أميركا وإيران:

                               المواجهة على طريق التصعيد

 

هدى الحسيني

 

هل هي لعبة القط والفأر، ومن هو القط ومن هو الفأر في هذه الحالة؟ الولايات المتحدة وافقت على «التفاوض» مع ايران عبر عرض قدمه الاوروبيون وفيه تطلب اميركا من ايران وقف تخصيب اليورانيوم. الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قال في 22 من الشهر الماضي، إن الرد: «ان شاء الله سيأتي في نهاية شهر مرداد ـ التاريخ الايراني لـ22 آب (اغسطس)». فوجئ الرئيس الاميركي جورج بوش بطول الفترة الزمنية التي تحتاجها ايران، ثم بدأت التصريحات الايرانية التي اثارت أعصاب الأميركيين: مسؤول يرحب بالعرض الاميركي، وآخر يندد به، ليعود وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي ويراه عرضاً لا بأس به، ومن ثم ليناقضه مرشد الثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي.

قيل أن إيران لا تريد أن تعطي الرئيس بوش ورقة الرد ليلوح بها في مؤتمر القمة الصناعية الذي سيعقد في بطرسبرغ في 15 من هذا الشهر، أميركا رفضت هذا التفسير، وأعلنت المجموعة الأوروبية ان مسؤولها للشؤون الخارجية خافيير سولانا سيلتقي كبير مفاوضي الملف النووي الإيراني علي لاريجاني في الخامس (يوم أمس) من هذا الشهر ليتسلم الرد. ايران قالت لا رد ولا وقف للتخصيب، ثم تسرب يوم الاثنين الماضي أن مجموعة الدول الثماني والصين، اتفقت على ان تعطي ايران حتى الثاني عشر من الشهر الجاري، لتقدم ردها على العرض وتضع برنامجها النووي كله تحت المراقبة الدولية، وأشارت التسريبات الى ان روسيا والصين على وشك الاقتناع بدعم قرار دولي يفرض المقاطعة على ايران، في حال رفضها العرض.

الكل، من المعنيين وغيرهم، صار يعرف أن لا نية لدى ايران في التخلي عن برنامجها النووي، وان لا نية في المقابل لدى الولايات المتحدة في التخلي عن جهودها لزعزعة النظام في ايران. وكما تنطلق من طهران اشارات متناقضة، كذلك الأمر بالنسبة الى واشنطن. قبل اسابيع قال قائد قوات التحالف في العراق الجنرال جورج كايسي، ان الايرانيين يدفعون عملاءهم لشن عمليات ارهابية في العراق ضدنا وضد الشعب العراقي. وهذا ما اشار اليه يوم الاثنين الماضي تقرير لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني. وعاد الجنرال كايسي ليقول بعد ذلك، ان سحب اميركا لبعض قواتها من العراق، يعتمد على منع قيام عصيان شيعي في الجنوب.

الأمور ليست سهلة بالنسبة الى الاميركيين والايرانيين معاً. والآن الاثنان كما يقال «يبلفان» من bluff على بعضهما الواحد تجاه الآخر، والاثنان في أزمة. عندما قام أخيرا الرئيس بوش بزيارة مفاجئة الى بغداد، فهم المراقبون ان الجمهوريين سيخوضون الانتخابات على اساس الوضع في العراق. لا يمكنهم الهروب من العراق. والنفوذ الايراني على الشيعة في العراق يسمح لإيران بأن تقرر مستوى العنف وعدد الضحايا الاميركيين، ومن دون التعاون الايراني لا أمل للرئيس بوش في اقناع الناخبين بأنه حقق انجازا، وأن الاستقرار بدأ يسود في العراق. الإيرانيون لا يوفرون الدعم فقط للشيعة بل لمجموعات من المقاتلين السنة ايضاً، ليس حباً بأحد، بل لينالوا لاحقا تنازلا مقابل سحب هذا الدعم. وتعتقد ايران ان الوقت الى جانبها، فهي تملك خيار خلط الاوراق في العراق، اذا ما ارادت ذلك، وقدرتها على هذا ستزداد، لأن الفوضى ستزداد هي الاخرى هناك، ثم ان الأميركيين بصعوبة سيلجأون الى الخيار العسكري، لمنعها من امتلاك السلاح النووي، وبمجرد ان تمتلكه سيميل ميزان القوى حتماً الى صالحها.

