هل يجب على إسرائيل غلق مفاعل ديمونة ؟

 

ولاء شعبان سعيد

 

 

تُظهر الإدارة الإسرائيلية للأزمة النووية الإيرانية، حاليًا، ولعديد من الملفات النووية العربية السابقة، والتي كان آخرها الضربة العسكرية الإسرائيلية لبعض المواقع السورية على افتراض أنها منشآت نووية ـ بفرض صحة الزعم الإسرائيلي ـ، ومن قبل المفاعل النووي العراقي، والهاجس من وجود قوى نووية مصرية حتى وإن كانت سلمية بالقرب من حدودها، مدى الهاجس والخوف الإسرائيلي من وجود قوى نووية عربية بالمنطقة، والذي يحمل في طياته إخلالاً بتوازن القوى الذي هو في صالح إسرائيل حاليًا وفي الوقت الذي يتزايد فيه الهاجس الإسرائيلي من وجود قوى نووية عربية بالمنطقة، يتصاعد على الجانب الآخر هاجس عربي من القوى النووية الإسرائيلية التي تُعزز من قوتها، وإن كان من الصعب، عمليًا، أن تُوجه تل أبيب ضربة نووية لأي من الدول العربية؛ لتأثير ذلك بصورة غير مباشر أو مباشرة على وجودها بالمنطقة، إلا أن الهاجس العربي، بل والإسرائيلي، يظل مطروحًا في ظل إمكانية ضرب تلك المنشآت النووية ومطروحًا أن يكون إرهابياً أو حدوث تسرب إشعاعي؛ لخلل فني أو تكنولوجي في مفاعل ديمونة Dimona الإسرائيلي لإنتاج البلوتونيوم وفي هذا الصدد، يُثار تساؤل رئيس مفاده: ما تداعيات توجيه ضربة لمفاعل ديمونة Dimona الإسرائيلي على الصحة العامة والاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي؟، وهل يجب على إسرائيل أن تغلق مفاعل ديمونة؟. وكانت تلك التساؤلات محور مقالة معنونة بـ "هل يجب أن تغلق إسرائيل مفاعل ديمونة؟، الآثار الإشعاعية لضربة عسكرية ضد مفاعل إنتاج البلوتونيوم Should Israel Close Dimona? The Radiological Consequences of a Military Strike on Israel’s Plutonium-Production Reactor" أعدها بينت رامبيرج Bennett Ramberg، وهو باحث مميز ذو خبرة بالعمل الحكومي فقد عمل في وزارة الخارجية أثناء حكم الرئيس جورج بوش الأب ومؤلف ثلاثة كتب عن الأمن الدولي، وقد نشرت تلك المقالة في مجلة "التحكم في الأسلحة اليوم (Arms Control Today (ACT"، التي تصدر عن جمعية التحكم في التسلح (The Arms Control Association (ACA".

الشرق الأوسط .منطقة استهداف المنشآت النووية

يبدأ الكاتب مقالته بعرض تاريخ منطقة الشرق الأوسط النووي العاكس للخوف الإسرائيلي، فيعتبرها المنطقة الوحيدة في العالم التي شهدت ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية. ففي عام 1980 حاولت طائرة تحطيم المفاعل العراقي "أوزيراك Osirak"، لكنها أخطأت الهدف، وقامت إسرائيل بتحطيمه في يونيو 1981 وخلال الحرب العراقية ـ الإيرانية صعدت طائرة عراقية هجماتها على اثنين من مفاعلات إيران في محطة بوشهر، كما قامت الولايات المتحدة بقصف مفاعل عراقي صغير في "التويثة Tuwaitha" جنوب بغداد، وردًا على ذلك قام صدام حسين بإطلاق صورايخ "سكود- بي" نحو ديمونة ولم يترتب على تلك الهجمات التي وقعت سواء في بوشهر أو أوزيراك حدوث أي تسرب إشعاعي، لكن الوضع مختلف تمامًا بالنسبة لمفاعل ديمونة الذي يُشكل رمزًا مهمًا لإسرائيل. وفي الوقت ذاته يُمثل مصدر قلق كبير لها؛ لأن أي هجوم عليه سيؤدي لانتشار المواد المشعة الخطيرة ولهذا تُشير عديد من التقارير والتسريبات الصحفية التي تصدر من حين إلى آخر إلى أن هناك هاجسًا إسرائيليًّ من توجيه ضربة عربية لمفاعل ديمونة. فقد ذكر تقرير نشرته صحيفة الصنداي تايمز اللندنية "London Sunday Times" والمعنون بـ "إسرائيل في حالة تأهب لضربة جوية ضد سوريا" أواخر العام الماضي (2007)، أن درع الدفاع الصاروخي الواقي الإسرائيلي حول مفاعل ديمونة النووي قد تم وضعه في حالة التأهب القصوى أكثر من ثلاثين مرة وسط مخاوف من حدوث ضربة جوية سورية ضده؛ ردًا علي قيام إسرائيل بقصف موقع سوري يُشتبه بأنه موقع نووي ومن جانبها قالت الضابطة القائدة لبطارية الباترويوت: إن كل طائرة مدنية في طريقها من القاهرة إلي عمان أو من جدة إلي القاهرة وبالعكس، والتي تنحرف عن مسارها ولو قليلاً، فإنها تتلقي تحذيرًا وتواجه خطر إطلاق الصواريخ عليها "، ولعل التسريبات الصحفية حول استهداف طائرة مبعوث الرباعية الدولية توني بلير مؤخرًا خير دليل على هذا الهاجس الإسرائيلي.

