التكفيريون السعوديون يعودون لممارسة رسالتهم مجدداً

 

 

د. رفعت سيد أحمد

 

في السعودية.. والثمرة اندلعت في المغرب والجزائر!!

- دار الإفتاء في السعودية تكفر الدولة الفاطمية وتقول عن مؤسسها أنه كان مجوسياً.. وتطالب بتفجير الصراع بين السنة والشيعة وبعدها بأيام ينطلق ابنها الشرعي ( تنظيم القاعدة ) ليفجر في "الجزائر" و"المغرب"!!

- لأول مرة نسمع عن دار للإفتاء تفتي في "التاريخ" وتحاكمه وليس في الدين والسبب سياسي بالدرجة الأولى.

- النظام السعودي أراد أن يرد على من يدعو لإعادة قيم التسامح والعدل كما أصلتها الدولة الفاطمية بطريقة ملتوية عبر "علماء السلطان" حتى يضلل الشعوب العربية، وحتى يستمر في وظيفته الأمريكية في زرع الفتنة والفوضى المذهبية في المنطقة.

- لو أجهد فقهاء السلطان بالسعودية أنفسهم وقرأوا في تاريخ الدولة الفاطمية لعرفوا أن مؤسسها مسلم وأن غالب حكامها مسلمون وكانوا دعاة للوحدة ولردم هوة الصراع بين السنة والشيعة، وأن الطب والاقتصاد والثقافة ازدهرت في عهدها.. وليكفيها فخراً إنشاء "الجامع الأزهر" و"بيت الحكمة"!!

وظهور "الحسن بن الهيثم" أهم علماء الرياضيات في التاريخ والملقب بآينشتاين العرب!!.

- ترى طالما أن الفقهاء السعوديين يتحدثون عن "الجذور" ما رأيهم فيما ينشر عن الجذور اليهودية للأسرة السعودية الحاكمة!!

فجأة قام مفتي السعودية، وهو رجل متطرف في فكره ومنعزل عن الدنيا لأسباب شخصية وسياسية، بإصدار فتوى يكفر فيها الدولة الفاطمية، بعد أن جمع إلى جواره طاقم دار الإفتاء من الموظفين الذين يوصفون خطأ بالعلماء، وهم في الحقيقة ليسوا سوى علماء وفقهاء للسلطان الذي هو هنا النظام السعودي الحاكم.

* المفاجيء في الأمر أنه لأول مرة في التاريخ العربي والإسلامي يقوم (فقهاء) بالإفتاء في شأن تاريخي وليس دينياً، فحسب علمنا أن مهمة ووظيفة عالم الدين المحترم هي أن ينير للناس شئون دنياهم ودينهم، وأن يقدم لهم الرأي الشرعي في القضايا الدينية المثارة في واقعهم المعاش، ولكن وكما يقول المثل ( إذا عرف السبب بطل العجب )، فالسبب هو أن النظام السعودي الحاكم أراد أن يرد على الدعوة الهامة التي أثيرت مؤخراً في المغرب العربي المطالبة بإحياء قيم التسامح بين المسلمين، وشأن هذه الدعوة أن تبطل الوظيفة التي طلبتها الإدارة الأمريكية من النظام السعودي في المنطقة بعد أن سحبت البساط من تحت أرجل النظام المصري وسلمته إلى "آل سعود"، والوظيفة هي العمل بدأب على تفجير الصراعات المذهبية (تحديداً بين السنة والشيعة) في المنطقة، مع تحطيم وإنهاك الدور المصري التاريخي في المنطقة تمهيداً لتفجير مصر عرقياً ومذهبياً وطائفياً، وأن تستخدم في ذلك المؤسسة الدينية الوهابية المنغلقة والمتطرفة والمعادية حتى لأهل السنة من أصحاب الفكر والرؤى المعتدلة.

