هزيمة أميركا في العراق.. يمكن صنعها في واشنطن
أمير طاهري
بينما يزعم بعض السياسيين الأميركيين، أن واشنطن خسرت الحرب، فإن تحليلا أوسع للصراع القائم بين رؤيتين الى العالم قد يقدم صورة مختلفة والخدعة التي يستخدمها طرف الهزيمة بسيطة: قلصوا المقاومة الأكبر للحرب في العراق، ومن ثم قلصوها بصورة اكبر الى نجاح أو فشل في ما يسمى «زيادة القوات». ثم تقدموا لإظهار ان الارهابيين، على الرغم من وجود 22 ألفا من القوات الأميركية الاضافية، ما زالوا قادرين على القيام بهجمات انتحارية والنتيجة: خسرنا الحرب، وعلينا الهرب بأسرع ما يمكن! غير أن «الزيادة» بحد ذاتها ليست هي القضية. لا ريب في أن وصول القوات الأميركية الاضافية ساعد على تحسين الأمن في أجزاء من العراق ومع ذلك فإن أي نجاح ربما تكون «الزيادة» قد حققته فإنه يعود الى التأثير السايكولوجي للرئيس جورج دبليو بوش لزيادة عدد القوات الأميركية أكثر مما الى طريقة قلص واهرب. والمسألة الحقيقية في العراق، كما هو الحال في معظم مسارح الحرب في العالم ضد الارهابيين، ظلت على الدوام مسألة التزام وتصميم، خصوصا من جانب اولئك القادرين على التأثير والتغيير. وبدلا من الدخول في جدل حول العدد الفعلي للتفجيرات الانتحارية دعونا نشير إلى بعض التطورات الإيجابية التي لا يمكن لأحد نكرانها: * قرر شيوخ العشائر العربية السنية في محافظة الأنبار التي كان يصعب السيطرة عليها التحول في موقفهم ورفع السلاح ضد «القاعدة» حتى اذا كان هذا يعني التعاون مع الأميركيين. * غيرت الجماعات المسلحة السنية العربية الرئيسية، بما فيها كتائب ثورة العشرين والجيش الاسلامي في العراق، موقفها عبر الموافقة على العمل مع الحكومة العراقية ضد الارهابيين الأجانب. * على الجانب الشيعي امر مقتدى الصدر جيش المهدي التابع له بإلقاء السلاح خلال الاشهر الستة المقبلة. واتخذ الصدر القرار بعد ان قرر العشرات من قادته، التحول الى جانب الحكومة. * لم يؤد الانسحاب البريطاني من البصرة الى استيلاء وكلاء إيران على الوضع. وبدلا من ذلك فإن الجيش والشرطة العراقية، بدعم من بعض الجماعات الشيعية الوطنية مثل حزب الفضيلة والمجلس الاسلامي في العراق، يسيطران على ثاني اكبر مدينة في العراق. ولم تحصل إراقة الدماء في البصرة التي تكهن بها البعض. * أنهت الكتل السياسية المختلفة، السنية والشيعية، التي كانت قد انسحبت من البرلمان خلال عطلته الصيفية الطويلة، مقاطعتها وعادت الى البرلمان. * نالت حكومة التحالف التي يقودها رئيس الوزراء نوري المالكي تفويضا جديدا عبر اعادة تأكيد الدعم من جانب ثلاث كتل تشكل 85 في المائة من مقاعد البرلمان. * وبينما يستعد البرلمان لدورة جديدة يجري الكشف عن برنامج تشريعي كامل لمعالجة قضايا اساسية مثل المشاركة في ايرادات النفط والانتخابات البلدية والفيدرالية. * انهت معظم الدول العربية مقاطعتها للعراق الجديد وأرسلت بعثات دبلوماسية الى بغداد لفتح سفارات. كما أنهت فرنسا مقاطعتها وأرسلت وزير خارجيتها برنار كوشنير الى بغداد مع رسالة دعم. * تأمل الأمم المتحدة في زيادة حضورها ومن المتوقع أن تعين ممثلا جديدا لها في بغداد، لإحياء البرامج المجمدة. * يستطيع أي شخص يقوم بزيارة العراق الآن، أن يتجول في المناطق التي تم استرجاعها من يد الإرهابيين بما فيها مناطق مثل البصرة، حيث ليس هناك أي وحدات أميركية. كذلك