السياحة بين النضج السياسي وخطر الإرهاب

 

 

باسكال بونيفاس

 

 

ولَّى الزمن الذي كانت فيه السياحة الدولية حكراً على بعض الميسورين المحظوظين والشباب الفرائد المتميزين -حتى لا نقول الهامشيين- الساعيين وراء المغامرة والأحاسيس القوية. أما السبب فهو العولمة التي شملت تأثيراتها هذا القطاع أيضاً.

وفي هذا الإطار، يفيد "المكتب الدولي للسياحة" التابع لمنظمة الأمم المتحدة بتسجيل نحو 850 مليون سفر سياحي كل عام، وهو عدد من المتوقع أن يرتفع إلى مليار بحلول 2010، ومليار ونصف المليار بحلول 2020.

وقد سجلت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء العام الماضي واحداً من أعلى الارتفاعات، وذلك بزيادة تعادل نحو 11 في المئة. أما في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من الحرب في العراق والوضع في لبنان، فقد تم تسجيل ارتفاع في عدد السياح بنسبة أربعة في المئة باختصار، يمكن القول إن السياحة باتت نشاطاً معولَما، وفي نمو دائم ومضطرد.

واللافت أن السياح يؤثرون في الأوضاع الجيوسياسة للعالم من دون أن يفطنوا لذلك أو يدركوه  ذلك أنه في الكثير من الأحيان لا يتم التحضير للسفر، وثمة ملايين الأشخاص الذين يسافرون إلى بلد ما من دون معرفة حقيقية بسياق وأحوال البلد الذي يعتزمون زيارته غير أن ثمة في الوقت نفسه سياحة واعية جداً؛ حيث بتنا نشهد تطور مفاهيم من قبيل السياحة المستدامة، وسياحة التضامن السياسي، وسياحة محاربة الفقر.

وتشكل السياحة في كثير من البلدان الفقيرة مصدر مساعدة بالغ الأهمية بالنسبة للتنمية الاقتصادية فيها  إذ يشكل هذا القطاع الحيوي بالنسبة لستة وأربعين بلداً من أصل البلدان التسعة والأربعين الأقل تقدماً في العالم المصدر الأول للعملة الأجنبية؛ على أن النشاط السياحي يمثل وسيلة جذب فعالة أيضاً بالنسبة للبلدان النامية والمتقدمة.

وعلاوة على ذلك، تشكل النتائج الاقتصادية للسياحة موارد تذهب مباشرة إلى السكان على اعتبار أن تأثيرها مباشر ويطال عمق المجتمع المستقبِل مالياً وبشرياً، كما ينعكس إيجاباً من حيث توفير فرص العمل.

ونتيجة لذلك، باتت السياحة اليوم أكبر قطاع اقتصادي غير حكومي في العالم. ولذلك، فقد اعتبرت البلدان الآسيوية التي ضربها المد البحري الزلزالي "تسونامي" في ديسمبر 2005 أن أكبر وأهم مساعدة لها إنما تكمن في عودة السياح إليها بأعداد كبيرة.

ولئن كان البعض يحذر من الضمانة والحماية التي قد تمنحها السياحة لبعض الأنظمة، فإن انفتاح بلد ما على السياحة إنما يعد في الوقت نفسه دليلاً على نضجه السياسي على اعتبار أن الأنظمة السلطوية تنزعج لوجود الأجانب.

ولذلك، فقد كان المسافرون الأجانب الذين يزورون البلدان الشيوعية إبان الحرب الباردة يخضعون لمراقبة شديدة. والواقع أن هذه البلدان لم تكن تقبل أعداداً كبيرة منهم؛ أما القلائل الذين يُسمح لهم بدخولها، فقد كانوا يخضعون لمراقبة شديدة بغية التحقق من عدم اتصالهم بالسكان، أو المعارضين، وهو الأدهى.

فكانت تناط بالمرشدين السياحيين مهمة مراقبتهم، والقيام بالدعاية والبروباغندا لديهم أيضاً. غير أنه عندما ينفتح أحد البلدان على السياحة، فإن ذلك يحدث تصدعاً، وهو أمر قد يساهم في تطور النظام. الأمر يتعلق هنا بحركة قوية ومؤثرة من الصعب على نظام سلطوي أن يقاومها.

ومما لا شك فيه أن خطر الإرهاب يمثل تهديداً كبيراً بالنسبة للسياحة، على اعتبار أن الحركات الإرهابية تختار مهاجمة مصادر العملة الصعبة بالنسبة لدولة ما بهدف زعزعتها؛ حيث يسعى الإرهابيون من خلال استهداف السياح أو المواقع التي يرتادونها إلى إخافتهم حتى لا يعودوا مرة أخرى إلى البلدان المستهدَفة  أما الهدف فهو التسبب في صعوبات اقتصادية بالنسبة لهذه الأخيرة.

وأمام تزايد خطر الإرهاب، ناقش منتدى دافوس الاقتصادي في 2005 موضوع الصناعة السياحية وسبل حماية عائداتها؛ غير أن الملاحَظ هو أن ثمة اعتياداً للخطر وظاهرة الإرهاب.

فقبل نحو اثنتي عشرة سنة، كانت الدولة التي تتعرض لعملية إرهابية تموت سياحياً لفترة سنة على الأقل بسبب إحجام السياح عن زيارتها؛ وذاك في الواقع هو هدف الإرهابيين. أما اليوم، فهناك ظاهرة نضج الجمهور وتقليله من شأن هذه العمليات.

والحقيقة أن ظاهرة الخوف مازالت موجودة، إذ مازالت العمليات الإرهابية تتسبب في حركة هجر أوتوماتيكية للموقع المستهدَف، ولكن بطريقة محدودة ومؤقتة جداً. ففي حال وقوع هجوم إرهابي، ثمة من السياح من يغادرون المكان، ولكن ثمة بالمقابل آخرون يأتون إليه من منطلق أن الإرهابيين لا يضربون المكان نفسه مرتين.

وعلاوة على ذلك، فثمة من السياح من يسعى للاستفادة من الامتيازات الكثيرة والأسعار المنخفضة والاستقبال الحار (غني عن القول هنا إن مغادرة السياح تعني انخفاض الأسعار).

وهكذا، بدأ الجمهور يتعايش بشكل متزايد مع الخطر الإرهابي الذي يمكن أن يضرب أي مكان في الحقيقة، بما في ذلك العواصم الغربية مثلما رأينا في مدريد ولندن. والحق أن الأخطار الصحية وحوادث وسائل النقل أو تلك التي تحدث خلال الأنشطة الرياضية أكثر خطورة من الإرهاب من حيث أعداد الوفيات.

وإذا كان ثمة شيء يهدد السياحة في المستقبل، فإنه يتعلق بظهور أمور من قبيل مبدأ احترام البيئة، وهو أمر تسعى المواقع السياحية بشكل متزايد للتكيف معه. كما أن التنقل الجماعي عبر الطائرات يتسبب في قدر كبير من التلوث.

ولذلك، ففي حال لم يتمكن قطاع النقل الجوي في المستقبل من تخفيف حجم استهلاكه للطاقة، فإنه سيصبح أغلى من جديد وأكثر إثارة للجدل باسم محاربة ارتفاع حرارة الأرض.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية-4-9-2007