مقالات و محاضرات

 

 

 إدمان الكافايين: الآثار الطبية والعواقب الصحية

 

 

 

د. أكمل عبد الحكيم

 

 

هذا الاستهلاك الضخم للكافايين يأتي معظمه في شكل مشروب القهوة، والذي يعتبر أكثر المشروبات انتشاراً في مختلف دول العالم. حيث تشير التقديرات إلى أن الفرد في الولايات المتحدة، يستهلك أكثر من 22 جالوناً من القهوة سنوياً. بينما يبلغ الإنتاج العالمي من القهوة قرابة السبعة ملايين طن سنوياً، وهو ما يجعل القهوة من أكثر السلع قيمة في سوق التجارة الدولية، ولا يفوقها إلا النفط من حيث القيمة التجارية. وإن كان الاستهلاك البشري للكافايين لا يقتصر على الموجود منه في مشروب القهوة فقط، حيث أصبحت هذه المادة تتواجد في الكثير من الأطعمة والمشروبات، سواء في شكل القهوة، أو في شكلها الكيميائي الخالص. ومن الأمثلة على المشروبات الأخرى التي يوجد فيها الكافايين بكميات كبيرة: المشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة، بالإضافة إلى مشروب الشاي طبعاً، والذي يحتوي على مادة منبِّهة أخرى هي "الثيو-فلين"، حيث يحتوي كوب الشاي العادي في الغالب على نصف محتوى كوب القهوة من الكافايين، والذي يتراوح ما بين 40 مليجراماً إلى 100 مليجرام. وفي المشروبات الغازية تصل جرعة الكافايين إلى 50 مليجراماً، أما مشروبات الطاقة فقد تحتوي على 80 مليجراماً في العلبة الواحدة. وفي أحد أنواع مشروبات الطاقة والذي بدأ تسويقه في الولايات المتحدة منذ فترة قصيرة، وصلت جرعة الكافايين فيه إلى أضعاف تلك الموجودة في مشروبات الطاقة الأخرى، المحتوية أساساً على جرعات مرتفعة من الكافايين. وحتى أطعمة الأطفال، مثل بعض أنواع الآيس كريم، والزبادي، والشيكولاتة، تحتوي هي الأخرى على مقادير مختلفة من الكافايين، وإن كانت المشروبات الغازية هي المصدر الأول للكافيين بالنسبة للأطفال.

ولكن ما سبب شغف الجنس البشري الهائل بالكافايين؟ إجابة هذا السؤال تتلخص في تأثيره المنبه على الجهاز العصبي المركزي. فالمعروف أن الكافايين يعين على اليقظة وعلى درء النعاس، ويزيد من درجة الانتباه، ومن سرعة رد الفعل، ويقوي الذاكرة، وربما حتى يساعد على الوقاية من بعض الأمراض مثل الزهايمر وسرطان الكبد. ولكن في الآونة الأخيرة، تواترت الدراسات عن الآثار السلبية للكافايين، مثل زيادة سرعة ضربات القلب ورفع ضغط الدم، وتسببه في هشاشة العظام، والشعور بالتوتر والقلق. ومن ضمن هذه الآثار السلبية أيضاً، تسبب الكافايين في رفع مستوى السكر في الدم بعد الأكل، وهو الأثر المهم في حالة الأشخاص المصابين بالسكري. ويعتقد البعض أن الكافايين يؤثر سلباً على الخصوبة، ويضر بالأم الحامل وجنينها. هذا بالإضافة إلى التزايد الملاحظ في حالات التسمم الناتجة عن فرط تناول الكافايين. فهذه المادة القلوية، والتي تتواجد في ثمار وبذور وأوراق أكثر من ستين صنفاً من النباتات، تؤدي في الطبيعة مهمة مشابهة لمهمة المبيدات الحشرية. فبسبب قدرة الكافايين على تنبيه واستثارة الجهاز العصبي إلى حد كبير، يؤدي هذا التأثير إلى مصرع الحشرات التي تحاول الاقتيات على بذور أو ثمار النبات المحتوية على الكافيين. هذا التأثير السمي القاتل لا يحدث غالباً مع الإنسان، بسبب فارق الحجم الضخم بينه وبين الحشرات. فكي يصل مستوى الكافايين في الدم إلى درجة تسبب الوفاة في الإنسان، فلابد وأن يستهلك الفرد أكثر من مئة وخمسين كوباً من القهوة خلال فترة زمنية قصيرة. وإن كان من الممكن -والشائع في الواقع- التعرض لدرجة أخف من التسمم، عند شرب بضعة أكواب من القهوة خلال فترة زمنية قصيرة. أما أعراض هذا التسمم فتظهر في شكل التوتر، والعصبية، والتهيُّج، والأرق، واحتقان الوجه، واستدرار البول، واضطراب الجهاز الهضمي، واختلاج العضلات، وتدفق الأفكار والكلام، وتسارع واضطراب ضربات القلب. وفي بعض الأحيان يؤدي التسمم بالكافايين أيضاً إلى الوفاة، كما في حالات تناول كميات كبيرة في شكل حبوب أو أقراص، خطأ أو بغرض الانتحار. ويذكر هنا أيضاً أن بعض أنواع القهوة المصنفة على أنها "منزوعة الكافايين"، ليست خالية تماماً من الكافايين، وإنما تحتوي على كميات منخفضة منه ليس إلا. ولذا يجب الحرص عند تناول عدة أكواب من هذه الأنواع، حيث إنها قد تعادل كوباً أو أكثر من القهوة العادية. أما في حالة الأطفال، فيجب مراعاة مقدار ما يتناولونه من الكافايين يومياً، وخصوصاً ضمن المشروبات الغازية، مع محاولة تقليل الكمية قدر الإمكان.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-23-10-2006