أمريكا
وتركيا: مصالح استراتيجية مشتركة
أحمد
زكريا الباسوسي
تناولنا في المقال السابق
أهم القضايا الرئيسة التي تربط الولايات المتحدة بتركيا في منطقة الشرق
الأوسط لاسيما في العراق، إيران، سوريا، وإسرائيل، فضلاً عمَّا يُمكن
أن يُقدمه الدور التركي في المنطقة لتحقيق المصالح الأمريكية في منطقة
الشرق الأوسط. على الجانب الآخر يرصد الكتاب العلاقات والمصالح
الاستراتيجية المشتركة لكل من تركيا والولايات المتحدة في مناطق ساخنة
أخرى لعل أبرزها العلاقات التركية - الروسية وانعكاساتها على علاقتها
مع الولايات المتحدة، البحر الأسود، بحر قزوين، القوقاز، ومنطقة وسط
آسيا لاسيما أفغانستان وباكستان.
تركيا
وروسيا: علاقات وطيدة
يُؤكد الكتاب على أن
مسألة التقارب التركي ـ الروسي ليست بالجديدة، ولكن قد تم إلقاء الضوء
عليها في أغسطس 2008 إبان الحرب الروسية – الجورجية. وتتمثل أهم تجليات
ذلك التعاون في نمو التجارة والاستثمارات بينهم في شتى المجالات لاسيما
في مجال الطاقة، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بين الدولتين بحلول عام
2008 ما يقرب من 40 بليون دولار. كما أرجع الكتاب تطوير العلاقات
التركية - الروسية إلى العلاقات الشخصية الوطيدة بين كل من رئيس
الوزراء الروسي "فلاديمير بوتن" ونظيره التركي "رجب طيب أوردغان" وفى
معرض تحليله للنهج التركي يُؤكد الكتاب على أن تركيا تقوم بعمل توازن
واضح بين حلف شمال الأطلنطي باعتبارها عضوًا فاعلاً فيه وبين حليفتها
روسيا وذلك تحقيقًا لسياستها المعروفة باسم strategy of
zero problems.
الاستراتيجية التركية في البحر الأسود، القوقاز، ووسط آسيا
بالنسبة لمنطقة البحر
الأسود، يُؤكد الكتاب على أن تركيا تسعى لتوطيد علاقتها الاقتصادية
والأمنية مع دول المنطقة لاسيما روسيا والدول الساحلية الأخرى المطلة
على البحر الأسود، وفى هذا الإطار تقاوم تركيا بشده فكرة توسيع عمليات
حلف شمال الأطلنطي هناك، وذلك لعدة أسباب لعل أبرزها؛ عدم تغذية
التخوفات الروسية، تلافي حدوث التداعيات الوخيمة التي قد تنتج من جراء
توسيعها على سبيل المثال وليس الحصر زعزعة الاستقرار في المنطقة أما
فيما يتعلق بمنطقتي القوقاز وبحر قزوين، يُشير الكتاب إلى أن المصلحة
التركية الرئيسة في المنطقة هي الحفاظ على الاستقرار ، مما يسمح لها
توسيع تجارتها الإقليمية ويعزز دورها كمركز رئيسٍ لتوريد وتصدير
الطاقة.
على العكس من ذلك في وسط
آسيا، فالتدخل التركي في تلك المنطقة لا يزال محدودًا ويتمثل في تقديم
دعم لقوات حفظ الأمن الدولي في أفغانستان وتشجيع استخدام القوة الناعمة
بهدف إقرار إيجاد حالة من الاستقرار ودفع عجلة التنمية في أفغانستان،
ذلك فضلاً عن المبادرات التي تتبناها التركية لدفع كل من الحكومة
الباكستانية ونظيرتها الأفغانية نحو مزيدٍ من التعاون وإقامة علاقات
جيدة بما يتضمن ذلك من إجراء مباحثات بين البرلمان التركي والبرلمانات
الأفغانية والباكستانية وفى هذا الإطار ينصح الكتاب الولايات المتحدة
بضرورة دعم الجهود التركية في المنطقة من خلال ما يلي:
أولاً: المساعدة في كبح
جماح الهجمات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني في المنطقة.
