هل الشراكة بين خامنئي ورفسنجاني أنتهت أم هي بحاجة الى صيغة جديدة ؟

 

د. سليم الحسني

 

- خامنئي ورفسنجاني نهاية الشراكة :

الشراكة بين السيد علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني هي واحدة من أطول الشراكات عمرا، فمن النادر أن تبقى العلاقة وثيقة بين رموز الثورة عندما تنتصر وتؤسس حكومة تجلس على قمة هرمها.كان الرجلان هما الأقرب الى قلب مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، الإمام الخميني، الذي قدمهما على الآخرين من رجالات الثورة، مما سهل حصولهما على شعبية كبيرة. فكلمة الخميني كان لها وقع السحر في الوجدان الإيراني. وكانت أي إشارة بسيطة من الخميني تكفي لتحويل أي شخص «من المجهول الى قمة الشهرة»، والعكس صحيح. وقد شهدت السنوات العشر الأولى من تشكيل جمهورية إيران الإسلامية نماذج عدة لهذه الظاهرة اللافتة للنظر، أبرزها كان نهاية مستقبل الشيخ حسين علي منتظري. فقبل أشهر قليلة من وفاته خط الخميني رسالة من سطور قليلة، أعلن فيها عزل منتظري من منصبه كخليفة له، ليتحول الأخير بعد ذلك من «رجل يهتف الشارع باسمه» الى شخص «لا يرغب الإيرانيون بذكره».

-  تقاسم السلطة :

لما يقرب من ثماني سنوات تقاسم خامنئي ورفسنجاني السلطة في إيران: تولى الأول السلطة التنفيذية كرئيس للجمهورية، وتولى الثاني السلطة التشريعية كرئيس لمجلس الشورى. وكان الزعيمان متفقين الى حد كبير في قضايا الدولة المفصلية، وشؤونها الداخلية والخارجية، الى درجة أن كثيرا من المهام كانت تنجز بطريقة التفاهم بينهما، حيث كان كل منهما يمهد الطريق للآخر. وقد ساهمت هذه العلاقة الوثيقة في إضعاف رئيس الوزراء آنذاك، مير حسين الموسوي، بل إن التفاهم بين الرجلين هو الذي سهل مهمة إجراء تعديلات دستورية، كان أبرزها إلغاء رئاسة الوزراء ومنح صلاحياتها كافة لرئيس الجمهورية.

أمام هذا الثنائي ضعفت الاتجاهات الأخرى، وانسحب من الساحة عديد من رجالات الثورة والشخصيات السياسية، وكل من وجد أن لا مستقبل له طالما بقي هذا التحالف الثنائي قائما. وكانت تلك القراءة تمتلك الواقعية. فبعد وفاة الخميني، ورث خامنئي منصبه، فيما فاز رفسنجاني بمنصب رئيس الجمهورية، وكانت تلك أكثر الفترات تلاحما بين الرجلين، لاسيما، وأن الأخير كان له الدور الأكبر في تنصيب خامنئي مرشدا أعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، حين أعلن في جلسة الاختيار أنه سمع من الإمام الخميني ما يشير الى أن خامنئي هو خليفته. وكانت هذه الشهادة كفيلة بأن تحسم الاختيار بشكل قاطع.

- سنوات نجاد :

أصيب الشيخ رفسنجاني بخيبة أمل كبيرة عندما فاز أحمدي نجاد برئاسة الجمهورية قبل أربع سنوات، فقد أدرك يومها أن رغبة خامنئي كانت مع منافسه، ولم يكن يدور في ذهنه أنه سيخسر الانتخابات، وهو يستند الى هذا التاريخ الطويل في الثورة والحكومة والعلاقة الاستثنائية مع المرشد الأعلى ومع أن خامنئي منحه منصبا خاصا، وهو رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، إلا أن ذلك بدا وكأنه محاولة استرضاء شخصية، ومواساة على الصدمة التي تعرض لها. ولم يكن الأمر سهلا على شخصية مثل رفسنجاني أن ينزوي في منصب ثانوي، فيما يرمي رفيق دربه بكل ثقله لمصلحة خصمه أحمدي نجاد.

يقول مقربون من خامنئي إنه بعد توليه منصب المرشد الأعلى، كان يعيش فكرة «الحزب الإلهي» وهو تعبير عن الرجال الترابيين الذين ساهموا في الثورة، وبقوا يعيشون هموم الشارع وحياته. وقد وجد في نجاد هذا الشخص الذي كان يحلم به، ليعيد للجمهورية الإسلامية هذه الظاهرة التي أخذت بالانحسار نتيجة تقادم الزمن والتطورات الكبيرة التي شهدها العالم وكان السلوك الشخصي للرئيس أحمدي نجاد قد عزز مكانته عند خامنئي، واثبت بالفعل والممارسة أنه الرجل الذي كان يبحث عنه المرشد الأعلى طويلا. وبذلك تزعزعت مكانة رفسنجاني الذي ينتمي الى عائلة برجوازية معروفة في إيران.

- نقطة الفراق:

تبنى الشيخ رفسنجاني الاتجاه الإصلاحي في الحملة الانتخابية الأخيرة، وكان ذلك يعني أنه وقف مع مير حسين الموسوي، الخصم التقليدي لخامنئي، ورجل الدولة السابق الذي ابتعد عن الحياة السياسية لأكثر من عقد من الزمن، لعلمه أن لا مستقبل له في أي منافسة طالما أن «غريمه» خامنئي يتولى منصب «الولي الفقيه». وقد فسر كثيرون انحياز هاشمي الى التيار الإصلاحي على أنه قرار يتسم بالعقلانية الى حد كبير وخلال الحملة الانتخابية على الرئاسة وجه أحمدي نجاد انتقادات قاسية للشيخ رفسنجاني، كان يحاول من خلالها إضعاف منافسيه. وتسببت تلك التصريحات بإغضاب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي هدد المرشد الأعلى في رسالة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقة بينهما، بأن لصبره حدودا، واتهمه ضمنا بأنه يساند نجاد ضده.رفسنجاني المعروف بحنكته السياسية، وقدرته العالية على إدارة الأزمات والخروج منها منتصرا، ما كان ليلجأ الى هذا الأسلوب، لولا معرفته بأن مستقبله السياسي بات ضعيفا، وأن حظوظ تياره في الفوز بالانتخابات لا تبعث على التفاؤل، فاستبق الأحداث بتلك الرسالة ليعطي إنذارا واضحا بأنه سيتحول الى المعارضة العلنية.جاءت قراءة «القرش» كما يسميه الإيرانيون، دقيقة فقد أعلنت نتائج الانتخابات عن فوز خصمه اللدود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية، وكان ذلك يعني أن نهايته السياسية قد باتت وشيكة، وان عليه أن يرمي بثقله ليدعم التيار الإصلاحي، بعد أن أصبح الفراق محتوما بينه وبين رفيق الدرب الطويل السيد علي خامنئي.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب نصاً ودون تعليق.

المصدر: القبس - 22-6-2009