إن من شأن إعادة بعث القيم التي دعت إليها الدولة الفاطمية التي حكمت المنطقة حوالي 260 عاماً (909 هـ ــ 1171 هـ) أن تتعطل وظيفة آل سعود وأن يبطل دورهم في إطار استراتيجية الفوضى البناءة الأمريكية، لذلك سارع فقهاء السلطان بإصدار فتواهم الخطيرة الأسبوع قبل الماضي (9/4/2007) ليكفروا فيها الدولة الفاطمية، وأتباعها رغم أن من على مذهب الدولة الفاطمية اليوم (الإسماعيلية) موجودون حتى داخل السعودية ذاتها فضلاً عن اليمن وبلاد المغرب العربي، وهي (الفتوى) التي تلقفها (تلميذ) آل سعود ومؤسستهم الدينية المتطرفة، ونقصد به (تنظيم القاعدة) وعمل على تنفيذها فوراً فقام بتفجيرات (الدار البيضاء) والجزائر، انطلاقاً من أن شعب وحكومة الجزائر والمغرب كفار ومجوس وفقاً لفتوى دار الإفتاء السعودية الوهابية، إنه الثمرة إذن، والامتداد الطبيعي وإن اختلفت شكلياً الأسباب لكن يظل النبع واحد نبع الغلو والتطرف ونفي الآخر كما أصله آل سعود وجناحهم الديني السلفي المتطرف!!.

من المجوسي ومن اليهودي؟

* ثم أن الفقهاء السعوديون قالوا عن الدولة الفاطمية أن مؤسسها مجوسي، وهذا فضلاً عن كونه جهل بالتاريخ ــ كما هي عادتهم وكما سنبين لاحقاً ــ فهو قول مغرض مقصود به لفت الأنظار إلى المجوس (الفرس/ الإيرانيين كما يشيع خطاب التطرف الوهابي) وهو هدف خبيث مقصود به لفت الانتباه إلى إيران (عدو أمريكا الجديد)، يعني فقهاء السعودية يمهدون الطريق دينياً وفقهياً للضربة الأمريكية القادمة لإيران.. إنهم إذن خدام الأجندة الأمريكية الجديدة ــ كما هو حال ملوكهم ــ، والطريف في الأمر أن التفتيش في دفاتر التاريخ عن الأصول العرقية والدينية للدول، إن امتد حبله على استقامته فهو سيضر ليس الدولة الفاطمية وأصحاب المذهب الإسماعيلي الذين هم مسلمون موحدون كما يعلم أصغر تلميذ قرأ التاريخ الإسلامي، بل سيضر (آل سعود) أنفسهم حيث نعلم جميعاً أن أصولهم يهودية وأن جدهم الأكبر أسمه (مردخاي) وأن محمد ابن عبد الوهاب نفسه كان عميلاً للمخابرات البريطانية ولمن يريد المزيد من التفاصيل نحيله إلى الكتاب الضخم والمرجع (تاريخ آل سعود) للمناضل الشهيد ناصر السعيد الذي قتله آل سعود عام 1979 حين ألقوا به من طائرة اختطفته من بيروت من على ارتفاع 17 ألف قدم في منطقة الربع الخالي بالجزيرة العربية!!، فلماذا يفتح فقهاء السلطان باباً إذا دخلت منه الريح فسوف تضر الأسرة الحاكمة وتفضحها وتعري جذورها اليهودية؟!!

حقيقة الفاطميين

* على أية حال.. دعونا نقرأ بعض سطور التاريخ عن الدولة الفاطمية التي لو أجهد فقهاء السلطان بالسعودية أنفسهم وقرأوا قليلاً عنها لوجدوا أن مؤسسيها كانوا دعاة وحدة وأن الطب والأدب والعلم والثقافة والحرية العقائدية قد ازدهرت في عهدها وأن الأزهر وبيت الحكمة والحسن بن الهيثم وغيرها من عشرات المعالم والأسماء كفيلة وحدها بالرد على الجهل السعودي الذي تنوه به فقهاء السلطان لخدمة الأجندة الأمريكية بالأساس، ولخدمة الدور السعودي الوظيفي داخل هذه الأجندة.

فماذا يقول لنا التاريخ عن الدولة الفاطمية؟

إن التاريخ يحدثنا عبر المؤرخين الثقاة مثل المقريزي وابن إياس وابن الأثير وابن تغري بردي، وغيرهم عن نهضة واسعة في الحياة الفكرية والأدبية في العصر الفاطمي كما يحدثنا عن ازدهار العلوم الفلسفية والرياضيات والفلك والتنجيم والطب.

