مقالات و محاضرات

 

 

 

الفضاء يضيق بـ«الفيحاء»!

 

 

 

ابراهيم حاج عبدي

 

 

أياً كانت الأسباب التي حدت، أخيراً، بالسلطات الإماراتية إلى إغلاق فضائية «الفيحاء» العراقية، وعدم تجديد العقد معها لبث برامجها من مدينة دبي الإعلامية، فإن الإغلاق، بحد ذاته، يثير أكثر من تساؤل حول واقع الإعلام العربي. قد تكون السلطات الإماراتية محقة في هذا الإجراء بالنظر إلى أن أحد الأسباب التي سيقت لتبرير الخطوة الإماراتية هي أن السلطات الإماراتية تلقت التهديدات من جماعات عراقية مسلحة تطالبها بإغلاق القناة! وقيل، كذلك، أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح تدخل، عبر وزارة الخارجية، لدى دولة الإمارات لإغلاق القناة على خلفية برنامج بثته «الفيحاء» انتقدت فيه الرئيس اليمني عقب تصريح للأخير جاء فيه: «أيهما أفضل ديكتاتورية صدام حسين أو ديموقراطية أميركا»! إذ خصصت القناة يوماً مفتوحاً لمناقشة تصريحاته وتلقت اتصالات من عراقيين هاجموا فيها علي صالح.

هذه القناة لم تكتف بالدفاع عن شريحة محددة من الشعب العراقي، بل جاهرت بالدفاع عن العراقيين من دون تمييز، وانتقدت بشدة نظام الاستبداد، وفضحت عمليات إرهابية التي تحدث في العراق تحت اسم «المقاومة»، إلى غير ذلك من الملفات الساخنة التي حاولت «الفيحاء» تسليط الضوء عليها... وإغلاقها، الآن، يعني غياب منبر إعلامي حاول أن يقدم مشهداً بانورامياً لعراق اليوم، مع ميل للتفاؤل بولادة قريبة لعراق ديموقراطي تعددي فيديرالي،فقد ضاق الفضاء على رحابته بفضائية ذات طابع سياسي، على رغم وجود عشرات القنوات الفضائية العربية الهابطة والسطحية والتي تستحق الإغلاق.

كان يفترض أن تكون التجربة العراقية، على الأقل، على صعيد الإعلام، نموذجاً يحتذى، بالنظر إلى كثرة القنوات العراقية، وتعدد أصواتها على نحو مغاير للإعلام الرسمي العربي، غير أن العالم الذي تحول إلى «قرية صغيرة» كما يقول ماكلوهان لم يشمل، على ما يبدو، العالم العربي، الذي لا يزال يحبو في مجال الإعلام. فمن الغريب حقاً، ووسط هذا التطور التكنولوجي الكبير في مجال الاتصالات، أن نشهد إغلاق محطة حاولت أن تقول كلمتها بإمكانات متواضعة إلى جانب إمبراطوريات إعلامية مبهرة لا يستطيع أحد منافستها. ولعل الأمر المهم الذي غاب عن بال من تسبب في إغلاق هذه الفضائية هو أن هذا الإجراء يعبر عن قوة تأثير هذه القناة، وعن دورها الفاعل... وفي هذا عزاء للقائمين عليها.

لكن الدرس الأساس هو أن هذا الإجراء، يشير إلى أن الذهنية العربية التي اعتادت الخبر الرسمي المنمق، لن تقبل، بسهولة، بالرأي الآخر، فهي اعتادت على أن تكون «الرعية» صامتة، وغائبة، ومن الطبيعي أن تقف ضد أي منبر يحاول أن يفسح لتلك «الرعية» الكلام والحضور!

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً و بدون تعليق.

المصدر:دار الحياة-18-10-2006