نشأة وإمكانات مفاعل ديمونة

يقع مفاعل ديمونة في صحراء النقب ويطلق عليه أيضًا IRR-2، ويبعد عن غرب الأردن بحوالي 25 كيلومتر تقريبًا، وعن شرق مصر بحوالي 75 كيلومتر، وعن جنوب القدس بحوالي 85 كيلو متر. وهو بمثابة مفاعل ماء ثقيل. وقد أنشأه رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion"؛ للتغلب على ضعف البلاد الاستراتيجي، فضلاً عن إجبار الغرب للدخول في تحالف رسمي من أجل الدفاع عن بقاء إسرائيل. وتم تشغيله في منتصف الستينيات بمساعدة فرنسية، وينتج البلوتونيوم Plutonium والتريليوم Tritium اللازمين للأسلحة النووية.تُقدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية (International Atomic Energy Agency (IAEA قوته بحوالي 26 ميجاوات، إلا أن كثيرًا من المحللين يعتقدون أن إسرائيل قامت منذ منتصف السبعينيات بتحديثه؛ لتوليد ما بين 70 و150ميجاوات، وبذلك يكون من أكبر المفاعلات في منطقة الشرق الأوسط حتى الآن. وعلى الرغم من أن قوة مفاعل بوشهر الإيراني، في حال تشغيله، ستصل إلى 20 مرة ضعف المفاعل الإسرائيلي، إلا أن الأخير سيظل المصدر الوحيد لإنتاج البلوتونيوم والتريليوم اللازمين للأسلحة النووية. وفي الوقت ذاته تُشير العديد من التقديرات إلي أن الترسانة النووية الإسرائيلية تتراوح ما بين 75 إلي 200 تنوع ما بين قنابل ورءوس قذائف حربية وأسلحة تكتيكية.

نتائج ضرب مفاعل ديمونة

قامت وحدة التقييم والتنبؤ بالمخاطر التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية the U.S. Department of Defense’s Hazard Prediction and Assessment Capability code (HPAC) بوضع ثلاثة سيناريوهات فيما يتعلق بالنتائج المترتبة لضرب مفاعل ديمونة، والتي تختلف وفقًا لمستـويات القوة المختلفة التــــي يعمل بها المفاعل وطبيعة الــرياح.

أولى تلك السيناريوهات، يفترض أنه إذا كان المفاعل يُولد 150 ميجاوات، فإن ذلك يؤدي لاتجاه المواد المشعة في الاتجاه الشمالي الغربي لمدينة ديمونة التي يعيش فيها 30 ألف فرد، ثم يتجه بعد ذلك إلى بئر سبع. ووفقًا لهذا السيناريو يُصاب المئات من الأفراد بمرض السرطان بنسبة أعلى من النسبة الطبيعية المتوقعة أما السيناريو الثاني، يقوم علي أن المفاعل يُولد حوالي 26 ميجاوات، والذي يعني تركيز المواد المشعة نحو جنوب الأردن . وفيما يتعلق بالسيناريو الثالث الذي يفترض بأن المفاعل يُولد حوالي 70 ميجاوات، وبالتالي فالمواد المشعة تستقر في الضفة الغربية، وتتراوح الإصابة بمرض السرطان ما بين 600 إلي 1000 حالة نظرًا لتركز السكان في هذه المنطقة ومن الجدير بالذكر، تقوم السلطات الإسرائيلية بتوزيع أقراص بوتاسيوم على مواطني الأماكن القريبة من المفاعل لمنع امتصاص اليود -131 المسئول عن سرطان الغدة الــدرقية.