وفي هذا المجال يقول الدكتور محمد كامل حسين في كتابه المهم ( الحياة الفكرية والأدبية بمصر من الفتح العربي حتى آخر الدولة الفاطمية ):  في العصر الفاطمي نرى تطورا جارفا في الحياة الفكرية ولاسيما في العلوم الفلسفية على اختلاف ألوانها وفنونها. إذ ازدهرت هذه العلوم ورعاها الخلفاء الفاطميون.

بل كان هؤلاء الخلفاء من العلماء المبرزين في بعض هذه العلوم. وخاصة في الإلهيات والفلك. . وقد اهتم الفاطميون برصد النجوم واهتموا بعلماء الرياضيات اهتماما خاصا. 

كما اهتموا بالشعر واتخذوه وسيلة من وسائل دعوتهم السياسية.

وكان الفاطميون أساتذة فن الدعاية واتخذوا لها كل الوسائل الممكنة في عصرهم وجندوا للدعاية كل من يفيدهم في هذا المضمار. . ولا أكاد أعرف دولة من الدول الإسلامية أقامت للشعراء هذا التمجيد. أو اهتمت بهم هذا الاهتمام فلا غرو إذن إن ازدهر الشعر المصري ازدهارا لم يعرف من قبل. . ويقول الدكتور عبد المنعم ماجد في كتابه (الإمام المستنصر بالله الفاطمي) :  ويرجع الفضل إلى الفاطميين في خلق أهمية مركز مصر الدولي للتجارة.

إذ أنهم عرفوا مزايا الموقع الجغرافي لمصر في مفترق القارات لتربط بين عالمين ولكي يسهل الفاطميون نقل التجارة بين الشرق والغرب فتحوا القنال بين النيل والبحر الأحمر وهو ما عرف في عهد المستنصر بالخليج الحاكمي نسبة إلى الحاكم بأمر الله. .

ووفقاً للكاتب الإسلامي صالح الورداني في كتابه ( الشيعة في مصر ):  فقد ذكر الرحالة ناصر خسرو عندما مر بمصر في تلك الفترة: أن المصريين كانوا في حالة حسنة جدا. وأنه رأى أموالا يملكها بعض المصريين لو ذكرها أو وصفها لما صدقه أحد. فهي لا تقع تحت تحديد أو حصر. وهي للنصارى والمسلمين على السواء.

وذكر أيضا : وقد رأيت الأمن والعدل فيما رأيت من بلاد العرب والعجم في أربعة مواضع : الأول بالدشت أيام نشكر خان . والثاني بالديلم أيام أمير الأمراء جستان بن إبراهيم والثالث بمصر أيام المستنصر بالله أمير المؤمنين. والرابع بطبس أيام الأمير أبي الحسن بن محمد. فلم أسمع على كثرة ما سافرت بهذه الجهات عن الأمن ولم أره. .

لقد أصحبت مصر لأول مرة في التاريخ مركز الحكم والتوجيه وتحولت القاهرة إلى عاصمة للعالم الإسلامي كما أصحبت منارة العلم وقبلة المتعلمين وذلك بفضل الفاطميين الشيعة.

وكانت الدولة الفاطمية تمتد من أقصى المحيط الأطلسي إلى الفرات وسيطرت على الحجاز وأقامت فيه العدل وحكم أحفاد النبي الكعبة ولعل هذا أحد أسباب خوف آل سعود وفقهائهم من وعاظ السلاطين ولذلك أفتوا بكفر الدولة الفاطمية.

وقد ازدهرت الحركة العمرانية في عهد الفاطميين كما ازدهرت صناعة النسيج واشتهرت مصر بصناعة أنواع خاصة من النسيج.

وكانت الحكومة تقوم بكسوة موظفيها في الصيف والشتاء وكسوة العامة من الفقراء والمحتاجين. ولم تكن المواكب المترفة غاية الترف التي كانت تخرج في شوارع القاهرة في المناسبات الدينية كعيد الفطر والأضحى وبداية رمضان وكذلك في عيد ميلاد الخليفة - هذه المواكب تشير في دلالة واضحة إلى حالة الرخاء والسعة التي كانت تعيشها في تلك الفترة. .

