قمة خليجية بشؤون خارجية

 

 

عبد الرحمن الراشد

 

في أبوظبي تاهت الوفود في ردهات الفندق الخرافي «قصر الإمارات»، الذي استضاف قمة مجلس التعاون الربع قرنية، كما تاهت القمة في قضايا المنطقة خارج جغرافيا الخليج نفسه، فناقشت إيران والعراق ولبنان وفلسطين. وبمراجعة البيان بات واضحا الخلل في آلية القمة الخليجية، وهو انشغالها بالموضوعات الخارجية، في حين يفترض أن تكون متخصصة في شؤون دول المجلس، لا دول المنطقة والعالم. ففي كل قمة يهيمن وزراء الخارجية بأجندتهم ويجلس وزراء الصناعة والتجارة والتعليم على الهامش.

وبمراجعة بيانات 25 قمة وملفات نقاشاتها، نكتشف كيف مرت 25 سنة بأفكار تعاون عظيمة وانجازات متواضعة. فالوفود مشغولة بالوقود النووي الإيراني، والأزمة العراقية، وصداع العرب الجديد النزاع اللبناني السوري، والقضية العجوز الاحتلال الإسرائيلي. بمثل هذه القضايا يستحيل على أي قمة في العالم أن تتفرغ لقضايا الجمارك والرخص التجارية والكهرباء والمياه والبطاقة الوطنية. فهي في نظر معدي الملفات، مسائل هامشية أمام الحدث العراقي أو القنبلة النووية الإيرانية مثلا. وهذا ليس صحيحا فإنجاز الاتحاد الجمركي، أهم من نقاش القضية الفلسطينية، وتوحيد الربط الكهربائي، أهم من الحديث عن الموضوع العراقي، والتعاون في مجال الموارد البشرية أكثر إلحاحا من التعبير عن القلق من الاشكال السوري اللبناني.

لا أضع هذا الترتيب من قبيل الشوفونية الخليجية، لكن احتراما للاختصاص فقط. فنحن في كل قمة ومنتدى نناقش القضايا البعيدة، ونهمل القضايا المباشرة التي اخترع الاجتماع اساسا لها. فشؤون المنطقة العربية تناقش طوال العام ثنائيا وجماعيا، ومن خلال الوزراء المختصين، في وزارات الخارجية والدواوين الرئاسية والمبعوثين الخاصين. لكن القضايا التي لها قمة واحدة، ويعبر عنها عنوان المؤتمر بأنه للتعاون الخليجي، ينبغي ألا تزاحمها قضايا أخرى. وبسبب التهميش لم يكتمل الربط الكهربائي، ولم تقم السوق المشتركة، ولا يزال المواطنون يسافرون بجوازاتهم ويعجزون حتى عن نقل كفالات خدمهم.

ولو أن مسؤولي المجلس أعلنوا حصر كل القمم في الشأن الخليجي الداخلي وحسب، لما بدد الوقت والجهد وتشابهت البيانات طوال ربع قرن.

الأكيد ان منظمي القمم يجدون في القضايا الدولية بريقا يلمع دعائيا، ويشعرون بأن قضايا الناس تبدومتواضعة، وأقل من مستوى القادة، وهذا خطأ فادح. ولو أن قمة الخليج نجحت في شأن داخلي مشترك، لكان أعظم أثرا من التعليق على قضايا المنطقة، التي لا تنقص القادة الفرصة للتعبير عنها في مناسبات أخرى. في ظني علة المنظمين احتقار قضايا الشعوب، ويجدونها أقل قيمة من مستوى أن تطرح في قمة الزعماء في حين أنا لقيادات السياسية في كل انحاء العالم، تكسب أو تخسر بسبب شؤونها الداخلية لا القضايا الخارجية. ففي قمم الاتحاد الأوروبي يهيمن عليها مسائل داخلية من نزاعات تجارة الاعلاف إلى معونات المزارعين وتأشيرات الأجانب ونحوها، وتترك القضايا الدولية للاجتماعات الخاصة بها

و كل هذا بحسب راى عبد الرحمن الراشد.

المصدر : الشرق الأوسط – 20-12-2005