الغرب والإسلام في ذكرى زلزال 11 أيلول: الحوار هو الحل والمشكلة في الصراع!

 

عرفان نظام الدين

 

 

مرت ذكرى زلزال تفجيرات نيويورك وواشنطن (ايلول/ سبتمبر 2001) من غير ضجيج رغم حجم التداعيات الكبير ومخاطر الترددات التي ما زالت تتفاعل في منطقتنا وعلى امتداد خريطة العالم وتنتج المزيد من التفجيرات والارهاصات والمفاعيل المدمرة وصواعق التفجير الجاهزة للتشغيل في أي لحظة وتهديدات اسامة بن لادن الجديدة في ظهوره التلفزيوني الأخير.

مرت الذكرى من دون ان تظهر في الأفق ملامح حلول أو نيات للعلاج وقطع دابر الفتن أو ان نشهد تبدلاً في العقليات والأساليب والنظرة العقلانية المتأنية للأوضاع والخلفيات والأسباب ومواطن العلل والوسائل الناجعة للعلاج لقطع الطريق على الارهاب ومنعه من مواصلة أعماله ونشر خطابه وأساليبه وتعزيز فكر «القاعدة» وما تفرع عنها من «قواعد» وما «تفرخ» منها من منظمات وعصابات وجماعات متناثرة على امتداد الدول العربية والاسلامية والعالم بأسره.

نظرة سريعة على الأوضاع الراهنة منذ وقوع الزلزال الكبير تدلنا على صورة قاتمة للحاضر والمستقبل وتقرع نواقيس الخطر من الآتي الأعظم إذا استمرت هذه العقليات لدى مختلف الأطراف، واستمر التقاعس في التصدي للمشكلة العويصة والدعوة لعمل مشترك وتعاون يشمل الجميع للبحث عن العلاج الناجع بدلاً من الاكتفاء بالشجب والتنديد والعنف والتهديد ونشر مشاعر الكراهية والأحقاد وتعميم حال العداء لتشمل جميع المسلمين وتضعهم بـ «الجملة» في مواجهة العالم كله بشرقه وغربه.

هذه النظرة الإجمالية تضعنا أمام مسؤولياتنا التاريخية ونحن نشهد التداعيات وردود الأفعال المدمرة خلال 6 سنوات بحيث بدا المشهد وكأنه مرآة لزلازل مدمرة أو أعاصير عاتية اكتسحت المنطقة ونشرت الخراب والقتل وأنواع الرعب والخوف والآلام والأحزان كافة وحولت مسار البحث عن خريطة طريق للسلام والاستقرار الى خريطة طريق نحو الهاوية من دون الكشف عن ألغاز العملية في مجملها وأسرارها وخفاياها الحقيقية.

من افغانستان الى العراق ومن فلسطين الى لبنان غزو واحتلال وحروب واغتيالات وعنف وإرهاب ومن المحيط الى الخليج عمليات ارهابية وتفجيرات أودت بحياة المئات ودمرت المرافق والبنى التحتية وضربت عصب الاقتصاد الوطني والقومي.

ومن الجزائر والمغرب الى دول الخليج مروراً بمصر والسودان عمليات مماثلة لم تنته فصولاً بعد، رغم تفكيك الخلايا واعتقال الرؤوس المدبرة وتشديد الاجراءات الأمنية.

ولا يجوز ان تمر الذكرى من دون التذكير بأحداث جسام شهدها الغرب خلال السنوات القليلة الماضية حيث تعرضت دول عدة من بينها بريطانيا واسبانيا لضربات موجعة أودت بحياة العشرات وأطلقت صفارات الإنذار بأن الخطر قائم وقادم رغم تشديد الإجراءات الأمنية وكشف بعض الخلايا النائمة فالحذر واجب وحال القلق والرعب قائمة ومعها حالات التطرف العنصري وموجات العداء ضد العرب والمسلمين.

هذه الصورة القاتمة لأحوال العالم يجب ان تحمل معها دوافع البحث والتقصي عن الأسباب والخلفيات وأخذ الدروس والعبر من الأحداث الماضية وتداعياتها والدعوة لتضافر الجهود من أجل الحوار والمصارحة والتعاون بدلاً من القطيعة وزرع الكراهية والأحقاد. ويخطئ من يظن بأنه بعيد عن الخطر أو أن ما يجري هو مجرد حدث عادي تتلاشى آثاره ومفاعيله بعد ان يقع ليعود كل شيء الى طبيعته كأن شيئاً لم يكن.