ويروي المؤرخون الكثير عن عدل المستنصر بالله الخليفة الثامن من خلفاء الدولة الفاطمية، ورحمته بالناس فقد كان يعطي الدواء لمن يطلبه المجان ويخالط الناس ويسمع شكواهم وقد أحبته الرعية حبا شديدا. . كما يروى أن النفقة على قافلة الحج في عهد المستنصر بلغت مائتي ألف دينار ولم تبلغ هذه النفقة مثل ذلك في دولة من الدول عبر تاريخنا الإسلامي يومها حيث كانت تشمل ثمن الطيب والشمع والحماية والصدقة وأجرة الجمال ومعونة خدم القافلة ومن يسير معها من العسكر الذين بلغت نفقاتهم في عهد المستنصر ستين ألف دينار زيادة على مرتباتهم أو ألف دينار في اليوم. .

وقد أنشأ الحاكم بأمر الله دار الحكمة أو دار العلم في عام 395 ه وزودها بالكتب من كل نوع في العلوم والآداب والعقائد وكان الطلاب يفدون إليها من شتى الأقطار. فكانت أشبه بجامعة تتكون من عدة كليات.. وكانت خزانة الكتب في زمن المستنصر لا نظير لها في جميع بلاد الإسلام وهي تتكون من أربعين خزانة فيها أكثر من مائتي ألف كتاب وعدد كبير من الكتاب والنسخ. .

وبلغ عدد المساجد في مصر آنذاك ستة وثلاثون ألف مسجد في جميع المدن والقرى ولكل مسجد يقع في حدود الدولة من الشام إلى القيروان نفقات يقدمها الخليفة المستنصر من زيت وحصير وسجاجيد للصلاة ورواتب للقوام والفراشين والمؤذنين وغيرهم. .

واعتاد خلفاء الفاطميين أن يقيموا في قصورهم الولائم الفاخرة في الأعياد لعامة الناس حيث تقدم لهم الفطرة وهي حلوى من دقيق وفستق ولوز وبندق وتمر وزبيب وعسل وهي تنشر كالجبل الشاهق على مائدة طويلة بالإيوان الكبير. . وفي عيد الأضحى كان الخليفة ينحر بنفسه الأضاحي إيذانا منه ببدء النحر. وكانت تنحر في فترة العيد ما يزيد على الألف رأس توزع لحومها على الموظفين وطلبة العلم والقائمين بشئون الجوامع. .

تعانق الشيعة والسنة

* وفي عهد الدولة الفاطمية تعايشت الأديان والمذاهب وبقيت العديد من البلاد الإسلامية على مذاهبها السنية ودرست في كافة المساجد وبخاصة في الأزهر حيث تعانق المذهبين الرئيسين (الشيعي والسني) عبر علمائهم وفقهائهم في وحدة نادرة، لعلها السبب الرئيسي الذي يخيف دعاة الفرقة والغلو من الوهابيين الجدد ومن خدام الاستراتيجية الأمريكية وخالقي الفتنة والفوضى غير البناءة وعلى رأسهم يتربع آل سعود ذوي الجذور اليهودية.

إن فتاوى التكفير والتي اعتاد فقهاء السعودية على إصدارها كل حين، هي المنبع للعنف الأعمى الذي تعيشه العراق ومصر والبلاد العربية، ومن الواجب الديني والأخلاقي أن نتصدى جميعاً له ونكشفه، ومن هنا نحن ندعو، الأزهر وجامع الزيتونة وكل المؤسسات الإسلامية المحترمة أن تنتفض لترد على فقهاء التكفير وأعوانهم وتلاميذهم، فالخطر قادم ولن يستثنى أحداً.

ولعل في الموقف الأخير لهؤلاء التكفيريين تجاه دعوة الفاطمية الجديدة، أو دعوة التسامح المذهبي، ما يؤكد أننا أمام بنية تكفيرية لا يصلح معها النصح، خاصة إذا كانت إدارتها هي واشنطن وتل أبيب مستخدمة آل سعود وفقهائهم كمطية دينية شديدة الولاء والطاعة.

والقول الفصل أن ما يصلح معها هو المواجهة والكشف. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.. والله المستعان.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: المثقف السياسي