التطرف الطائفي و العرقي في العراق...حلول مقترحة
أدى الفراغ الأمني والقانوني بعد سقوط النظام السابق الى سيادة حالة من الفوضى وأعمال السلب والنهب لتتبعها أعمال التخريب والإرهاب ومن ثم بروز الطروحات الطائفية لتستغل من قبل منظمات ظهرت بشكل واضح بعد عام 2003 مدعومة من قبل دول ومخابرات اقليمية ودولية مستغلة التراكمات والسياسات الشوفينية للمدة السابقة. اخذت ظاهرة الطائفية والعنصرية شكل التشدد والتطرف ما وسع اعمال العنف والتهجير والقتل على الهوية لتنفجر بشكل لم يسبق له مثيل بعد تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء وعلى الرغم من التحرك السريع للمرجعيات الدينية التي اجهضت حربا طائفية وشيكة الوقوع فإن التطرف والتهجير والقتل الطائفي استمر بين تصاعد وهبوط بشكل لا يمكن تجاهله، اذ يشكل هذا التطرف خطراً كبيراً على المجتمع العراقي. إرهاب النظام السابق وتغذية الصراعات الطائفية ان التطرف الطائفي لا يشرح بجوهره الديني او المذهبي وانما يندرج في منطق الصراع السياسي - الاقتصادي فهو يتموضع داخل اشكال دينية او طائفية ولعل هذا الاستبدال بين الدين والسياسة يجعل من الدفاع عن المرجعية السلطوية دفاعا عن الحقيقة الدينية، اذ اسس النظام السابق ظاهرة التطرف الطائفي والعرقي عبر جعل القومي العربي اساسا للطائفية ومصدرا لها مستبدلاً الفضاء السياسي بالانتماءات الطائفية المغلقة اذ تسلحت ايديولوجية البعث القومي في العراق بالطائفية للحد من نفوذ الشيعة والاكراد بالدرجة الاولى ثم سائر القوميات التي يتكون منها النسيج الاجتماعي العراقي واستطاع النظام السابق ان يعيد تشكيل الشخصية العراقية عبر عملية تهديم متواصل للهوية الدينية والثقافية وتغيير انماط السلوك من خلال تشكيل مزيد من الوحدات العسكرية ذات المهام الارهابية والدموية مثل (فدائيي صدام، جيش القدس، جيش النخوة، الحرس الخاص) نظرا للمهام الموكلة اليها التي غالبا ما تشمل قطع رؤوس النساء تحت ذريعة البغاء وكذلك قطع الايادي والارجل فضلا عن ملاحقة المواطنين لأسباب سياسية وطائفية لقتلهم او اعتقالهم وقد كرس النظام داخل العقل الجمعي العراقي مجموعة من القيم السياسية والفكرية بوصف البطولة تساوي القتل، هذه الاطروحة اخذت نسقها الكامل عبر جيوش العاطلين من العسكريين والمجرمين المحترفين حيث تم نقل الارهاب والتطرف من اقبية السجون الى الشوارع والمدارس والكنائس واستطاع تحويل الطائفية من الحقل الاجتماعي الى الحقل السياسي. نظام المحاصصة الطائفية والعرقية لقد تم تشكيل مجلس الحكم الانتقالي وفق سياسة المحاصصة الطائفية والعرقية حيث تحول المجتمع العراقي الى جماعات وتكتلات تتراوح بين التعصب والتطرف السياسي والمذهبي. هذه العملية اجهزت على العمل السياسي الحقيقي وخلقت ظروفاً جديدة في تعطيل بناء المؤسسات السياسية في حين استمرت الحكومات المتعاقبة على نفس الاسس وتحت مسميات متعددة (التوافق، الوحدة الوطنية..) وهي في حقيقتها نوع من المحاصصة الطائفية وقد تجسد ذلك في تشكيل الجيش بنص الدستور وتشكيل المجلس الاتحادي للنفط والغاز بنص قانون النفط والغاز المعد للمصادقة من قبل البرلمان العراقي فضلا عن مجلس النواب الذي يتصرف اعضاؤه على اساس الولاء الطائفي والعرقي الضيق فأدى هذا الوضع الى التخندق