مقالات و محاضرات

 

 

ماذا يجري في أسواق المال الخليجية؟

 

 

د. محمد العسومي   

 

 

مرت أسواق المال الخليجية "البورصات" في الأسابيع القليلة الماضية بأوقات عصيبة، أدت إلى فقدان الثقة في هذه الأسواق من جهة وإلى عدم وضوح مستقبل هذه الأسواق من جهة أخرى.

وأدت فتاوى بعض المحللين، وبالأخص عديمي الخبرة أو من غير ذوي الاختصاص، إلى زيادة الطين بلة كما يقال. فالبعض قارن ما يجري الآن مع ما جرى في سوق المناخ بدولة الكويت بداية الثمانينيات، في الوقت الذي لا توجد فيه أية أوجه للمقارنة، فأزمة سوق المناخ في الكويت حدثت بسبب مضاربات على شركات وهمية لا وجود لها إلا على الورق، أما الشركات المدرجة بالأسواق الخليجية في الوقت الحاضر، فإنها شركات حقيقية وتحقق أرباحاً جيدة بشكل عام.

إذن أين المشكلة؟ في اعتقادنا أن المشكلة تدور حول عاملين رئيسيين: يكمن الأول في الوعي الاستثماري الغائب لدى الأغلبية الساحقة من المستثمرين الخليجيين، أما العامل الآخر فيكمن في عمليات المضاربة التي يقودها عدد من المتعاملين وبعض المحافظ الاستثمارية.

العامل الأول تبلور في السنتين الماضيتين عندما دخلت السوق أعداد غفيرة، بمن فيهم من لا يعرف من السوق إلا اسمه فقط، معظم هؤلاء يعتقد بأن أسواق المال تسير في اتجاه تصاعدي واحد فقط، لذلك، فإن أية هزة مهما كانت خفيفة تطير برؤوس هؤلاء المساكين وتبدأ عملية التباكي على تحويشة العمر التي طارت مع أول هزة.

العامل الثاني، يتمحور حول عمليات المضاربة الموجودة في كافة البورصات العالمية، إلا أنها في الخليج أخذت بعداً فوضوياً متجاهلة الآثار بعيدة المدى، التي يمكن أن تضر بالمضاربين أنفسهم، إذا ما استمرت بالصورة التي جرت وتجري بها عمليات المضاربة غير المدروسة التي ساهمت في الهزات التي أشرنا إليها.

من المعروف أن معظم الأسواق الخليجية ارتفعت بأكثر من 100% خلال عام 2005 مقارنة بعام 2004 ما عدا سوقي مسقط والبحرين، وإذا ما طبقنا القانون الثالث لنيوتن الذي ينص على أن "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار مضاد له في الاتجاه"، فسنفهم سبب التصحيح أو التراجع الكبير في الأسواق الخليجية باستثناء سوقي مسقط والبحرين. فقانون نيوتن يختص أساساً بالعلوم التطبيقية، ومع أن سوق الأسهم كما نعرف، عبارة عن أرقام وبيانات إحصائية ترتفع وتنخفض تبعاً لآليات وقوانين معينة، وبالتالي فإن نسب الارتفاع والانخفاض تتوالى تبعاً لهذه الآليات، وهي ليست عفوية كما قد يتصور حديثو المتعاملين في الأسواق أو قليلو الوعي الاستثماري.

إن قوة الدفع التي رفعت أسواق المال الخليجية في العام الماضي لا زالت موجودة، فأسعار النفط في أوجها والشركات والبنوك حققت في الشهرين الماضيين من العام الحالي، نتائج ممتازة للغاية، والأوضاع الاقتصادية العامة جيدة، وأداء مختلف القطاعات الاقتصادية غير النفطية لا سابق له، ما يعني أن الانخفاض الحالي في الأسواق مبالغ فيه بدليل مكرر أسهم الشركات الذي وصل إلى مستويات متدنية تشجع على الشراء.

أسواق المال الخليجية لا زالت بخير، بشرط وضع ضوابط وتشريعات جديدة تتناسب والأوضاع المستجدة، ففي الآونة الأخيرة سمح للوافدين بالتداول في هذه الأسواق، وهذا تطور له أهميته، حيث يمكن الاستفادة في هذا الصدد من أزمة أسواق المال الآسيوية في عام 1997، ومع أن المقارنة ليست دقيقة، إلا أن دخول الأجانب يعني الكثير، فبالإضافة إلى الحد الأدنى للارتفاع والانخفاض ليوم واحد والمحدد بـ  15%  في دولة الإمارات و 5%  في السعودية، فإنه لابد من تحديد حدٍ أعلى وأدنى للارتفاع والانخفاض للشهر الواحد والسنة الواحدة، للحدّ من التذبذبات الحادة والمضرة بالسوق، كما أنه لابد من تخفيض النسبة في الإمارات إلى 5%.

التغييرات العديدة التي طالت أسواق المال الخليجية تتطلب قوانين وتشريعات جديدة تتناسب وخصوصية الأسواق الخليجية الناشئة، التي يتوقع أن يكون لها دور مهم في عملية التنمية الاقتصادية في دول المجلس في السنوات القادمة.

أخيراً، فإن المستثمر القادر على فهم واستيعاب هذه التغيرات وذي النظرة البعيدة، سيحقق نتائج جيدة لاستثماراته على المدى البعيد، فتنامي الوعي الاستثماري وسنّ تشريعات وأنظمة جديدة ستشكل ضمانة أكيدة لتجاوز الصعوبات والتذبذبات الحادة، وتفتح المجال أمام الدور التنموي المهم والناضج لأسواق المال الخليجية.

و كل ذلك بحسب رأي د. محمد العسومي في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية-14-3-2006