا الموؤودة؟ في انتعاش ثقافة الحقد والتطرف والحسد والنفاق والبغضاء؟ فما اسهل ان نعلق كل هذا على شماعة الارهاب الغربي؟ “.

في هذه السقطة التاريخية كان المفكر الجزائري مالك بن نبي قد اكتشف، منذ زمن بعيد، الحقيقة ذات الصلة بعمق الخلل في النسيج التاريخي والسياسي والديني العربي إذ دعا الى ضرورة الانتباه الى جاهزية مجتمعات معينة في ان تقع دون غيرها تحت سيطرة التخلف، مجتمعات "تحولت الى نموذج مثالي لحالة الانفصام الحاد بين شعور الكره الشديد للغرب، سياسة وقيما وحضارة، وشعور الرغبة الشديدة في الفرار اليه من كآبة الاوطان السعيدة “ ان سقوط النخب العربية في اغواء العنف والتجييش، ثم تشريعهما فكريا تحت خرقة المقاومة، يمثل المنزلق الفكري والسلوكي والاخلاقي المبكر في سلسلة التواطؤات مع السلطة وقوى الارهاب، وقد حُشر الوعي العربي السائد في بالونات الانتصار الملونة الزائفة التي صنعها السلاح (مطالعات هيكل) واجبر على الاعتقاد بان اضطراب سياسات الغرب واخفاقاته وتداعي خططه وازماته الاقتصادية والعسكرية، هنا وهناك، تمثل جوهر هذا الانتصار في منطق تضليلي يقفز من فوق الكوارث والهزائم والاثار التي تركها- بالاضافة الى العراق- في فلسطين ولبنان والصومال والجزائر. ان تشريع العنف، باختصار، كان تشريعا للتضليل.. وفاتحة لعصر الردة الثانية الى عصور الظلام.

على ان الحلقة الرئيسة في خلل منظور النخب العربية إزاء متطلبات التغيير تتمثل في زاوية النظر الى المستقبل، فهي لا ترى اي مستقبل للمنطقة وشعوبها ما لم يجر الحاق الهزيمة بالولايات المتحدة والغرب على ارض العراق، وفي أية نقطة توتر وصدام في العالم، كما إنها تعاين لوحة الاستقطاب العالمي الجديد من شرفة الخط الفاصل بين أعداء وأصدقاء الولايات المتحدة، وهذا، بذاته، يفسر لماذا تحتفي هذه النخب بهجمات الاصوليين الاسلاميين المتطرفين على المصالح الاميركية والغرب، ولا تلتقط بصيرتها تلك الاعمال الاجرامية التي تطال المدنيين في كل مكان خلال الاعمال الانتحارية لمقاتلي القاعدة، كما لا تلتقط -وهذا مكمن السقوط- الرسالة التي يحملها مشروع الاسلام السياسي الجهادي ضد خيار التنوير والانعتاق والمدنية.

وفيما يندفع الراهن العربي الى الهاوية، على جميع المستويات، وتبدد وتُنهب الثروات الطائلة، وتُزهق أرواح الابرياء على مدار الساعة، وتُقمع وتسلب حرية الملايين، ويجري إذلالها وافقارها وتهجيرها وتزييف وعيها، ويُقذف بالعقول المبدعة والمنتجة الى خارج الحدود من قبل أنظمة الحكم بالتعاون مع المؤسسات الدينية ومنابرها، فان النخب المثقفة تنأى بنفسها عن التصدي لهذا المنحدر الخطير وعن المشاركة في معارك الاصلاح والتغيير. انها تروَج الريبة، في اغلب الاحيان، إزاء المدافعين الاشداء عن حقوق الانسان (لنتذكر الحملة على سعدالدين ابراهيم) وهي بالاضافة الى ذلك تزهو بإنتصارات كاذبة تعيد تصنيعها من تخبط وفشل وإندحار السياسات الاميركية هنا وهناك، وتضعها أوسمة على صدور الانتحاريين التكفيريين، وعلامة صحة لمنهج التعتيم على موبقات النظام السياسي الاجتماعي العربي القائم. وعلى سطح الاحداث، لا يستحق براءة اختراع القول بان سمعة السياسة الاميركية متدهورة بين الاوساط الشعبية في العالم العربي، ولدى الشعوب المسلمة، وحتى الشعوب الاوروبية على نحو ما، وهي موضع شكوى وانتقاد ولوم الانظمة العربية الحاكمة، معبر ُعن ذلك في اشكال سياسية واعلامية متنوعة، ولابد من إستباق الاستطراد لإيضاح أن للكثير من هذه الشكوى ما يبررها في إنحياز الإدارات الاميركية للإحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية، وفي حمايتها لإسرائيل في الامم المتحدة، على الرغم من أن هذه الانظمة تدخل، على نحو متفاوت طبعا، في صفقات وتحالفات ومصاهرات جزئية مع الولايات المتحدة واسرائيل، وأن ثمة خطوطاً حمراء لمواقفها وأنشطتها المناهضة للسياسات الاميركية. وتعد دولة قطر النموذج الصارخ لازدواجية التعامل العربي الرسمي مع الولايات المتحدة، فهي تمتطي موجة التشهير الاعلامي بالسياسة الاميركية، والحملة على التغيير في العراق، من جهة، فيما تضع اراضيها في خدمة اكبر قاعدة أميركية في المنطقة، ومن هذه القاعدة حصرا أغارت علنا، وبالصوت والصورة، طلائع الطائرات الاميركية على العراق في حرب 2003.