الطائفي والعرقي وانحسار الولاء للوطن وولادة مشوهة للتطرف بكل اشكاله. الجماعات الارهابية بعد سقوط النظام السياسي السابق بدأت موجة جديدة تنتشر من التطرف الطائفي والعرقي حيث جرت عمليات قتل واغتيال وتصفيات وحشية لرجال دين شيعة وسنة وعرب وأكراد يرافقها خطاب طائفي مقيت مما يؤكد ان منظمات ودولاً وأجهزة مخابرات عالمية تلعب دورا ما في التخطيط والتلاعب بالنسيج الاجتماعي والديني والطائفي للمجتمع العراقي. اذ ان العلاقات الايديولوجية التي توظفها هذه الجماعات الارهابية التكفيرية والطائفية تقوم على مكونات اسطورية لاستنفار تاريخ الصراعات وتنحو نحو الطوباوية والخطابات الانفعالية ولا تحمل اي مشروع سياسي او مجتمعي وتعبر عن مجتمع لم تتبلور فيه التشكيلات والمؤسسات ما يؤدي الى ان يلعب التطرف الطائفي والقومي دورا ديناميكياً في الصراع السياسي، حيث ان هذه الجماعات الارهابية تنظر الى الجماعات الاسلامية المختلفة معها فكريا ومذهبياً وسياسياً على انهم (كفار) او على الاقل من الوجه التكفيري انهم منافقون او فاسقون وكذلك تنظر الى المسيحيين على انهم اهل ذمة لا مواطنون وما يترتب على ذلك من اعتبارات دينية وفقهية، هذه الجماعات الارهابية تسعى الى اشاعة الفوضى والخراب وهي مرتبطة عضويا بقوى سياسية في دول الجوار تحصل منها على الدعم والتأييد ويتوزعون على عدة جماعات اجرامية: 1- جماعات متشددة تمارس القتل الاعمى بحجة كفر جميع المذاهب ويفترض تصفيتهم بشتى السبل. 2- جماعات مرتبطة بالنظام السابق (اجهزة امن ومخابرات واستخبارات وعناصر من الجيش السابق) تمارس القتل كما كانت في السلطة في محاولة للعودة الى السلطة. 3- جماعات الجريمة المنظمة التي تقوم بأعمال السلب والنهب والاختطاف بهدف اشاعة الفوضى والابتزاز وبيع المختطفين. العوامل التي ساعدت على تغذية التطرف التطرف الطائفي والعرقي في العراق اخذ يهدد بانقسام البلد او خلق صراعات اهلية شاملة تشكلت في بداية الامر كجزء من الصراع على بناء هوية العراق الحديث ثم انتقلت وتحولت الى مزيج من الصراعات الدينية والطائفية والعرقية وتداخلت تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية فضلا عن تأثير التشكيلات الارهابية التي وفدت الى العراق من بلدان عربية واسلامية التي تتبنى نهجاً تكفيريا فضلا عن التعامل الاميركي القاسي واحقاد الجماعات القومية ذات الاصول الريفية الشوفينية التي فقدت امتيازاتها ومن اهم العوامل التي ساعدت على تغذية التطرف العرقي والطائفي: 1. التلكؤ في العملية السياسية وضبابية المشروع السياسي العراقي للتغيير. 2. اعتماد الاحزاب السياسية العراقية على الانتماء الطائفي والعرقي بديلاً عن البرامج السياسية. 3. انشغال الكثير من القوى السياسية في مصالحها الضيقة الحزبية للحصول على السلطة/الثروة. 4. عدم تخلص الاحزاب السياسية (العرقية والطائفية) من موروثها الاستبدادي. 5. اشاعة ثقافة التخوين والتجريم واعتماد اساليب الاغتيالات والتصفيات والتفجيرات الانتحارية بديلا عن الحوار. 6. اعتماد اعادة بناء الدولة العراقية على الانتماءات الطائفية والعرقية ما فاقم الفساد المالي والاداري في الاجهزة الادارية. 7. ضعف النظام القانوني والقضائي وعدم وجود مؤسسات حاكمة في الدولة العراقية تسير الوضع بسبب من شخصنة الدولة. 