كيف تواجه أميركا تحديات الصومال؟

 

جون كي. كولي

 

على خريطة شرق أفريقيا، تمتد الصومال بمحاذاة ساحل البحر الأحمر متخذة شكل حصان البحر. إنها أرض حارة وقاحلة. أهلها مولعون، فيهم الشعراء وفيهم القراصنة. كانت محببة لدى كتاب المغامرة الأوروبيين، وهي اليوم مصدر يأس وإحباط بالنسبة للساسة والدبلوماسيين الأميركيين الراغبين في زرع ديمقراطية غربية هناك.

فالأسبوع الماضي، أصبح الصحفي والمخرج السويدي المعروف مارتن أدلر الصحافي الحادي والعشرين –حسب إحصائياتي- الذي يُقتل هناك خلال العقد الماضي. بعيد ذلك بقليل، عين "اتحاد المحاكم الإسلامية" القوي، الذي يبسط سيطرته على العاصمة مقديشو ومعظم جنوب الصومال، الشيخ حسن عويس الذي يوجد اسمه ضمن قائمة واشنطن للمشتبه في صلتهم بالإرهاب، رئيساً لبرلمانه.

لقد عاش الصوماليون في الفوضى منذ الحكم الديكتاتوري لسياد بري أثناء الفترة ما بين 1969 و1991. وظاهرياً، تمكن بري من توحيد مجتمع معقد التركيب يضم عشائر وأمراء حرب على شاكلة أفغانستان. لكن منذ ذلك الوقت، والصومال يعاني من الحرب والمجاعة وانهيار المجتمع المدني. وعلى غرار ما يحدث في الكثير من البلدان الأفريقية، لا يذهب معظم أطفال الصومال إلى المدارس ليصبحوا بدلاً من ذلك جنوداً أطفالاً أو أفراد عصابات. وفي ظل هذه الظروف، تتساءل المنظمات الإنسانية غير الحكومية اليوم عما إن كان بمقدورها العودة إلى هناك من أجل تخفيف معاناة الشعب الصومالي.

عقد الرئيس جورج بوش منتدى استدعى إليه متخصصين في هذا البلد الأفريقي الذي تُرك للإهمال. ولابد أن كبار مسؤوليه العسكريين يفكرون في كيفية تلافي أخطاء من قبيل تلك التي دفعت الرئيس بيل كلينتون إلى إنهاء التدخل العسكري الإنساني في البلاد عام 1995، والذي يعد مألوفاً لدى من شاهد فيلم "إسقاط طائرة بلاك هوك".

وخلال الشهر المنصرم، على سبيل المثال، حارب أمراء الحرب المدعومون من قبل الولايات المتحدة المجموعات الإسلامية من أجل السيطرة على مقديشو. ولكن منذ ذلك الحين، وبينما يتأمل المنتقدون في هذا النموذج الجديد من الدعم الأميركي لـ"الحصان الخطأ"، تلبد المشهد بآفاق تدخل من قبل إثيوبيا المجاورة.

لقد أرسل الشيخ شريف أحمد، رئيسُ "المحاكم"، مبعوثيه إلى الخرطوم للالتقاء مع الحكومة الانتقالية الضعيفة التي تحظى باعتراف المجتمع الدولي وتتخذ من مدينة "بيداوا" مقراً لها. اللقاء انتهى باتفاق الجانبين على ألا يحارب أحدهما الآخر، الآن على الأقل، والتفاوض مستقبلاً. غير أن "المحاكم" تتهم إثيوبيا بتسريب قواتها وعملائها إلى داخل الحدود الصومالية بالقرب من "بيداوا".

والواقع أن إثيوبيا تدعم حكومة الصومال الانتقالية، التي تم الإعلان عنها في كينيا في 2004 بعد توصل مجلس للأعيان الصوماليين إلى اتفاق. وينحدر رئيسها عبدالله يوسف، أستاذ مادة الجغرافيا السابق، من "بونت لاند" الواقعة شمال شرق البلاد، والتي انفصلت عن الحكم المركزي بعد سقوط نظام بري. وقد وازى ذلك انفصالٌ مماثل لمنطقة تقع شمال غرب البلاد تطلق على نفسها اسم "جمهورية أرض الصومال"، وتعتبر "هارجيسا" التي تقع بالقرب من الحدود الإثيوبية، من بين مدنها الرئيسية. ويكمن القول إن الصوماليين يتذكرون الحرب المكلفة مع إثيوبيا عام 1977 بسبب منطقة "أوغادين" المتنازع عليها، والتي غزت إثيوبيا مناطق واسعة منها. والواقع أن إمبراطوريات إيطاليا وبريطانيا وفرنسا الاستعمارية والمتنافسة خلال الـ200 سنة الماضية لعبت جميعها دوراً في خلق مشاكل اليوم.

واليوم فإن العديد من الصوماليين لا زالوا يبجلون الشاعر والزعيم الديني والسياسي سيد محمد عبدالله حسن الذي عاش قبل نحو قرن. فإتقانه للشعر الصومالي التقليدي الموزون كان مصدر شحذ للهمم بالنسبة للصوماليين من أجل الجهاد ضد مستعمرة "صومالي لاند" البريطانية في الشمال، والتي دامت من 1898 إلى 1920. وقد ساهمت هذه الظروف مجتمعة في انهيار اقتصاد الصومال الذي كان يعتمد بشكل كبير على الرعي. وساءت أحواله أكثر بسبب الاقتتال أثناء الحرب العالمية الثانية بين قوات بينيتو موسوليني الفاشية والبريطانيين المنتصرين.

وفي ظل تلك الظروف، استعمرت فرنسا جيبوتي، التي كان يطلق عليها "صومالي لاند الفرنسية". واليوم تتمتع جيبوتي بالاستقلال. وقد استضافت، منذ هجمات تنظيم "القاعدة" على السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا سنة 1998، قاعدة جوية- بحرية واستخباراتية تضم 2000 من مشاة البحرية الأميركية، إلى جانب بعض القوات الفرنسية، حيث تقوم القوات الأميركية بتدريب القوات الجيبوتية والمدنيين على المهارات التقنية، وتحارب أعمال القرصنة في البحر الأحمر. كما تتعقب إرهابيي "القاعدة"، وتدرب القوات البحرية الكينية شمال كينيا.

يقول "جون برينديرغاست" من منظمة "مراقبة الأزمات الدولية" المستقلة إن تمويل الولايات المتحدة لمبيعات الأسلحة الموجهة لأمراء الحرب منذ 2002 يظهر أن واشنطن ركزت كثيراً على "تدخل عسكري سري بدلاً من إصلاح البنى التحتية الاقتصادية والسياسية في الصومال"، مشبهاً التدخل الأميركي في الصومال خلال عقد التسعينيات بـ"صب الزيت على النار".

إن التغلب على التحدي الصومالي يقتضي التركيز على مراقبة بيع الأسلحة الذي لم يتوقف، كما يقتضي بحث إمكانية استقدام قوات تابعة للاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة من أجل تأمين وصول المساعدات إلى الصوماليين الجوعى، وتوفير الدعم السياسي للنظام الانتقالي بهدف تحويله إلى نظام فيدرالي موحد وقوي. وهذا من شأنه أن يقلص السياسة القائمة على العشائرية، ويشجع العمل البناء من قبل الدول الأفريقية والعربية المجاورة للمساهمة في جلب تغيير سلمي إلى البلاد.

مراسل سابق لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور، غطى أحداث شمال أفريقيا والشرق الأوسط منذ أواخر الخمسينيات

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور-29-6-2006