في هذه الاثناء تقوم ايران بمراجعة مواقف حلفائها في المنطقة. الرئيس السوري بشار الأسد في حديثه الى الزميلة «الحياة» في 26 الشهر الماضي، قال إن المصالح السورية تكمن في التفاهم ما بين واشنطن وطهران، وأنه لا يفهم التخوف العربي من تنامي الدور الايراني في المنطقة. وبدا الرئيس السوري معتزاً بنفسه على انه راهن على الحصان الفائز. وفي الثاني من هذا الشهر قال الناطق الرسمي لـ«حزب الله» حسين نابلسي لصحيفة «كرونيكل»: «إن المرشد الأعلى للثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي هو زعيمنا الديني، وحزب الله هو حزب ديني ينتمي الى زعيمه، وكلمة «مصالح» لا ترقى الى وصف الروابط ما بين حزب الله وايران». ويوم الاحد الماضي، اثناء لقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حفيد آية الله الخميني في مبنى السفارة الايرانية في دمشق ـ رغم أن في لبنان سفارة لإيران ـ وبعدما اثنى حسن الخميني على دور حزب الله في «إعادة احياء المقاومة الاسلامية في قلوب كل المسلمين»، قال نصر الله :«ان حزب الله حركة انبثقت من قلب الجمهورية الاسلامية في ايران، وانها اخذت هويتها من الامام الخميني».

هذه التطمينات والواجبات لا تلغي ان ايران في ازمة، فهي اذا ما وافقت على الاقتراح الاميركي بتعليق تخصيب اليورانيوم اثناء تفاوضها مع اميركا، فإن الوقت سيكون الى جانب الاميركيين، وهي اولا تكون قد جلست مع «الشيطان الاكبر»، وثانيا، حتى اذا ما بدأ الوضع في العراق يتوضح ، فإن الحاجة الاميركية لها ستتآكل، وتكون طهران ضيعت وقتا مهما على حساب قدرتها النووية. لهذا تأتي التصريحات المتناقضة وموقف أحمدي نجاد في عدم قبول العرض وعدم رفضه في آن، هو للعب على الوقت.

واشنطن لن تقبل هذه المواربة، وربما ستلجأ الى تحريض الأقليات، وقد بدأت تتحرك، أو دعم المنشقين، هذا التصرف قد يعزز موقف ايران بأنه ليس هناك ما تكسبه اذا ما وافقت على العرض الاميركي. لهذه الأسباب يقول مصدر أميركي، ان المراوغات القائمة بين القط والفأر، لا يمكن ان تستمر حتى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، موعد الانتخابات الاميركية، ويضيف أن شهر تموز (يوليو) الجاري، سيكون هادئا لكن شهر آب (أغسطس) المقبل سيكون شهراً حاسماً.

لكن مصدرا أميركيا آخر يرى الأمر من ناحية مختلفة، ويلفتني الى الاعلان عن رغبة في زيارة العراق، وما كان رد الفعل الأميركي عندها، اذ قال الناطق باسم الخارجية الاميركية شون ماكورماك: «اننا نشجع العراقيين على اقامة علاقات جيدة، وشفافة وحسن جوار». ويعتقد المصدر ان زيارة احمدي نجاد الى بغداد، ستكون بداية حل التعقيدات في العلاقات الاميركية ـ الايرانية.

وماذا بالنسبة الى النووي، يقول المصدر، ان اميركا لن تكف عن محاولاتها إطاحة هذا النظام، وهي مقتنعة بأن إيران ستحصل على التكنولوجيا لصنع السلاح النووي، إنما بعد خمس، أو عشر سنوات، عندها ستكون العلاقة مختلفة مع حكومة ايرانية مختلفة، ثم ان ادارة بوش باقية لسنتين ونصف فقط، وتعرف أن إيران لن تصبح نووية في عهدها.

من جهة أخرى يقول دبلوماسي عربي، إن دولا كثيرة قلقة من التعنت الايراني، والى ما يمكن ان يؤدي إليه، وبعد السعودية اهتمت تركيا بالموضوع وتوجه وزير الخارجية عبد الله غول عارضا الوساطة بين اميركا وايران، ومطالبا القيادة الايرانية بإبداء المرونة، وفتح باب المفاوضات لتخفيف حدة الازمة، ويضيف الدبلوماسي العربي ان التحرك التركي مبني على ثلاث زوايا اولها: ان تركيا دولة مسلمة وعضو في منظمة المؤتمر الاسلامي ولها مصالح اقتصادية، وسياسية وامنية، وثانيها انها عضو في حلف الاطلسي، الامر الذي يلزمها المشاركة في اي عمل عسكري قد تُقدم عليه الدول الغربية ضد ايران، مما يحرجها على الصعيدين العالمي والاسلامي، وهي تريد تجنب ذلك، وثالثها انها تريد القيام بدور في حل الأزمة النووية الايرانية لدعم موقفها سياسياً في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والاظهار انها تتماشى مع توجه ذلك الاتحاد. ويقول الدبلوماسي العربي ان اوروبا واميركا كلفتا كذلك دولا افريقية، من بينها السنغال، القيام بدور في طهران لتجنب المواجهة، ولإبعاد المنطقة عن أزمة جديدة. ويعتقد محدثي، بأن الوضع مقبل على مزيد من المصاعب، وسوف تزداد درجة التوتر في المنطقة، خصوصا مع احالة الملف النووي الايراني الى مجلس الامن، و«حتى اذا تجنبنا عملية عسكرية».

و كل ذلك بحسب رأي الكاتبة في المصدر المذكور.

المصدر: الشرق الأوسط اللندنية-7-6-2006