8. انتعاش مبدأ الهويات الفرعية والتمثل السياسي الطائفي وغياب اتفاقات من النوع السياسي وحجب التوازن السياسي العراقي الدقيق. 9. اعتماد المؤسسة الاميركية مبدأ تفتيت الوحدات السياسية وتهميش القوى العلمانية والديمقراطية وتشكل الدولة العراقية الحديثة على المؤسستين العشائرية والطائفية. 10. الاعلام الخارجي القومي ودوره في التأكيد المستمر على انقسام الشعب العراقي على اساس طائفي وعرقي وقومي وليس على اساس سياسي-اجتماعي وتدخل القوى الاقليمية بالشأن العراقي واستقدام الارهاب التكفيري وجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بين اطراف متعددة. كل هذه العوامل ادت الى ان يأخذ التطرف شكلاً عنيفاً يغذي النسيج الاجتماعي والسياسي العراقي. ستراتيجية الخروج من المحنة ان معالجة مشكلة التطرف الطائفي والعرقي واثارهما الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يتطلب مشاركة جميع المؤسسات العراقية ومنظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية والمرجعيات الدينية لتثقيف باتجاه الاخطار الكبيرة للغلو والتطرف يرافقها تشريع قوانين تحد من هذه الظاهرة بوصفها جريمة كبرى لذا يتطلب وضع برنامج ستراتيجي شامل لمعالجة التطرف واضعافه وتفكيكه. 1- تشجيع وبلورة احزاب سياسية قائمة على اساس المواطنة واعادة النظر في برامج الاحزاب الحالية ذات الطبيعة الطائفية والعرقية بما ينسجم مع المصالح الوطنية قولاً وفعلاً. 2- ايجاد برنامج سياسي وثقافي وإجتماعي واقتصادي قائم على أساس مصلحة المجتمع والوطن تسهم في بلورته الكتل السياسية والمرجعيات الدينية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني. 3- اعادة وتطوير العلاقة بين مكونات الشعب بما يؤمن التعايش السلمي والشراكة الحقيقية بين مكونات المجتمع ورفض تام لأي تهميش واقصاء. 4 - تفعيل وتقنين ودعم عمل منظمات المجتمع المدني بما يرفد ويعزز حقوق الانسان والمواطن والوطن. 5- خلق بيئة ثقافية واجتماعية للتعارف والتفاهم والحوار بين مختلف الجماعات المذهبية وصياغة نظام العلاقة بين مختلف المكونات على قاعدة صيانة حقوق الانسان. 6- نشر ثقافة التسامح والمواطنة والقيام ببرامج اعلامية للكشف عن الابعاد المأساوية لسياسة التخندق الطائفي والدعوة الى نبذ العنف. 7- الابتعاد عن نظام المحاصصة واعتماد البرامج السياسية والتنموية بديلاً عن العاطفة العرقية والطائفية. 8- السعي نحو توحيد الوعي الاسلامي وعقد المؤتمرات للمصالحة الوطنية وتجميع اطراف النزاع. 9- خلق فرص عمل جديدة عن طريق دورة اقتصادية والقضاء على البطالة المقنعة في العمل الوظيفي والانتاجي والتي تهدم كيان الفرد. 10- ايجاد الحلول الواقعية لمظاهر التمييز الطائفي والتأكيد على الوعي الوطني المناهض للطائفية والعرقية. 11- اعادة النظر بالمناهج التربوية والتعليمية وترويج روح المواطنة وسيادة القانون والابتعاد عن الاقصاء الطائفي والعنصري والعرقي. 12- أصدار قانون يمنع التفرقة العنصرية والطائفية بين المواطنين ويمنع التحريض بأي شكل من الاشكال ويعتبر اي فكر او سلوك متشدد طائفي او عنصري في خانة الجرم الوطني ويتم تجريمه من قبل القضاء. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:جريدة الصباح-29-8-2007
|