مقالات و محاضرات

 

 

نموذج البوسنة من أجل العراق

 

جاكسون دايهل

 

منذ 10 سنوات اجتمع قادة الفصائل الدينية والعرقية الثلاث المتناحرة في ارض مزقتها الحرب واتفقوا جميعا ولكن على مضض, وذلك بعد ضغط عسكري وسياسي كبير من الولايات المتحدة الأميركية, من اجل وقف اطلاق النار والعيش تحت سقف واحد وتحت ادارة اول حكومة ديمقراطية في بلادهم.

ان اتفاق دايتون الذي افرز اتحادا هشا وانتهى بحرب اهلية بوسنية كان ناجحا بدرجة كافية لكسب يومين من الاحتفالات عالية المستوى في واشنطن, بما في ذلك حفل غداء في اليوم التالي في وزارة الخارجية استضافته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. من الصعب تجنب المقارنة بين دولة ظلت في مستنقع خلال فترة التسعينيات وتلك التي تغوص الولايات المتحدة ذاتها في مستنقعها اليوم (العراق).

كانت البداية مع وصول القوات الأميركية والعديد من قوات حلف شمال الأطلسي الى البوسنة قبيل اعياد الميلاد في عام 1995. كان يوجد 60.000 منهم في البداية في دولة تعداد سكانها 5 ملايين نسمة اي اكثر من ضعف الأفراد المنتشرين حاليا في العراق. وبعد 10 سنوات لازالوا هناك, بينما غادرت القوات الأميركية منذ عام تقريبا. واتفقت كل الأطراف على حتمية البقاء لعدة سنوات نظرا لأن قوات الأمن والجيش البوسني ليست جاهزة حتى الآن لتحمل المسؤولية في البوسنة. انفقت المليارات في عملية اعادة الاعمار تحت اشراف حاكم اداري غربي لديه السلطة التي تعلو على الحكومة البوسنية ذاتها.

ورغم تلك السنوات من الاحتلال البغيض, فإن القوات الغربية لم تقم ابدا بالقاء القبض على المقاومة البوسنية المنتشرة هناك. ولازال كل من رادوفان كارادزيتش وراتكو ملاديتش اللذين شهدا قتل الاف المدنيين طليقين. وبدأ زعماء الصرب في البوسنة استعدادهم لرفض وانكار القومية المؤذية التي سببت الحرب. ورئيس صرب البوسنة الحالي دراغان كافيتش قد توعد بمطالبة كارادزيتش بالاستسلام خلال احداث هذا الأسبوع في واشنطن.

ومثل السنة العراقيين, فإن صرب البوسنة قد اجبروا على التخلي عن نظام الابادة الجماعية وهيمنة الحملة العقابية للجيش الأميركي. وعلى عكس العراقيين, تعرض البوسنيون لهجوم دبلوماسي بنفس القوة. وتم احتجاز زعمائهم, بالاضافة الى جيرانهم من الصرب والكروات في قاعدة عسكرية في دايتون بـ(اوهايو) وتم ارهابهم لمدة 21 يوما بواسطة فريق المطاردة بقيادة واحد من اقسى واعتى الدبلوماسيين الأميركيين, ريتشارد هولبروك.

افضل ما كان يمكن التوصل اليه هو خطة كثيرة العيوب من اجل الفيدرالية والتي سمحت بانشاء دويلات صربية وكرواتية مسلمة متحدة من خلال اضعف الحكومات الوطنية. وكانت الرئاسة يتعاقب عليها ثلاثة رؤساء, و14 وزارة تعليم و15 وكالة للشرطة. في البداية, كانت دويلة الصرب اكبر من مجرد دويلة لجارتها, ثم بعد ذلك اصبحت خصما للغرب.

احداث هذا الأسبوع هي جهود لاصلاح الدستور البوسني, بعد عقد من الزمان بدون دستور. اما الصرب الذين قاوموا كثيرا فقد تم التعامل معهم بمزيد من الجهد بواسطة كل من ادارة بوش والاتحاد الأوروبي, ونائب وزير الخارجية نيكولاس بيرنز وهو ثالث اعلى مسؤول في الوزارة, الذي خصص جزءا كبيرا من وقته من اجل هذا الغرض منذ بداية العام. ويأمل بيرنز ان يعلن الصرب والبوسنيون الذين وصلوا الى واشنطن قبولهم من حيث المبدأ للاصلاحات الدستورية بما في ذلك الغاء فكرة التعاقب الثلاثية على الرئاسة. وقبل شهر ابريل, من المؤمل ان يجري البرلمان البوسني تعديلات يمكنها في النهاية ان تفتح الطريق امام حكومة وطنية مؤثرة والاستثمار الأجنبي والاندماج النهائي في الاتحاد الأوروبي.

ولهذا, وباختصار: كان في البوسنة قوات غربية اكثر من تلك الموجودة حاليا بالعراق والمزيد من الأموال لاعادة الاعمار. وكانت تتعرض لضغوط دبلوماسية من التحالف الأطلسي الموحد اكثر حدة وعلى اعلى مستوى, يؤيده كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في واشنطن. وقد سمح لها بعشر سنوات للبقاء هناك من قبل تلك الحكومات, التي قاومت مرارا وتكرارا الاغراءات بسحب قواتها من البوسنة. تماما كما يحاول القليل من زعماء الجيل الجديد البوسنيين بحث الحلول السياسية الضرورية لاستقرار بلادهم بدون تدخل اي قوات اجنبية او مفوضين خارجيين.

سيصل الجميع الى واشنطن, حيث انه بعد شهر من التوقيع على دستور اخرق كما في العراق, يطالب الديمقراطيون بجدول زمني لسحب القوات الأميركية وحيث يلمح رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ, جون وارنر, الى ان العراقيين امامهم 180 يوما لاستجماع بلادهم ولم شملها. وسوف يتناولون الغداء في وزارة الخارجية التي فوضت سفيرها في العراق في مسألة التوصل الى حل وسط للعراقيين, بدون مساعدة من الرئيس او حلفاء الولايات المتحدة وبدون سلطة لعزل اي فرد في قاعدة عسكرية كما حدث من قبل. وسوف تتاح الفرصة للبوسنيين لسماع حديث كل من الديمقراطيين والجمهوريين ليس عن كيفية النجاح في اخر محاولة للتدخل الأميركي ولكن حول كيفية كذب الطرف الآخر بشأنها.

ربما يتوصلون الى معرفة ان بلدهم الصغير في اقليم البلقان اهم بكثير للولايات المتحدة وامنها من العراق. وهذا على اي حال هو ما سيتضح في الأيام القادمة.

جاكسون دايهل : نائب رئيس تحرير واشنطن بوست - خدمة واشنطن بوست ـ خاص بـ(الوطن)

المصدر : ICAWS - 25-10- 1426