كيف ينظر العرب إلى أميركا؟ اسألوهم!

 

 

محمد المنشاوي 

 

تعرض العرب إلى كثير من الإهمال في الجدل الدائر حول العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي

رغم أن هذه الأيام تشهد حلول الذكرى السادسة لأحداث 11 أيلول، يستمر صناع السياسة والمعلقون الأميركيون باستخدام نفس النهج المضلل تجاه فهم العالم العربي.

عندما تطرح سؤالاً حول ثقافتين بائستين وعلاقاتهما المتشابكة، يفضي بك المنطق الصحيح إلى ضم كلا الفريقين ومع ذلك، وطوال السنوات الست الماضية، راقبت دوائر واشنطن العاصمة وهي تفشل بفعل مجرد ذلك.

ففي كل إحياء لذكرى حدث أيلول، أشاهد الأميركيين يسألون الأميركيين، ويتناقشون مع أميركيين آخرين حول موضوع ما، وليس من بين المتحاورين عرب. وبعد ست سنوات من الهجمات المزلزلة، ما يزال الأميركيون يسألون السؤال الممجوج: "لماذا يكرهوننا؟"

كان الجهود التي بذلت للإجابة عن هذا السؤال متنوعة: اعتقادات، خطب، أبحاث، استطلاعات رأي، كتب، مقالات، وتستمر القائمة. لكنها تفتقر كلها في النهاية إلى العمق والقطعية، وتظل مقصرة عن الاستماع إلى أصوات عربية وعن تدبر أمر فهم العالم العربي فعلياً.

ست سنوات بعد الهجمات، وهناك المزيد من الأحقاد، والمزيد من الخوف، وللأسف: مسافة أطول ينبغي اجتيازها حتى يفهم كل من الطرفين الآخر كما ينبغي.

الآن، ثمة الكثير من الأشياء الخاطئة في هذا السؤال الشائن: "لماذا يكرهوننا؟" أولاً: إنه يدفع بالمرء إلى افتراض أن العرب، بالعموم، يكرهون أميركا -وهو تقرير مغلوط يتضمن قدراً محترماً من الحقد.

ثانياً: كلمة "نحن" توحي بإقران مغلوط بين السياسات الأميركية والمواطنين الأميركيين. وبكلمات أخرى، تتضمن صياغة العبارة أن الكراهية المزعومة من جانب العرب تتوجه إلى الشعب الأميركي وليس إلى سياسات أو مؤسسات أميركية بعينها ورغم أن الإرهابيين من أمثال أسامة بن لادن زعموا بأن أي مواطن أميركي هو هدف، إلا أن الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين يعارضون هذا التوجه.

إن السياسات الأميركية، وأكثر من أي شيء آخر، هي مصدر العداء تجاه أميركا وفي الحقيقة، يدرك العرب في معظمهم الفرق بين مواطني أميركا وسياساتها، محيلين مآسيهم وأحزانهم مع القوة العظمى ليس إلى "طريقة الحياة الأميركية" وإنما إلى حرب العراق، والصراع العربي- الإسرائيلي، ومعايير أميركا المزدوجة في ترويج الديمقراطية.

وأخيراً، وبتعريف العرب على أنهم "هم"، تتكرس الفكرة المغلوطة القائلة بأن العالم العربي هو وحدة أحدية متهاجنة تتقاسم نظرة واحدة للعالم  ويقدم منطق السؤال العرب الليبراليين والإسلامويين السياسيين باستخدام مصطلحات إسلاميين "راديكاليين" و"معتدلين"، كما لو أن العرب يتقاسمون نفس التوجهات والمشاعر -وهو ما لا يشكل نظرة خادعة وماكرة عن مجتمع متعدد المشارب فقط، وإنما نظرة جاهلة تفتقر إلى المعرفة أيضاً.

وفقاً لاستطلاع رأي نفذه "برنامج التوجهات السياسية الدولية" في آذار الماضي، عبر 76% من المواطنين المغاربة عن وجهات نظر غير تفضيلية تجاه أميركا، فيما قال 50% منهم إنهم ينظرون إليها على أنها "غير محبذ مطلقاً".

