الفهمان و«القوطي»!!

 

سعد بن طفلة

 

 

هناك فرق كبير بين التعليم والتعليم النوعي في عالم المعرفة والأكاديميا. هذا الفارق ولد نوعين من المتعلمين لدينا: نوع متعلم حقا (فهمان)، ونوع يمكن أن نطلق عليه «القوطي» ـ وهي كلمة في لهجة أهل الخليج تعني العلبة الفارغة المصنوعة من التنك.

أي أن هناك نوعا متمكنا من تخصصه الدراسي، وملما بواقعه المعرفي، ومدركا لما يجري حوله من تغيرات علمية في مجال تخصصه، كما أن لديه حدا معقولا من المعلومات العامة، وله رأي وموقف مما يجري حوله من أحداث. وتنعكس نتائج تعليمه النوعي على طريقة تفكيره وعطائه وإنتاجه في مجال عمله وتخصصه.

أما النوع القوطي، فهم مجاميع من ملايين المتعلمين العرب الذين يحملون أوراقا تسمى شهادات علمية، حصل بعضهم عليها وهم في بيوتهم من جامعات أجنبية أو عربية لم يزوروها إلا للسياحة والتسجيل الدراسي، وما هي إلا سنة أو اثنتان حتى يصبح الواحد منهم باش مهندس «أد الدنيا»، أو خريج تجارة أو قانون، بل قد يصبح دكتورا «مسكت» ـ أي لا يشق له غبار ـ يحمل شهادة دكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية أو البريطانية، وهو لا يعرف كيف يطلب لنفسه وجبة في مطعم باللغة الإنجليزية، التي كتب بها رسالته التي جاوزت ثلاثمائة صفحة.

المؤسسات الأكاديمية المحترمة معروفة، ولا يمكن أن تقبل ـ بأي حال من الأحوال ـ القواطي الذين يبحثون عن الشهادات كنوع من الوجاهة، وكنوع من التبرير لتبوّء المناصب، فالشهادة بالنسبة للقوطي هي «جواز سفر» في رحلته المحتومة نحو عالم التزلف والنفاق والجهل والاسترزاق والعمل.

وللمؤسسات الأكاديمية النوعية معايير للقياس والتقييم، تقوم بشكل دوري بتقييم أدائها مؤسسات مستقلة تقدم تقارير موضوعية حول أدائها. بينما ترى جامعات ومدارس خاصة تتكاثر مثل فطر عش الغراب من دون أدنى معايير، لتتحول إلى مصنع تفريخ للقواطي الذين يدعمونها بأموال رسوم دراسة لا يقومون أصلا بها.

القواطي هي الغالبية بين متعلمي عالمنا العربي، وهم سبب رئيسي من أسباب تخلفنا لأنهم تسربوا إلى مؤسساتنا الرسمية، فالقطاع الخاص لا ينظر حتى إلى شهاداتهم بل من مصدر الحصول عليها.

ينصب اهتمام القواطي على عرقلة النجاح والناجحين، ويعتبر من حصل على تعليم نوعي عدوهم الأول، لذا تتركز كافة الجهود لإفشاله وحياكة المؤامرات ضده، ومحاولة «تطفيشه» لأن مجرد وجوده ونجاحه يكشف حقيقتهم، ويميط اللثام عن جهلهم.

تجد القواطي في جامعاتنا يدبرون المؤامرات للفهمان، وتجدهم يمارسون كل أنواع الدسائس والخسائس للنيل منه. وتجدهم في مستشفياتنا ومدارسنا ومصحاتنا، ويبنون لنا بيوتنا ويرصفون شوارعنا، ويقودوننا دوما للهلاك والتخلف لديهم قدرة جينية على التعرف على بعضهم البعض، فسرعان ما يشكلون العصابات للوقوف في وجه أعدائهم الفهمانين.

منطقي جدا أن نرى ظاهرة هؤلاء مرتبطة بالتطرف، فغالبية كبرى من منظري المتطرفين، يحملون شهادات من دكاكين أكاديمية، ويحرص دوما على أن يسبق اسمه كلمة «دكتور» أو «مهندس» أو غيرها.

ولمعرفة القوطي ـ عزيزي القارئ ـ لا تحتاج إلى جهد جهيد، فما أن يفتح فمه، أو أن يشارك في موضوع قريب من تخصصه، حتى تدرك أن هذا الإنسان الذي أمامك «خبل خالص». وتستغرب: كيف تبوأ هذا المنصب؟ فهذا القوطي لا يصلح راعيا «للتالية من الغنم»، مثلما يقول البدو كناية عن الغباء وعدم التدبير.

عالمنا الفكري والثقافي تقوده غالبية من القواطي، نعيش نتائج سياساتهم في هذه المرحلة.. إنها مرحلة القواطي!!

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الشرق الأوسط اللندنية-1-9-2007