وثمة القليل من أصوات جماعة المثقفين العرب من يهتم بدلالات هذه الازدواجية، بل ان صوتا بارزا من هذه الاصوات هو الدكتور اشرف بيومي، عالم الفيزياء المصري والاستاذ الزائر في الجامعات الاميركية والخبير لدى الامم المتحدة أنبرى في إحد برامج قناة الجزيرة إلى الدفاع عن سلامة نيات حكومة قطر، في نفس الوقت الذي هاجم سياسة العسكرة الاميركية في المنطقة، ورحب بـ”طلائع الجهاد" على أرض العراق، ما يصلح نموذجا حيا لسقوط هذه النخب في دوامة الغلط والارتداد.

وبموازاة هذه الهزيمة النكراء للنخب العربية المحافظة و"الثورية" من مسؤولية الاصلاح يبرز دور الليبراليين العرب المتحررين من عار التواطؤ مع الانظمة والتيار الجهادي الانكفائي، أخذا بالإعتبار ان الساحة التي يتحرك فيها هذا التيار الشجاع في المرحلة الراهنة ساحة واسعة، وبلا حدود، وتتسع لاطياف من مختلف خطوط التفكير والنشاط والتصورات، وهذا ما أضفى على المفهوم الليبرالي، او التيار الليبرالي العربي الكثير من التشوش والالتباس والاختلاف، وجعل من الشائك، وربما من المستحيل في هذه المرحلة بخاصة بناء مقاربة منهجية عن منجزاته واطواره.

على انه ليست مهمة هذه المطالعة الخوض في شعاب مصطلح وجذور الليبرالية ولا في الظروف التي يتحرك فيها الليبراليون العرب، لكن الامر المهم يتمثل في أن السقوط المدوي لنظام الحزب الواحد "القومي" المتحالف مع القوى الاصولية لفت أنظار شرائح، بخاصة في صفوف الشباب إلى أهمية الإصلاح ما دفع عددا من المفكرين إلى إمعان النظر في الوعي السائد وجذور القهر، وفي الاثار المدمرة لغياب الحرية، وبخاصة الحرية الفردية التي تشكل جوهر ومبرر الفكر الليبرالي. ولا جديد في القول: ان جذور الليبرالية العربية عميقة وراسخة ومن يطالع معارك طه حسين وجيله المتنور في العراق وبلاد الشام بمواجهة الموروث البالي والتلقيني يعرف مكانة التيار الليبرالي في الفكر العربي، وذلك قبل ان تهب عاصفة الردة وثقافة الانقلاب والتجييش وتضرب صميم الواقع العربي، وحين ظهرت الموجة الثانية من الحركة الليبرالية الانتقادية تزامنا مع هزيمة الدكتاتورية الحاكمة في العراق وإندحار نموذج الحزب الواحد وافتضاح عورات المنظومة الفكرية التقليدية العربية أصيبت قوى المجتمع العربي التقليدي وهياكله الاجتماعية القبلية وتنظيماته الاصولية والتجمعات السياسية القومية والاسلامية و"اليسارية" سوية مع الحكومات القائمة بالهلع، فاستنفرت قواها واحتياطها الدعائي، واتحدت جميعا لسد الطريق امام هذا التيار والتشهير به ، وأمست عبارة الليبرالية، لدى هذه الشرائح، بمثابة عنوان للغزو الثقافي الغربي وخطر يهدد الهوية العربية والايمان والمجتمع، وأمسينا نسمع صنوف الشتائم موجهة لليبراليين العرب من على منابر المساجد وفي المحافل الادبية والاكاديمية لنخب الانظمة الحاكمة ومن خلال الندوات "الفكرية" الباذخة  في قطر واليمن والجزائر، وليس من دون مغزى ان تتصدر فضائية الجزيرة هذه الحملة، بل وتقودها، وتستدرج الى هذه المهمة اصواتا متدربة على الهتافات والضجيج  وبضعة اكاديميين وسياسيين جرى انتقاؤهم بعناية تلائم الحملة على الليبرالية وتنال من دعاتها، وتصلح زيتا لماكنة التشهير ضد فكر الاصلاح والحرية.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:جريدة الصباح-30-9-2007