مسلمو أميركا... مصدَر قوة لا تهديد!

 

كيث إليسون

 

 

لم أجد نفسي بحاجة لمتابعة سلسلة برنامج "أميركا في مفترق الطرق" التي تبثها شبكة "PBS" التلفزيونية، كما أني لم أقرأ آخر نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة "بيو" لدراسة رأي المسلمين الأميركيين... كي أدرك أن الجالية المسلمة الأميركية، باتت الآن تحت عين الرقابة المشددة. وفيما أذكر جيداً، فقد كان أول الأسئلة التي أثيرت في وجهي مباشرة، لحظة حصولي على ترشيح حزبي، "حزب العمل الفلاحي الديمقراطي"، لأخوض انتخابات الكونجرس على مستوى الدائرة الانتخابية الخامسة في ولاية منيسوتا، هو: ألست مسلماً؟ وهل تكون أول مسلم يدخل الكونجرس الأميركي في حال فوزك؟ وهل ستؤدي اليمين على المصحف بدلاً من الإنجيل؟ ثم هل ستعارض الإرهاب؟ وكنت قد أصغيت إلى تلك الأسئلة المتكررة، بما فيها من سذاجة مضحكة، لكن الأمور مرت على ما يرام، رغم كل ذلك.

في بادئ الأمر كانت تدور مناقشات محدودة، حول العقيدة الإسلامية في ذاتها، ومضت أيام وأسابيع على دخولي الكونجرس، دون أن يطالبني أحد بالتحدث نيابة عن الأمة الإسلامية (1.3 مليار نسمة على مستوى العالم). بيد أني تمكنت من مواصلة عملي نيابة عن القواعد الناخبة التي دفعت بي أصواتها إلى قبة البرلمان. وبالنتيجة فقد كنت نشطاً وفاعلاً للغاية في خدمة قضايا بعينها؛ مثل السلام وإنهاء حرب العراق، والحفاظ على البيئة... إلخ. ولم يحدث قط أن تعرضت لمواجهة مثيرة للضيق أو الغضب من أعضاء الكونجرس، بسبب المعتقد الديني. بل إن القادة في إدارة بوش، على قدر من الانفتاح والإقبال على مشاركة الآخرين. كما رافقتُ رئيسة مجلس النواب، "نانسي بيلوسي" في زيارتها الشرق أوسطية، ولن أنسى تلك الحرارة التي قوبلت بها من قبل النساء اللائي هرعن إليها وتدافعن نحوها وهن خارجات من المسجد الأموي في دمشق، لا لشيء إلا ليصافحنها أو ليلتقطن صورة تذكارية معها.

على أن هذا لا ينفي وجود بعض المنغصات بالطبع. فمثلاً ذكر لي ضباط في فصول التدريب بمقر شرطة "منيابوليس"، أن زميلاً لهم صدرت منه تعليقات وصفني فيها بالإرهاب. وقد شجب كل من عمدة المدينة ورئيس شرطتها تلك التعليقات، بينما فتح تحقيق رسمي بشأنها مع الضابط المعني. أما المعلق الصحفي "جلين بيك"، فطالبني بإثبات عدم عملي وتعاوني مع الأعداء، حسب وصفه. وإلى ذلك فقد كتب أحد المعلقين الصحفيين "الجمهوريين" مقال رأي نشر مؤخراً، طالب فيه بمنعي من العمل في الكونجرس، إن كنت قد أديت اليمين على المصحف الشريف لخدمة الدستور الأميركي. وبالطبع فإن هناك الكثير مما يمكن سرده من نوع هذه المضايقات، لكنها جميعاً تؤيد فكرتي الرئيسية القائلة إن هناك الكثير مما يحمل على التفاؤل هنا، من ذلك فوزي في الانتخابات والانضمام إلى عضوية الكونجرس كأول مسلم أميركي. وها أنا أحرز تقدماً ملحوظاً في العديد من القضايا التي أهتم بها. ويستمر تشجيعي ودعمي يوماً إثر يوم، من قبل الشرائح الاجتماعية المؤمنة بالسلام والازدهار المشترك لأفراد المجتمع جميعاً، فضلاً عن وقوفهم وراء الدعوة لإصلاح نظام الرعاية الصحية.

ورغم تعرض بعض أفراد الجالية المسلمة الأميركية لسوء المعاملة وردات الفعل السلبية، إثر هجمات 11 سبتمبر، فإن كثيرين منهم حدثوني بعد بضعة أسابيع عن عودة الحياة الطبيعية إلى مجراها، أن كثيرين منهم فتحوا المزيد من المشروعات الاستثمارية، كما حدثوني عن ذهاب أطفالهم إلى الكليات والمدارس، أو فلنقل عن ازدهارهم بشتى السبل والأشكال، وتواصل اندماجهم في المجتمع الأميركي. وكثيراً ما حدثني الشباب المسلمون عن تطلعاتهم السياسية بالقول: لقد كنت أول مسلم يشق طريقه إلى قبة البرلمان... لكن كم سيمضي أحدنا ليصل إلى ذات المكان مثلك؟ وهناك منهم من تعهد بالانخراط أكثر في العمل السياسي، والعمل بحماس أكبر من أجل دعم أولئك المرشحين القادرين على رفع أصواتهم دفاعاً حن الحقوق المدنية وحقوق الإنسان باسم جميع المواطنين الأميركيين. ومما يطمئن أن كل الذي سمعته، إنما هو ناشئ من عمق تربة المجتمع الأميركي، ويعبر عن المجرى العام للعملية السياسية الديمقراطية فيه. ولا عجب في ذلك، طالما أن نسبة 71% من المسلمين الأميركيين تعتقد أن في الإمكان تحقيق نجاح باهر خلال العملية السياسية في البلاد، استناداً إلى قيم الإسلام وتقاليده، فيما لو جدّ المسلمون وثابروا على العمل من أجل تحقيق هذا الهدف. وقد أظهرت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "بيو" لاستطلاعات الرأي العام الإسلامي هنا، أن نسبة 64% ممن شملهم الاستطلاع، عبرت عن هذه الثقة نفسها، في الحراك الاقتصادي الاجتماعي الأميركي. وبالنسبة للمسلمين الأميركيين قاطبة، فأميركا هي أرض الفرص والأحلام.

غير أني لا أرمي من وراء هذا الحديث، إلى التقليل من شأن حالات سوء المعاملة التي يتعرض لها المسلمون أحياناً، على نحو ما تعرض له الكابتن جيمس يي، الضابط بالجيش الأميركي، من اعتقال في الحبس الانفرادي استمر لمدة 76 يوماً، إلى جانب تعرضه للتهديد بالإعدام، عقاباً له على انتقاده لإساءة معاملة الأسرى في سجن جوانتانامو. وتلك هي بعض تداعيات أحداث 11 سبتمبر الواجب تجاوزها، بما يجعل من الجالية المسلمة الأميركية مصدر قوة ومنعة لأميركا، وليست تهديداً لها بأية حال. وما يحملني على التفاؤل بدور هذه الجالية، هو أن أميركا بلد للتسامح الديني والعدالة والمشاركة الجماعية.

*أول مسلم ينال عضوية الكونجرس

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"-29-7-2007