بدأ الذين تركوا بيوتهم بالعودة إلى المناطق التي أصبحت أرضا يبابا بسبب المعارك التي دارت بين الجماعات الطائفية. * استنكر الزعماء الدينيون من الشيعة والسنة العرب والذين حضروا مؤتمر المصالحة الوطنية في الرضوانية الطائفية، ووعدوا بدعم العراق الجديد. * كان على «القاعدة» ان تلغي وعدها بالإعلان عن تأسيس ما سمته «الإمارة الإسلامية في العراق» في ثلاث مناسبات. ففي أكتوبر الماضي وعدت القاعدة بأنها ستصدر عملة خاصة بـ«امارتها الإسلامية» وتسمى «مجلسها الحاكم». لكن تلك الأوهام وضعت في الرفوف مع فقدان «القاعدة» لمناطقها الآمنة في محافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين. * من خلال رصد النشاطات الطنانة السائدة في مواقع القاعدة الانترنتية، يبدو أن الأخيرة تواجه مشكلة تجنيد للحرب في العراق. وكان أحد زعماء «القاعدة» الذي أطلق على نفسه اسم الشيخ باسم النجدي قد حذر بأن المنظمة غير قادرة على التعويض عن «الشهداء المفقودين» في العراق ولا أحد يعرف كم عدد الجهاديين الذين قتلوا في العراق. لكن خدمات الدفن في تلك البلدان العربية التي يأتي الجهاديون منها قد شهدت ازدهارا. * والأكثر أهمية هو أن عدد المنشقين عن «القاعدة» في حالة ازدياد. ففي السعودية وحدها هناك عدد كبير من الجهاديين السابقين في العراق قد سلموا انفسهم إلى السلطات، وشاركوا في برامج إعادة تأهيل. وظهر بعضهم على شاشات التلفزيون ليعبروا عن ندمهم للجرائم التي ارتكبوها في العراق وحث «المؤمنين» لمحاربة «القاعدة». * وفي العراق لم تعد «القاعدة» قادرة على التعويض عن خمسة قادة ميدانيين على الأقل بعد مقتلهم أو اعتقالهم خلال الأشهر الستة الأخيرة. والشيء الأكيد هو أن المد السياسي تحول باتجاه العراق الجديد ومثلما هو الحال في أي حرب، فإن الوضع يعتمد على الحالة الذهنية للأشخاص المسؤولين عنها فليست هناك حرب تم الانتصار فيها مع خطاب انهزامي. كانت زيادة عدد القوات الأميركية الأخيرة، إشارة سياسية تقول إن الولايات المتحدة غير عازمة على الاستسلام، وان الإشارة اقنعت اولئك الجالسين على خط الحياد في العراق وخارجه لتحديد موقف ما. وأغلب هؤلاء وقفوا مع العراق الجديد ضد الخصوم الداخليين والخارجيين. لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن يهزموا في العراق. مع ذلك فإن الهزيمة يمكن صنعها في واشنطن، حيث تفكر النخبة السياسية الأميركية حاليا بالكيفية التي يمكن وفقها الفوز بالانتخابات الرئاسية. وفي كل مرة يلقي زعيم سياسي أميركي خطابا يتكلم عن الهزيمة، فهو يشجع الإرهابيين ويحبط من عزيمة الحلفاء ويعطي إشارة للجالسين على الحياد كي يبحثوا عن دول أخرى وإطالة عمر الحرب. إنها ليست مسألة زيادة أو تخفيض عدد الجنود بـ22 ألف شخص الحاسمة في نتيجة الحرب ببلد مساحته تقترب من مساحة فرنسا. فما الذي يقنع الإرهابيين والعصابات الطائفية بأن قضيتهم خاسرة غير الإدراك بأن الـ22 الف جندي هم يمثلون قوة عظمى مصممة على عدم الاستسلام للإرهاب. يمكن لأميركا متحدة أن تنتصر في حربها بعدد أقل من الجنود. لكن أميركا منقسمة على نفسها ستخسر الحرب حتى لو ضاعفت عدد قواتها في العراق، والأميركيون بحاجة إلى إنهاء انقسامهم على اساس حزبي فيما يخص هذه القضية. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:الشرق الأوسط اللندنية-14-9-2007
|