ساعة أوباما
غسان شربل
على باراك
أوباما الالتفات إلى ساعته. الوقت يسرق من وهج الإطلالات الأولى.
الجاذبية لا تعمر طويلاً في الشرق الأوسط. لا بد من تحصينها بما يعيد
إطلاق الأمل. تجربة الشهور الماضية بالغة الدلالات. الغاضبون من اميركا
كثر. الحاقدون ليسوا قلة. عدد العاتبين غير ضئيل. لكن الأكيد ان كثيرين
يبحثون عن اميركا. أميركا مختلفة. واقعية وشبه عادلة. نزيهة أو قريبة
من هذه الصفة. وربما يرضون بأميركا أقل انحيازاً.
يعرف أهل
الشرق الأوسط أهمية أميركا. الحكّام لا يخطئون حتى في أقصى حالات الغضب
أو الانزعاج. يفردون للسفير الأميركي موقعاً خاصاً. والأمر نفسه
بالنسبة الى مبعوثي البيت الأبيض. ينتقدون اميركا من دون إسقاطها من
الحساب. يقبّلون الروسي وعينهم على الأميركي. يستقبلون الأوروبي لملء
الوقت بانتظار وصول الأميركي. يتحدثون عن العلاقات الطيبة مع الصين ثم
يتذكرون انها عملاق بعيد.
والعلاقات
مع أميركا صعبة بطبيعتها. بلد متغير وأهل الشرق الأوسط يحبون الثبات.
يفضلون الالتزامات القاطعة والنهائية. وأميركا تغرف من قاموس آخر.
تبادر وتخطئ. تتوقف وتصحح. تنصح وتتراجع. تدعوك الى رحلة ثم تبدل خط
سيرها. ما يربط بين أشكال سلوكها هو حساب مصالحها. ويحدث ان تتغير
القراءات لهذه المصالح. يشعر أهل الشرق الأوسط بالنكوص أو الغدر. يندلع
سوء التفاهم وهو جزء دائم من العلاقات.
كان جورج
بوش متعباً لخصومه وحلفائه. قراءته للعالم بعد 11 ايلول (سبتمبر) كانت
محارِبة. مغامرته العراقية أقلقت كل دول المنطقة. خدمت من كان يحلم
بإضعافهم أو تحجيم أدوارهم. أخطاء اميركا بوش ساهمت تلقائياً في تحسين
صورة أميركا أوباما.
بانتخاب
أوباما اختارت اميركا التغيير في الداخل والخارج معاً. نجح الرئيس
الجديد في الإيحاء انه يحمل مقاربات مختلفة. تمكن من إحداث قدر من
التغيير في صورة أميركا في العالم الإسلامي الذي تعمّد مخاطبته من اكثر
من مكان. وقع أهل الشرق الأوسط في انتظار اميركا التي وعدت باليد
الممدودة بديلاً من القبضة المرفوعة. أسلوب أوباما في التعامل مع قرار
مغادرة العراق ومع الأحداث التي عصفت بإيران أكّد وجود مقاربة مختلفة.
يبقى الامتحان الكبير في ملف السلام العربي – الإسرائيلي.
حاجة أوباما
الى تحريك عملية السلام قبل استنزاف وهج إطلالته تصطدم بعوائق فعلية.
الحاجز الأول وجود حكومة إسرائيلية تراهن على الاستيطان وفرض الحقائق
على الأرض ولا تؤمن بخيار السلام ولا تثق باتفاقاته ووعوده. انها حكومة
تأمل بجعل أي سلام لاحق نوعاً من الاستسلام للمعطيات الجديدة القائمة
في الضفة الغربية والقدس. لهذا كان على إدارة أوباما ان تقاوم مطلبين
إسرائيليين: الأول إعطاء الأولوية لـ «الخطر الإيراني»، والثاني
المطالبة بثمن مرتفع في مقابل أي خفض محدود لوتيرة الاستيطان.
تصطدم مهمة
المبعوث جورج ميتشيل ايضاً بعدم استعداد العرب أو عدم قدرتهم على تقديم
هدايا مسبقة لإسرائيل أو مكافآت على خفض وتيرة الاستيطان. فالتجارب
السابقة لا تشجع على تقديم الهدايا وصورة حكومة نتانياهو لا تساعد.
والحقيقة ان من غير المنطقي مطالبة العرب بدفع ثمن تجميد الاستيطان.
يحتاج
أوباما الى تقدم سريع على طريق إعادة إطلاق الأمل بالسلام. هذا التقدم
سيعطيه القدرة على مواجهة استحقاق غير بعيد هو استحقاق الملف النووي
الإيراني. وفي هذا الملف يبدو التقدم صعباً ذلك ان الاضطراب الذي شهدته
ايران قد يرجح كفة التصلب لا كفة المرونة النسبية.
لم يبق من
فرصة أوباما لتغيير مناخ الشرق الأوسط سوى شهور قليلة. ضياع الفرصة
سيعني المزيد من التشدد واليأس والعودة الى سياسات تسجيل النقاط وتوجيه
الضربات. لهذا يبدو أوباما مطالباً بالالتفات الى ساعته واتخاذ قرارات
صعبة تساعد اهل المنطقة على اتخاذ القرارات الصعبة. ومفتاح اقناع العرب
بحصول تغيير في اميركا هو رؤية تغيير في اسلوب اميركا في التعامل مع
إسرائيل.
وكل ذلك بحسب المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:-31-7-2009-alhayat
|