غطاء سياسي في العراق... لكن لمن؟
بيتر رودام
في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس بوش مجموعة من الخيارات الصعبة في موضوع العراق، وبينما يزن بعناية الرهانات الكبرى الناشئة في منطقة الشرق الأوسط والرهانات السياسية الأخرى على الساحة الداخلية، فإن استحضار التاريخ في هذه اللحظة قد يكون مهماً للإفادة واستلهام العبر. فمنذ إصدار "مجموعة دراسة العراق" لتقريرها حول الأزمة العراقية في شهر ديسمبر الماضي والمحللون يشيرون على بوش بالتوصل إلى صفقة مع الكونجرس تشمل الحزبين معاً لما سيمنحه ذلك، نظرياً على الأقل، للرئيس بوش من غطاء سياسي لتفادي تحمل الأخطاء السياسية والاستراتيجية التي قد تترتب على فض الاشتباك والانسحاب من العراق. لكن على بوش أن يتوخى الحذر، لاسيما وأن الغطاء السياسي الذي يطمح إليه، قد لا يتحقق على أرض الواقع. فإذا شرع في فض الاشتباك في العراق عكساً لرأيه الخاص، فضلاً عن تقييمات القادة العسكريين، وأدى ذلك إلى تكريس عدم الاستقرار في العراق والشرق الأوسط، فإن أسماء "جيمس بيكر" و"لي هاملتون" وغيرهما ممن يدافعون عن الانسحاب، ستختفي من الصورة. ولن يذكر التاريخ سوى جورج بوش الذي أدار ظهره للعراق لتلحق به تركة الفشل بمفرده. لذا من الأفضل للرئيس ومن مصلحته أن يكون التاريخ واضحاً في الإشارة إلى الطرف الحقيقي الذي اتخذ القرار غير السديد. وبالطبع يمكن للرأي العام أن يتغير ويطالب بالانسحاب كما حصل في سنوات 1973 و1974، ثم 1975 عندما اعتقد الكونجرس أنه يعكس خيبة الأمل الواسعة لدى الشعب الأميركي إزاء الحرب في فيتنام وأرغم إدارة الرئيس "نيكسون" على الانسحاب من فيتنام، رغم معارضتها الشديدة. ومع ذلك يجمع القادة العسكريون أنه بنهاية عام 1972 بدأ ميزان القوى في فيتنام يتحسن، منعكساً في اتفاقية باريس، لكن الكونجرس سحب دعمه فانهار التحسن الميداني، وهو ما أغرق الهند الصينية في بحر من الدم. وقد أصبحت هذه الرواية لحرب فيتنام والمتفق عليها من قبل الجميع، كابوساً يتجرع مرارته "الديمقراطيون" إلى غاية اللحظة وعلى غرار مرحلة فيتنام يواجه الكونجرس اليوم خيارات مفصلية حول العراق، ذلك أنه في اللحظة التي يُشرع فيها الكونجرس قانوناً يحد من حرية الرئيس في التحرك واتخاذ القرارات بشأن العراق فإنه ينخرط في تحمل مسؤولية النتائج المترتبة على الحرب، ولن يستطيع الكونجرس بعد ذلك النأي بنفسه عن النتائج، أو التنصل من مسؤولياته. فهل يسجل التاريخ في المستقبل أن الوضع الاستراتيجي والعسكري في العراق كان على وشك التحسن في عام 2007، لكن الكونجرس قرر الانسحاب وتعزيز موقف المتطرفين الإسلاميين في عموم المنطقة والإخلال بالتزاماتنا تجاه حلفائنا وأصدقائنا؟ إذا كان ذلك ما سيحدث فعلاً فإن من سيحتاج إلى غطاء سياسي من خصومه ليس هو الرئيس بوش، بل الكونجرس الأميركي نفسه وبالنظر إلى الوضع الراهن في العراق، تحتم الرهانات الاستراتيجية الكبرى عدم التسرع في الانسحاب وإخلاء المنطقة لخصومنا. ولعل من سيشعر بالمشكلة أكثر من غيره هو الرئيس الذي سيخلف بوش سواء كان من "الحزب الديمقراطي"، أو "الجمهوري". ومن هذه الزاوية يجد الرئيس بوش نفسه مديناً لخلفه بتحقيق أقصى درجات الأمن والاستقرار في العراق حتى يتسنى لمن سيخلفه المناورة ضمن خيارات متعددة. فقد يقرر الرئيس الجديد بعد بوش أن ينسحب فوراً ويلقي باللائمة كلياً على بوش، أو أن يعمد إلى انسحاب تدريجي ومنظم، كما قام بذلك الرئيس "ريتشارد نيكسون" عندما ورث حرب فيتنام عام 1969. لكن الخيارات ستضيق أكثر إذا بدأ الرئيس بوش نفسه عملية الانسحاب، بحيث لن يتبقى أمام خلفه سوى عدد محدود من الخيارات ستكون أسوأ بكثير مما تواجهه أميركا حالياً. وفي هذا السياق يتعين على المرشحين للانتخابات الرئاسية أن يفكروا ملياً فيما هو مطلوب من الرئيس الأميركي في المرحلة المقبلة والابتعاد قليلاً عن حماسة الحملة الانتخابية التي تتجنب طرح الأسئلة المهمة. ولابد من الإشارة هنا إلى أن أحد أهم العوامل المسببة لعدم الاستقرار في العالم خلال الفترة المقبلة هو الخوف من الضعف الأميركي وتأثير ذلك على توازن القوى في منطقة حيوية مثل الشرق الأوسط. وليس ما يقال عن الغطرسة الأميركية، والأحادية في اتخاذ القرارات، سوى أكليشيهات مكرورة لا تستقيم على أرض الواقع. فالمشكلة الحقيقية تتمثل في أن المطالب المنادية بقبول الهزيمة في العراق والانسحاب منه بدأت تقلق حلفاءنا في الشرق الأوسط ومناطق أخرى تعتمد على الولايات المتحدة لضمان أمنهم. وإذا ما تركنا أنفسنا نخرج من العراق، فإن ما سيطلبه العالم من الرئيس القادم ليس التواضع والانزواء على الذات بقدر ما سيطلبون ضمانات من أميركا على أنها مازالت قوية وقادرة على اتخاذ قرارات حاسمة وضمان حماية حلفائها. لكن بالنظر إلى النقاش الدائر حالياً داخل الولايات المتحدة فإن تحقيق ذلك الهدف ينطوي على صعوبة كبرى، وسيكون الأمر أكثر صعوبة إذا ما رضخ الرئيس بوش وسلك الطريق الخطأ في العراق. *باحث بارز في معهد "بروكينجز" ومساعد سابق لوزير الدفاع الأميركي في شؤون الأمن الدولي و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-30-7-2007
|