مقالات و محاضرات

 

 

التأرجح في آراء الأوروبيين حول دستور الاتحاد

 

د. عبدالله جمعة الحاج

 

في التاسع والعشرين من مايو 2005، وفي الأول من يونيو من العام نفسه، تم رفض الدستور الأوروبي المقترح من قبل الناخبين في فرنسا وهولندا، وبذلك فإن الشعبين الأوروبيين تمكنا من إعاقة مسيرة الدمج الأوروبي ولو مؤقتاً. وبالتأكيد فإن وراء هذا الرفض للدستور الجديد تكمن أسئلة أكثر إلحاحاً وأهمية تتعلق بالمستقبل الأوروبي بشكل عام وبالاقتصاد الأوروبي بشكل خاص.

كان التصويت على الدستور الأوروبي الجديد قد تم عن طريق الاستفتاء الشعبي العام في كلا القطرين، في فرنسا كان الرفض واضحاً من خلال تصويت 55 في المئة من الناخبين ضد الدستور في حين صوت لصالحه 45 في المئة. وبذلك فإن الوحدة الأوروبية تكون قد دخلت في فترة من التجميد التي ليس من الممكن التكهن بالتحديد بالمدة التي ستستغرقها. ويرى المراقبون للوضع الأوروبي أن تصويت الفرنسيين والهولنديين ضد الدستور الأوروبي الموحد ليس من شأنه القضاء على مستقبل الوحدة الأوروبية، ولا أن يكون قد دفع بالدستور الأوروبي الذي استغرق النقاش حول مواده ثلاث سنوات إلى الإلغاء التام. فالقادة الأوروبيون، الذين تحظى بلدانهم بعضوية الاتحاد الأوروبي، تنادوا بعد ظهور نتائج الاستفتاءات الفرنسية والهولندية مباشرة إلى الاستمرار في عملية التصويت على الدستور الجديد في جميع الأقطار الأخرى، كما كان الأمر مخططاً له من قبل.

وبالرغم من لهجة التفاؤل التي سادت في أوساط العديد من المسؤولين الأوروبيين، والذين يصرون على أنه لم يمت بعد إلا أن الواقع هو أن الدستور، بل والاتحاد الأوروبي ذاته، سيواجهان مشكلة حقيقية نتيجة لهذا الرفض، فلكي يقر هذا الدستور بشكل نهائي لابد وأن يصوت عليه جميع الأعضاء بنعم، فإذا ما رفضه عضو واحد فإنه يصبح غير قابل للاستخدام. وحتى الآن قامت تسع دول بالموافقة عليه كلياً، ودولة واحدة هي بلجيكا أقرته جزئياً.

إن الدول التي وافقت عليه كلياً هي النمسا وألمانيا واليونان وهنغاريا وإيطاليا وليتوانيا وسلوفينيا وسلوفاكيا وأسبانيا.

أما الدول التي كان من المقرر أن تصوت عليه خلال هذا العام والعام القادم، فهي لوكسمبورج ومالطا والدانمرك وإيرلندا والبرتغال وجمهورية التشيك وبريطانيا التي قامت بتعليق التصويت عليه إلى أجل غير مسمى.

ويعتقد بعض المراقبين أن حكومتي فرنسا وهولندا أخطأتا تكتيكياً، حين عرضتا مشروع الدستور للتصويت عليه عن طريق الاستفتاء الشعبي العام. وكان بإمكانهما عرضه على برلماني البلدين فقط لإقراره أو رفضه. ومن خلال تجارب الدول التي عرضته على برلماناتها وأقرته، وهي ثماني دول من أصل تسع، فإن المرجح هو أن يكون برلمانا البلدين قد أقراه دون مشاكل أو عراقيل، ولكن الخطأ التكتيكي الذي حدث أدى إلى ما أدى إليه من رفض.

وبالرغم من أن حكومتي فرنسا وهولندا لم تستقيلا مباشرة بعد فشل الاستفتاء على إقرار الدستور، وجرت في فرنسا عملية تغيير وزاري واسعة طالت العديد من الرموز السياسية الفرنسية، إلا أن الهزة النفسية (السيكولوجية) التي جرت في أوساط العديد من الأوروبيين، سيكون لها تأثير كبير على المشروع الأوروبي الذي عملت العديد من الدول الأوروبية على الدفع به إلى الأمام.

يشير الكثير من المراقبين إلى أنه يوجد سببان رئيسيان أديا إلى رفض الدستور الجديد من قبل بعض الشعوب الأوروبية، هما الاقتصاد وعدم إشراك الشعوب منذ البداية في عمليات الدمج المتسارعة التي حدثت منذ تأسيس الاتحاد. ففيما يتعلق بالاقتصاد كانت الشعوب الرافضة تعبر عن غضبها على حكوماتها بسبب فشلها في خلق الوظائف الجديدة، ومواقفها تجاه العولمة التي أخذت آثارها تظهر عليهم بشكل سلبي. أما بالنسبة لسياسات الدمج، فإن الشعوب الرافضة عبرت عن عدم ارتياحها لما كان يقوم به قادة بلدانها، من المضي قدماً في استبدال الهويات المحلية بسرعة بهوية جماعية ليس كل الشعوب الأوروبية جاهزة لاستيعابها وتقمصها، وذلك دون الرجوع إليها كشعوب تعيش في نظم ديمقراطية لها الحق في الموافقة أو الرفض.

وكل ذلك بحسب رأي دزعبد الله جمعة الحاج في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-15-4-2006