السمات الإيمانية في شخصية الفقيه الشيرازي

 

علي حسين عبيد

 

 

ثمة علاقة خاصة بين الروح/الجسد، قد تتقاطع او تتقارب، وفي حالة التقاطع بين الاثنين سيكون الجسد متمردا كالفرس التي لا يتمكن خيالها من ترويضها، أو تسمو الروح وتترفع كثيرا فيتراجع الجسد عن مطاولة عظمة الروح ويضعف فيغدو عاطلا عن أي فعل، أما في حالة التقارب بين الاثنين الروح/الجسد، فسوف يتشكل نوع من التناغم المذهل يجمع بين قدرات القطبين ويدلقهما في بوتقة واحدة فتلتقي وتنصهر معا، لنصل من خلال ذلك الى شخصية قمة في التفاهم بين الروح والجسد وقمة في العطاء الانساني في آن واحد وقد حبا الله تعالى فقيهنا الراحل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي رحمه الله تعالى منذ نعومة أظفاره بروح خلاّقة هادئة فاعلة تميل الى الانتاج في الفكر والعمل ولكن بمظهر روحاني عظيم، وهذه الروح المتسامية تمكنت من ترويض جسدها والتفاهم معه ليشكلا معا شخصية إنسانية أصبحت من ألمع الشخصيات الاسلامية الغنية في صورتها وجوهرها وقد تأتّى ذلك من خلال السمات الايمانية العالية للسيد الفقيه والتي انبثقت مع انبثاق روحه في عالم الوجود لتجد كيانها الروحي متماثلا مع كيان جسدي مادي تمكنت من التلاقي معه والامتزاج به لدرجة ان كليهما أصبحا كلاّ واحدا، فتعاضدا وتعاونا وألغيا تماما جميع التقاطعات التي قد تحدث بين الروح والجسد، فتشكلت حالة من الوئام التام بين الروحي والمادي وانتجت شخصية ذات سمات توافقية إيمانية قلما يتاح للكائن البشري أن يتحصَّل عليها او يصل إليها ولعل السطوة المتناهية التي يتمتع بها الفقيه الشيرازي على مستمعيه ومشاهديه ومجالسيه متأتية من حالة التوافق الروحي المادي التامة التي تحققت بصورة راسخة في شخصيته، وهنا نستطيع أن نقول ومن خلال التجربة الفعلية، أن كثيرا من متابعي ومتابعات محاضرات الفقيه الشيرازي استطاعوا أن ينفذوا الى حالة التوافق الروحي المادي في شخصيته وقد لمسوا ذلك في طبيعة نبرات صوته الهادئ وبشاشه وجهه الضحوك وثقته المتناهية بالله سبحانه وتعالى وانشراحه الدائم وابتعاده عن الغلو في أي مجال من مجالات الافكار او الاقوال او الاعمال ايضا لذلك فإن المتابع لشخصية السيد الشيرازي يستطيع من دون عناء كبير أن يصل الى أعماقه وقرارة نفسه ويستطيع ايضا ان يؤشر سماته التي تحيل المتابع او المستمع الى أجواء خالصة من الايمان الراسخ، ولعل هذا متأت من حالة التوافق الروحي المادي التي توصّل إليها الفقيه الشيرازي بعد جهد كبير ومتابعة واصرار على تربية الجسد على تعاليم وموجهات الروح المتسامية التي تلبّست جسده.

فنبرات الصوت الخاصة التي يتمتع بها رحمه الله، لا يمكن أن تُنتَج بصيغتها المحببة الى النفس من اللاشيء او من المصادفة البايولوجية، بل ثمة تماثل روحي مادي منصهر في شخصيته أنتج هذا النوع الرقيق العميق والمميز من نبرات الصوت، كما ان التناغم بين صورة الوجه وتعبيراته المتوائمة مع مضمون الكلام على تنوعه لا يمكن أن يأتي من فراغ بل هناك ما هو أعمق بكثير من الظاهر للعين على السطح، نعم، فهناك العمق الروحي السحيق الذي تلتقي فيه سمات القطبين المادي والروحي وتنصهر وتتلاقح فيه بكل مقوماتها الإيمانية لكي تنتج ملامح وتعبيرات بالغة النقاء وقمة في الصدق والوئام تدخل الى قلب ووجدان المتابع مباشرة وتؤثر فيه فتصبح الكلمات والافكار فاعلة ونافذة الى الذات ليصحح الانسان المستمع او المشاهد تفاصيل حياته المشوشة على ضوء ما يرد من هذا الصوت والصورة المتناغمان شكلا وجوهرا، روحا ومادة كما أن الملاحظ على متابعي ومتابعات السيد الفقيه الشيرازي تأثرهم الكبير بسمات شخصيته الايمانية الباعثة على التفاؤل والقدرة على الولوج في دروب الله تعالى التي تقود الانسان بدورها الى واحة الاطمئنان والهدوء من خلال السيطرة على مآرب الجسد والنفس التي يُصعب السيطرة عليها، تلك التي تُعَدّ من النفوس الأمارة بالسوء، وكثيرا ما نسمع او نقرأ عن العلاقات الانسانية الايمانية المتميزة التي تربط المؤمنات والمؤمنين المتابعين بشخصية الفقيه الشيرازي، حيث يغدو التوافق الروحي المادي لشخصيته فنارا عاليا ومتألقا أمام أرواح المشاهدين او المستمعين لكلماته النابعة من عمق هذا التوافق ونقائه الخالص ولا ننسى بأن هيمنة شخصية الفقيه الشيرازي رحمه الله على مجالسيه او مستمعيه ومتابعيه لا تنحصر في جانب زرع التفاؤل وبثه في الروح المقابلة، بل ثمة عمق الافكار والمعنى وتعدد مجالاتها بحيث تنطوي على عموم حاجات الانسان الحياتية وهذا ما يتأتى بطبيعة الحال من تفرد شخصيته بسمات إيمانية تتعلق به حصرا، وهذا ما يقودنا الى أن المؤمنين يتشابهون في ايمانهم ولكن هذا لا يلغي تفرد شخصياتهم وتميزها عن بعضها وفقا للمؤهلات الروحية والمادية وطبيعتها ودرجة النجاح في توظيفها كمقوم هام من مقومات التأثير في توجه الآخرين ومعاونتهم على تصحيح مساراتهم غير المناسبة من هنا نقول بأن الفقيه آية الله السيد محمد رضا الشيرازي سيطر على قلوب وعقول المتابعين وأثَّر في تغيير أنماط حيواتهم الى ما هو أفضل وأروع من خلال التوائم التام بين روحه وجسده والتي أدّتْ بدورها الى حيازته (رحمه الله) على سمات إيمانية وسمت شخصيته وجعلتها من الشخصيات الاسلامية الخالدة.

المصدر: annabaa.org