ولا بد من الاعتراف بأن عوامل كثيرة أدت الى وصول الأوضاع الى ما هي عليه الآن بدءاً من الصورة النمطية التي انتشرت في الغرب عن العرب والمسلمين والعداء المطلق للاسلام الذي أذكت ناره الصهيونية العالمية إضافة الى الظلم الذي لحق بالعرب والمسلمين من الاستعمار بشتى صوره وأشكاله، من الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي، وانعكاسات قضية فلسطين والمظالم التي لحقت بشعبها منذ 60 عاماً وتعنت اسرائيل واحتلالها الأراضي العربية ورفضها قرارات الشرعية الدولية ومشاريع السلام المتتالية.

ويجب ان لا نغفل الانحياز الفاضح من قبل الولايات المتحدة والغرب بصورة عامة لاسرائيل ما تسبب في اشاعة جو العداء داخل العالم العربي وتضخيم طعم المرارة في نفوس العرب والمسلمين زاد من حدتها ما جرى في العراق وافغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك خلال حرب الإبادة الوحشية التي قادها الصرب ضد المسلمين.

يضاف الى كل ذلك الأوضاع العربية البائسة وحالات الفساد والفقر والبطالة والفتن والحروب المذهبية والطائفية والدينية والعرقية والخلافات والنزاعات العربية - العربية وغياب روح التضامن والتعاون ومخططات التنمية المشتركة.

وسبق زلزال ايلول حال تجييش واستنفار ضد المسلمين تحت ستار ما يسمى بالإسلاموفوبيا أو الخوف من الاسلام مع ترويج نظريات صدامية مثل صراع الحضارات بزعم ان الخطر القادم على الحضارة الغربية سيأتي من الاسلام بعد سقوط الخطر القديم المتمثل بالشيوعية وانهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي.

في المقابل، حصل تجييش مماثل في المجتمعات الإسلامية نتيجة للظروف التي ذكرت ضد كل ما هو غربي، وبدأت تظهر جماعات وتنظيمات تدعو للجهاد ضد «الكفار»، حسب قولها، ليس في الغرب فحسب، بل في داخل الأوطان لدرجة أن تكفير «الآخر» شمل الأخ والأب والمواطن والشقيق والمسلم الآخر ليتحول الفكر إلى رصاص والكلمة الى مدفع والنظرية الى قنابل ومتفجرات وأحزمة متفجرة وسيارات ملغومة... والباقي معروف ومعلوم وواضح.

المهم الآن ليس مجرد تشخيص الحالة وتحديد الأسباب، بل معالجة الحالة وإزالة الأسباب، ليس بالعنف والعداء ولا بالمهدئات والمسكنات، بل بالغوص في الأعماق ولو اضطر الأمر الى عمليات جراحية وتغيير جميع الوسائل والأساليب البالية التي استخدمت من قبل. فالخطر داهم والسرطان المستشري في جسد العالم ينتشر بسرعة فائقة، ومن يقرأ ويتابع ويدرس ويتعظ يدرك تماماً أن المواجهة الدامية يحضر لها المجانين والمتطرفون في كل مكان. وأوضح صورة عن الواقع شاهدناها على شاشة «سي ان ان» أخيراً ضمن سلسلة التحقيقات التي أجرتها حول حالات التطرف عند المسلمين واليهود والمسيحيين في الغرب والولايات المتحدة بالذات، والتي وصلت الى أعلى درجاتها وتنذر بشرر عظيم يبدو فيه العالم وكأنه يسير كالأعمى نحو الهاوية التي تتمثل في حروب دينية مدمرة في حال سيطرة المتطرفين على مقاليد الأمور.

هذا هو الواقع... ولكن كيف السبيل للمعالجة؟ وما هو الحل؟

المؤكد والثابت حسب التجارب والوقائع، أن الحل يكمن في الحوار والمعالجة الجدية وليس في الصراع وتأجيج العداوات واللجوء إلى العنف مهما كانت المبررات والدوافع وفق المعطيات التالية:

* إن الحل العسكري أثبت فشله وأعطى نتائج عكسية وردود فعل أكثر عنفاً واتساعاً. وما تجربة غزو أفغانستان ثم من بعدها غزو العراق إلا عينة واحدة عن النتائج، حيث اتسعت دائرة الإرهاب وحصلت على مبررات وذرائع لمواصلة عملياتها، كما أنها منحت دعاتها وقياداتها أوراقاً دعائية للترويج لدعواتهم وتصعيد عملياتهم وحشد المزيد من الأنصار وتفريخ تنظيمات رديفة تحمل فكرهم ودعواتهم وتتمتع باستقلالية في العمل الميداني. والأمل كبير بأن يشكل فشل مخططات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وتراجع دول الغرب عن دعمهم في رسم استراتيجية جديدة تضع حداً لسياسة الحروب ودعوات الحسم العسكري واستخدام القوة المفرطة.