محاولات عربية لمهاجمة مفاعل ديمونة

إن نجاح أي ضربة عسكرية ضد مفاعل ديمونة تكون له التأثيرات المترتبة ذاتها علي الأسلحة البيولوجية، ويرى البعض أن التأثيرات المترتبة على مفاعل ديمونة هي بمثابة جزء صغير من كارثة مفاعل تشيرنوبل Chernobyl، لكن إسرائيل لم تكن غافلة عن هذه التحديات. فمنذ بداية برنامجها النووي تُحاول بقدر الإمكان أن تُقلل من الأخطار وذلك من خلال وضع المفاعل في صحراء النقب، ووضع وسائل لمعالجة المادة النووية في الخلايا المدفونة، فضلاً عن حماية المفاعل من خلال طائرات مضادة ودفاع صاروخي وفيما يتعلق بمحاولة أي طرف عربي بتوجيه ضربة لمفاعل ديمونة، فإن إسرائيل مازالت تُؤكد على ضعف القوة الجوية العربية في مواجهة الدفاع الجوي الإسرائيلي. وهذا ما أكده أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية في مايو 1984، لكنَّ التاريخ يُثبت عكس ذلك، حيث في عام 1973 أسقطت إسرائيل طائرة مدنية ليبية توجهت إلي المفاعل، وقتل 108 راكبًا كانوا على متنها. وفي حرب الخليج الثانية عام 1991 وُجهت صواريخ "سكود- بي" العراقية إلى تل أبيب وقد اقترب أحدها من المفاعل، فضلاً عن أن قصف حزب الله شمال إسرائيل في 2006 أظهر ضعف القدرات العسكرية الإسرائيلية لمواجهة أي هجوم صاروخي عليها وفي الآونة الأخيرة ازدادت المخاوف الإسرائيلية حول استمرار مفاعل ديمونة ولاسيما مع تصاعد التهديد من قبل كل من سوريا وإيران، حيث أكد النائب السوري محمد حبش أن سوريا إذا شعرت بأي تهديد من قبل إسرائيل فسيكون الرد على ذلك مهاجمة مفاعل ديمونة . وفي الوقت ذته أكد محمد باقر رئيس الحرس الثوري الإيراني، في عام 2004 أنه في حالة استهداف إسرائيل مفاعل بوشهر، فعليهم أن ينسوا تماما مفاعل ديمونة.

إغلاق أو تجميد مفاعل ديمونة

نتيجة للتوترات الإقليمية وقدرة أعداء إسرائيل على ضرب مفاعل ديمونة لاسيما النظام الإيراني الحالي، يُثار تساؤل مفاده: هل من الحكمة إغلاق المفاعل؟ بالرغم من أن البعض يرى أن قرار إغلاق المفاعل سيترتب عليه فقدان إسرائيل قدرتها علي إنتاج البلوتونيوم والتريليوم اللازمين للحصول على الأسلحة النووية، فإن البعض الآخر يركز على المكاسب المتحققة من قرار الإغلاق، فإسرائيل لديها من الأسلحة ما يكفي كقوة ردع، كما أن إغلاق المفاعل من شأنه أن يؤدي إلى إزالة الخطر الإشعاعي خاصة مع قرب عمر المفاعل من نهاية متوسط العمر المتوقع للتشغيل الآمن لأي مفاعل، فضلاً عن أنها من الممكن أن تحصل على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي NATO"" على نطاق واسع، والإدعاء بأنها خطوة في طريقها بالالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وفي نهاية مقالته يركز الكاتب على مخاطر الهجوم الإسرائيلي على المفاعلات النووية الإيرانية. فإيران تُعتبر الدولة الأكثر قدرة على توجيه ضربة لمفاعل ديمونة الإسرائيلي، فإيران لديها مفاعلان ينالان اهتمامًا كبيرًا من القادة العسكريين في إسرائيل، المفاعل الأول موجود في أراك وتبلغ قوته 40 ميجاوات، والثاني في بوشهر وتبلغ قوته 1000 ميجاوات، وهو بمثابة محطة لتوليد الطاقة النووية وتشير أغلب التحليلات إلى أن إسرائيل قادرة على تحطيم أو تدمير أي مفاعل نووي إيراني، وبالتالي فالإشعاع الناتج عن دمار مفاعل "بوشهر" يمكن أن يقترب من نطاق كارثة مفاعل تشيرنوبل. ونظرًا للعلاقة الإشعاعية المتبادلة بين إسرائيل وإيران لا يفكر أي منهما في القيام بأي هجمات ضد الآخر.

وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب نصاً ودون تعليق.

المصدر: taqrir.org