مقالات و محاضرات

 

 

"مساومات البازار"... دليل الدبلوماسية الأميركية مع إيران

 

وارين كريستوفر

 

إعلان الولايات المتحدة الأميركية بأنها على استعداد للدخول في مفاوضات مباشرة وجها لوجه مع إيران، أعاد إلى ذهني ذكريات تجاربي الخاصة قبل خمسة وعشرين عاماً كرئيس لوفد المفاوضات الأميركي في أزمة الرهائن الإيرانية. كان موضوع تلك المفاوضات هو 52 دبلوماسياً أميركياً، تم احتجازهم كرهائن في طهران يوم الرابع من نوفمبر 1979. وكانت نهايتها هي الإفراج عن هؤلاء الأسرى بعد 444 يوماً. ومنذ ذلك اليوم لا توجد لدينا علاقات دبلوماسية ولا حوار مباشر تقريباً مع إيران.

هناك دروس خرجنا بها من مفاوضات 1979، يمكن أن ترشد جهودنا عام 2006.

أولاً: يجب أن نتأكد من أننا نتحدث مع الأشخاص الصحيحين. فمن بين النهايات المحبطة التي انتهينا إليها في مفاوضات الرهائن معرفتنا أنه على الرغم من الجهود المطولة للتوصل إلى تسوية مع الرئيس أبو الحسن بني صدر، فإن الحقيقة هي أن الرجل لم يكن يملك السلطة لتحريك الضحايا من موقع لآخر، ناهيك عن أن يؤمِّن الإفراج عنهم. وإذا ما قام مفاوضونا الحاليون بدراسة ديناميات السلطة في طهران، ومن الذي يقبض على زمام الأمور فيها، فقد يتمكنون من تفادى إحباطات كتلك التي واجهناها سابقاً.

في الوقت الراهن يبدو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وكأنه يسيطر على خشبة المسرح السياسي الإيراني، ولكن قد يتبين لنا فيما بعد أنه ليس قوياً كما يبدو، وأن السلطة قد تتحول عنه مع مرور الوقت. في رأيي أن آية الله علي خامنئي هو الذي يقبض على مقاليد السلطة المطلقة في طهران الآن، وأننا لا ندري شيئاً عن طبيعة الدور الذي يلعبه علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس إيران السابق لفترتين رئاسيتين، والذي يشغل حالياً رئيس "مجلس تشخيص مصلحة النظام". باختصار يجب علينا البحث عن الخروق الخفية في عباءة النظام مهما كانت صغيرة.

ثانياً: أن مفاوضينا يجب أن يعدوا أنفسهم لما يعرف باسم "سلوكيات البازار". فعلى الرغم من كافة المفاوضات الصعبة التي أجريتها مع مفاوضين عنيدين، فإنني كنت دائماً أعرف ماذا يقصدون في الحقيقة؟ وأننا إذا ما توصلنا إلى اتفاقية، فإن بنودها كانت تُنفذ. الأمر يختلف مع الإيرانيين، فأسلوب المفاوضات معهم يشبه ذلك الأسلوب من المساومات الذي نشاهده عادة في "البازار" الشرقي حيث الطلبات المبالغ فيها، والتظاهر بعدم الرغبة في الاستمرار، ثم المساومة والمماحكة حول التفاصيل الصغيرة حتى آخر لحظة.

فحتى بعد أن توصلنا إلى اتفاقية معهم في 19 يناير 1981، تنصل الإيرانيون من ملحق فني مهم. ولكي أعيدهم إلى الصراط مرة أخرى، اتصلت بقائد طائرتي وأنا أعلم أن خط الهاتف مراقب، وأمرته بأن تكون طائرته مستعدة للرحيل. وكان لذلك تأثيره إذ سرعان ما تخلى الإيرانيون عن دعواهم، وبعد ذلك بيوم أفرجوا عن الرهائن. وإذا وافق الإيرانيون على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فإن مفاوضينا يجب أن يكونوا صبورين، ربما بصورة تفوق طاقة البشر على ذلك. ربما تعمد الإيرانيون عام 1979 إطالة أمد أزمة الرهائن لأنهم أرادوا أن يظلوا متواجدين على خشبة المسرح العالمي، وإذلال "الشيطان الأعظم"، ورئيسه لأطول فترة ممكنة. وحدث في ذلك الوقت تأخير طويل ومحير عندما رفض الإيرانيون توقيع أية اتفاقية مباشرة مع الولايات المتحدة. وفي النهاية، اقترحنا أن تتخذ الاتفاقية صورة تقديم وعود متبادلة للجزائر وتمت الموافقة على ذلك لأسباب لا تزال غامضة.

ثالثاً : إذا لم تؤد حزمة الحوافز الجديدة المقدمة من قبل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا، والولايات المتحدة، إلى إقناع الإيرانيين بتعليق برنامج التخصيب الخاص بهم، وهو الشرط الذي اشترطته واشنطن للانضمام للمفاوضات، فإنني أعتقد أن العقوبات يمكن أن تلعب دوراً قيماً في مثل هذه الحالة. وأزمة الرهائن تبين أننا يجب أن نعمل على تجميع أوسع طيف ممكن من المشاركين، بما في ذلك روسيا، في أي نظام للعقوبات. وعلى الرغم من أن القدرة على تنفيذ العقوبات التي نجحنا في إقناع الأمم المتحدة بها، كانت قد بدأت تضعف بالقرب من نهاية فترة محنة الأسرى التي تواصلت لمدة 444 يوماً، فإنه كان من الواضح أن تلك العقوبات كان لها تأثير على السكان الإيرانيين. وعندما بدأت القيادة الإيرانية في تقييم الفوائد الممكنة من الاحتفاظ بالأسرى في مقابل تكاليف القيام بذلك والتي تتمثل في العقوبات، اتضح لها أن التكاليف ليست في مصلحتها أبداً.

الحل العسكري، وتماماً مثلما كان الأمر في أزمة الرهائن، حل غير عاقل. وعلى الرغم من أن احتمال استخدام قواتنا يجب أن يظل على الطاولة، فإننا يجب أن نظل متمسكين بالمسار الدبلوماسي والمسار العقابي الاقتصادي في الوقت نفسه. ويجب على مفاوضينا أن يكونوا ذوي عزم وتصميم في التعامل، ليس فقط مع نظرائهم الإيرانيين ولكن أيضاً مع رجال الصحافة والإدارة والجمهور في أميركا الذين من المؤكد أنهم سيضغطون عليهم كي يعلنوا قبل فوات الأوان أن المحادثات قد انتهت.

ففي عام 1980، وقبل الكريسماس بفترة قصيرة، تلقينا رسالة من الإيرانيين قاموا فيها بمضاعفة المبلغ الذي طلبوه منا للإفراج عن الرهائن ثلاث مرات ليصل إلى 24 مليار دولار. في ذلك الوقت كان هناك إغراء يدفعني إلى طرح الأمر عن كاهلي، وتركه لإدارة ريجان القادمة. ولكنني قلت لنفسي إننا قد قطعنا مسافة طويلة في المفاوضات مع الإيرانيين، وإنه من غير الملائم أن نتخلى عن كل ذلك. في نهاية المطاف تخلى الإيرانيون عن مطالبهم الباهظة، وتواصلت المفاوضات على أسس شبيهه بالأسس التي كانت تسير عليها سابقاً.

وارين وزير الخارجية الأميركية من (1993-1997) والرئيس المشارك لـ"مجلس الباسيفيكي للسياسة الدولية"

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز" -14-6-2006