* إن الحل الأمني لا يكفي لوحده في معالجة ظاهرتي العنف والإرهاب، فقد اثبتت التجارب أن الانجازات التي تحققت في مجال ضبط وكشف الخلايا واعتقال رموزها تبقى ناقصة في حال عدم معالجة الجذور والدوافع والخلفيات والتعمق في أسباب انخراط الشباب في مثل هذه الاتجاهات التكفيرية ولجوئهم للعنف، خصوصاً أن هناك المزيد من الخلايا النائمة في أكثر من دولة ومنطقة.

ولعل في اتباع أسلوب «المناصحة» في السعودية وشن حملات إعلامية وتربوية لكشف مخاطر هذه الاتجاهات ما يشكل البداية الصحيحة للقضاء على هذه الآفة وإعادة الأمن والأمان الى المجتمع.

* إن الترويج لنظريات الصراع والعزل لا سيما بالنسبة إلى الجاليات الإسلامية في الغرب أعطى بدوره نتائج عكسية وأتاح المجال لبعض الجهات لإشاعة أجواء الخوف والقلق والعزلة إن لم أقل الكراهية والحقد. فالعنصرية اضرت بالمجتمعات الديموقراطية الحرة، وغياب الحوار أحدث فراغاً وفتح المجال للمغرضين للوصول إلى أهدافهم وبالتالي تحريض الشباب على اللجوء إلى العنف في الدول المضيفة.

ومهما حاول البعض من الجانبين إحداث هوة تفضي إلى صراع حتمي، فإن الفشل سيكون حليفه في حال انتهاج سياسة واقعية تقوم على العقلانية والحكمة. فالمجتمعات الغربية تضم جاليات إسلامية يقدر عددها بالملايين، وأوروبا لوحدها يقدر عدد سكان المسلمين فيها بحوالي 50 مليون نسمة، إذا احتسبنا عدد سكان البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو، فكيف إذا انضمت تركيا عاجلاً أو آجلاً إلى الاتحاد الأوروبي؟

* إن العنف لم يحل مشكلة عبر التاريخ، والإرهاب لم يجلب للعرب والمسلمين سوى العار والدمار وكراهية العالم والذرائع والحجج لأعدائهم كي يحاربوهم أو يضطهدوهم أو يثيروا ضدهم موجات العنصرية والكراهية.

لهذا لا بد من اجراء مراجعة مع النفس وأخذ الدروس والعبر والوصول إلى حال اقتناع لدى الجميع، ولا سيما التنظيمات والقوى المؤيدة للعنف والداعية له والراعية لفكره بالعودة عن هذه الأساليب المدمرة واستخدام الوسائل الشرعية والسلمية لمواجهة الأعداء والمغرضين والعودة إلى الوسطية والاعتدال ونهج التسامح والمحبة والسلام.

أما الاستمرار في هذا النهج فهو انتحار فعلي ونحر للسلام والأمن وتهديد لحياة الأجيال عبر توريطها في حروب عبثية تدمر ما بقي لدينا من اخضر ويابس.

أما في الغرب، وفي الولايات المتحدة بالذات، فإن دعوات الصراع سترتد على صدور أصحابها، لأن عليهم أن يفهموا بأن المسلمين ليسوا هم سبب المشكلة، بل هم الحل... فالصراع سيحول المشكلة إلى مشاكل... أما الحوار فسيسهل حل أي مشكلة مهما كانت معقدة.

وعندما يقتنع «الآخر» بهذه الحقيقة يفتح باب الحوار على مصراعيه وإلا فإن الصراع قادم لا محالة، ولن يدفع المسلمون لوحدهم الثمن. وليفهم هذا «الآخر» أن الإسلام قوي صامد ولا تهزه عاصفة ولا حرب وهو في تنام وتكريس وتعزيز أكثر من أي وقت مضى.

ومن لم يتعلم من تجربة الاتحاد السوفياتي وقهره وقمعه للإسلام لأكثر من 70 عاماً، يدرك جيداً مدى قوة الإسلام حيث أثبت أنه صامد وراسخ بعد أن انقشعت الغمامة ليتكشف الفشل الذريع ولتعود الدول الإسلامية المتحررة من ربقة الالحاد والشيوعية أقوى مما كانت وليعود الإسلام فيها أقوى بكثير مما كان عليه، والدروس كثيرة ولكن العبرة لمن يعتبر.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الحياة اللندنية-17-9-2007