الولادة القيصرية للحكومة العراقية

 

جابر حبيب جابر

 

ان حكومات الوحدة الوطنية تتشكل عادة عندما تواجه المجتمعات ظروفا استثنائية تتطلب توحيد الجهود للحصول على قاعدة تأييد ورضى أكبر، لذا فإن مقتضيات ومبررات تشكيلها تستلزم بداهة السرعة في ذلك، من هنا فإن الوضع العراقي اقتضى تشكيل مثل هذه الحكومة لما يشهده من تردّ أمني لا مثيل له مع انفتاح على كل الاحتمالات، وجلها كارثية، يرافق ذلك انهيار خدماتي مريع، في حين ان تشكيل هذه الحكومة استنزف ستة شهور مضت على إجراء الانتخابات العامة، وهذا ما يدلل على ازمة بنيوية واخرى في سلم الاولويات لدى القوى السياسية الفاعلة وشخوصها القيادية.

من زاوية أخرى، فإن هذه الحكومة هي الأكثر شرعية، كونها مؤسسة ابتداء على مجلس يمتلك الحد الاكبر من الرضى المتأتي من انتخابات اشترك بها 70% من الناخبين، ولم يغب عنها مكون من المكونات المجتمعية العراقية، ولا أي قوة سياسية يعتد بها، وهذا بدوره أفضى الى تعدد القوى الصاعدة الى البرلمان والساعية لتمثيل نفسها في الحكومة، وهذا ما عقد المفاوضات وأطالها، اذ ان الاطراف تأتي وهي تحمل ارث المخاوف بين المكونات العراقية من سياسة الاقصاء والهيمنة، استكملتها الثلاث سنين الاخيرة بما أطلقت من عوامل الصراع والبغضاء والتي كان العنف أداتها، وربما غايتها. من جهة أخرى، فإن هذه الاطراف تأمل ان تحقق مطالب شارعها وضمان حقوقه وتطمين انشغالاته.

وعندما يلزمك الدستور بتحقيق اغلبية كبيرة (الثلثين) خلال الاربع سنوات الانتقالية لتشكيل الرئاسات للدولة والحكومة، وليس بالاغلبية كما هو الدارج في الديمقراطيات، فإن هذا يضع قيدا اضافيا، تستلزمه ايضاً ظروف العراق التي أوجبت إشراك الجميع، هذا قاد الى ان خمس كتل مختلفة وبأوزان متباينة تريد أن تدخل الحكومة، فضلا عن اقتضاء إعطاء وزارات من حصة الائتلاف للكرد الفيلية والتركمان الذين لهم بحدود عشرة نواب في قائمة الائتلاف ووزارة للمسيحيين تعطى من حصة التحالف الكردستاني، وهذا قاد الى التصارع على الوزارات كماً ونوعاً.

وباعتماد معياري الشراكة الوطنية والاستحقاق الانتخابي، والتي يعني الاول منهما إشراك مكونات الشعب العراقي جميعا وبفسيفسائه المتعددة مع منح الرئيسية منها ضمانات النقض، وهذا التوجه يمكن فهمه لضمان أن تحظى الحكومة بقاعدة رضى واسعة وان تجد المكونات العراقية نفسها فيها لإشاعة الثقة وتقليل المخاوف من هيمنة طرف او تعسفه، والمعيار الثاني الانتخابي، والذي يقتضي توزيع الحقائب وفقاً للاوزان الانتخابية، ومن هنا تنشأ صعوبة الاتيان بحكومة تأخذ بالمعيارين، والتي مهما اجتهدت لتحقيق التوازن فإنها لن تلبي طموحات كل الاطراف وعند ذاك فإنها لن تسلم من التهم والتي أقربها جاهزية ان الحكومة قامت على مبدأ المحاصصة الطائفية وانها كرستها على حساب المواطنة والكفاءة، لذا فإن هكذا حكومة بالقدر الذي تحقق فيه الرضا فإنها تستجلب النقد، واللافت هنا ان الاطراف السياسية تنسى بأنها جاءت الى البرلمان على اساس طائفي وعرقي، وإلا فلتقدم أي منها، باستثناء القائمة العراقية، عضو برلمان واحدا فاز من غير لون الطائفة.

الدور الأمريكي هو مشكل آخر، ففي بلد يتسم بأنه يفتقر الى إرث أو تقاليد للحوار بين قواه السياسية، بل الغالب هو النوايا المضمرة والخوف والشك والاقصاء، فإن ذلك يوسع من مساحة العامل الخارجي ويجعله فاعلاً بل واحياناً يكون كما وصفه المتنبي «أنت الخصم والحكم». واللافت ان هذا الدور مطلوب في الكواليس، مذموم في العلن، في حين ان الامريكان يرون ان مستقبل مشروعهم في العراق خصوصاً، والمنطقة عموما، يتوقف على حكومة عراقية قادرة وتحظى بثقة الجميع، لهذا فإن تدخلهم بالرأي فيمن يتولى الملف الامني وان يكونوا من الشخصيات التي تحظى بالقبول كمقدمة لنجاح المعالجة في الملف الاكثر شائكية، اذ ان ذلك سينعكس، كما يرون، على مصير المائة والخمسين ألف جندي الذين لهم في العراق حيث لا يمكن ابقاؤهم بهذا الحجم في ظل تزايد النقمة والنقد من داخل دولهم ضد هذا التواجد الذي اصبح لا يطاق بشرياً ومالياً وأطاح برؤوس عدد من القادة السياسيين الذين تحمسوا للتدخل في العراق ولا أحد يريد أن ينضم الى مصيرهم.

على الجانب الاقتصادي، فإنهم ايضاً يرون بأن العراق بلد غني بموارده ولا يمكن ان يعيش على المساعدات والتي لا أحد يحتمل استمرار ضخها اليه، في حين ان كل ما يحتاجه هو استثمارات وإدارة جيدة، لهذا فإن الوزارات الهامة في المفاصل الاقتصادية يجب أن تظل بعيدة عن سيطرة هذه الجهة او تلك، حيث يجب أن يتم إيقاف الفساد المستشري والمتفاقم والذي مع العنف بات طارداً للاستثمار ومفشلاً لأي اعادة تأهيل لبنى البلد المحطمة.

لا السياسيون تعففوا عن المناصب، ولا هم قدموا التكنوقراط الذين بالضرورة يتسمون بالكفاءة ويستجمعون الرضى ويفتقدون الاغطية لأخطائهم، ولا اكتفوا بوجودهم في البرلمان وبالدور الاهم كسلطة تشريع ومراقبة ومساءلة، على العموم ان الشعب العراقي هو الاسعد بين شعوب الارض حيث تتقاتل طبقته السياسية على خدمته.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر : الشرق الأوسط اللندنية -20-5-2006