وبالإضافة إلى ذلك، وفي مصر - وهي واحدة من أكبر المستقبلين للمساعدات الأميركية- جاءت نتيجة الاستطلاع مدهشة، حيث جاءت نسبة من لا يحبذون أميركا 93%، بينما عبر 86% من هؤلاء عن وجهة نظر "غير محبذة مطلقاً" تجاه الحكومة الأميركية.

لا تبدو هذه الأرقام مقلقة بسبب الدليل الواضح الذي تحمله على سخط العرب من أميركا، وإنما أيضاً بسبب جهود الدبلوماسية الأميركية العامة الراهنة، مثل محطات الراديو الناطقة بالعربية والقنوات العربية الفضائية برعاية أميركية والعديد من برامج التبادل الثقافي التي تمولها وزارة الخارجية.

فرغم ما يقدر بمبلغ 850 مليون دولار تنفق على هذه الجهود، فإنها قد فشلت بكل وضوح، خاصة وأن 53% من المصريين كانوا في عام 2004 فقط هم الذين يحملون وجهات نظر سلبية تجاه القوة العظمى، وهو عدد نما بما يقدر بنسبة 80% في غضون ثلاث سنوات.

ينبع جزء من هذا الفشل من السؤال المغلوط الذي يستخدمه الأميركيون عادة فيما يتعلق بالعالم العربي: "لماذا يكرهوننا؟" ومع ذلك، وإذا ما أصر الأميركيون على طرح هذا السؤال، فإنني أطرح سؤالاً آخر: "لماذا لا تقومون "أنتم" بطرح السؤال عليهم "هم"؟ إن مشاركة العرب في الإجابة، هي مفتاح واضح وسهل.

باعتباري مصرياً-أميركياً أعيش في واشنطن، تقلقني حقيقة أن العرب قد تعرضوا للإهمال على نطاق واسع في هذا الجدل حول العلاقة بين هذين المجتمعين اللذين أعتبرهما وطني - أميركا والعالم العربي .

بلا شك، توجد أصوات عربية في مشهد واشنطن، لكنها أصوات محدودة جداً. ويأتي التمثيل "العربي" إلى صناع السياسة الأميركيين في شكل نخبة حاكمة في أكثر من دزينة من السفارات العربية، ومن يدعون بالخبراء العرب الذين ينزعون إلى أن يكونوا "غربيي الشخصية" وبعيدين كل البعد عن حقائق العالم العربي وواقعه.

ولن يكون من شأن التشاور مع مثل هؤلاء الأشخاص أن ينتج الإجابات التي تسعى إليها أميركا من أجل تحقيق فهم مناسب للعالم العربي، كما وأنه لن يساعد على منع وقوع هجوم إرهابي آخر.

إن الافتقار إلى أصوات عربية مرموقة في واشنطن يحد من إمكانية تحقيق فهم متبادل. وحتى يتمكن الأميركيون من فهم العالم العربي، فإنهم يحتاجون إلى قراءة ما يكتبه هؤلاء العرب المرموقين، وأن يفهموا ما الذي ينبغي أن يشاهدوه، وأن يستمعوا إلى الأكاديميين العرب أكثر من رؤساء الحكومات.

بينما تحدث انتفاضة غير مسبوقة في مشاعر السخط العربية تجاه الولايات المتحدة، فإن الوقت قد حان حتى تتعرف واشنطن إلى نقاط القصور في جهودها الخاصة بالدبلوماسية العامة وتحاول وسائل جديدة. ولن يكون قبل أن نسعى إلى سماع أصوات المفكرين العرب الواعين حتى نستطيع كلنا - أي أنت وأنا، الأميركيون والعرب- أن نتمكن من التواصل كما ينبغي.

* رئيس تحرير "أراب إنسايت"، وهي مجلة جديدة ينشرها معهد الأمن العالمي في واشنطن

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:إيلاف نقلا عن كريستيان ساينس مونيتور-13-9-2007