ثانيًا: على إدارة أوباما
العمل على مساعدة تركيا لإقرار الاستقرار والتعاون في منطقة القوقاز.
ثالثًا: تقديم الدعم
للجهود التركية لاسيما في المجالات الاقتصادية والأمنية في منطقة البحر
الأسود.
تركيا:
جسرٌ للطاقة
يلعب الموقع الجغرافي
لتركيا دورًا كبيرًا في كونها أحد أهم الممرات العالمية لعبور وتصدير
مصادر الطاقة المختلفة ـ سواء أكانت نفطية أم غازيةـ، بحيث إنها تشترك
في حدودها مع بعض دول منطقة الشرق لاسيما العراق وإيران، فضلاً عن
جوارها لكل من روسيا ومنطقة بحر قزوين. وفى هذا السياق يستعرض الكتاب
أهم خطوط الأنابيب النفطية والغازية التي تشترك فيها تركيا مع دول
جوارها لعل أبرزها ما يلي:
الأول: خط أنابيب البترول
كركوك ـ جيهانKirkuk ـ Ceyhan
oil Pipeline ؛ ترجع أهمية هذا الخط لكونه ينتج حوالي 1.6 مليون
برميل يوميًّا بحيث يتم من خلاله تصدير البترول العراقي عبر البحر
الأبيض المتوسط إلى أوروبا.
الثاني: خط أنابيب غاز
إيران ـ تركيا Iran ـ Turkey gas pipeline؛ حيث
تم الانتهاء من إنشائه في عام 2002 بعد سنوات من التأخير، بحث يبلغ
إنتاجه السنوي ما يربو من 10 بليون متر مكعب من الغاز.
الثالث: خط أنابيب غاز
بلو ستريم Blue stream؛ يمر هذا الخط تحت مياه
البحر الأسود والذي يربط مباشرة بين تركيا وروسيا، وقد بدأ في العمل من
بدايات عام 2005 بعد سنوات من التأخير نتيجة أزمة تسعير الغاز بين كل
من روسيا وتركيا.
الرابع: خط أنابيب بترول
باكوـ تبيسلى – جيهان Baku ـTbilisiـ Ceyhan oil
pipeline؛ بدأ هذا الخط في العمل من بدايات عام2006 بطاقة
إنتاجية قدرها 850 ألف برميل يوميًّا من الحقول الساحلية في أذربيجان
إلى البحر المتوسط.
الخامس: خط أنابيب غاز
جنوب القوقازSouth Caucasus gas pipeline؛ يربط
هذا الخط الذي بدأ في العمل بحلول عام 2007 بين الحقول الساحلية للغاز
في شاه دينزShah Deniz بأذريبجان إلى تركيا عبر
جورجيا، بحيث يبلغ إنتاجه اليومي إلى ما يقرب من 8 مليون متر مكعب.
السادس: خط أنابيب غاز
تركيا ـ اليونانTurkey – Greece؛ تم الانتهاء من
إنشائه في نهاية عام 2007 بطاقة إنتاجية قدرها 7 مليون متر مكعب في
العام مع إمكانية زيادة تلك الطاقة إلى 11 مليون بعد الانتهاء من إنشاء
مرحلته الأخيرة بين كل من اليونان و إيطاليا.
السابع: مشروعات خطوط
الأنابيب العابرة للمضايق التركيةTurkish straits
bypass pipelines Projects ؛ الذي يربط بين منطقتي سامسونSamsun
وجيهانCeyhan بحيث يشمل هذا المشروع خطين أنابيب
رئيسين. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع ليس الأول من نوعه فقد تم
مناقشة عديدٍ من أمثال هذا المشروع طوال الخمسة عشر عامًا الماضية داخل
تركيا دون وضع رؤية واضحة ولا قرارات رسمية تقضي بتنفيذيها.
الخيارات الأمريكية في المنطقة
يُؤكد الكتاب على أن
الولايات المتحدة عليها أن تقوم بتعظيم مكاسبها من الطاقة في المنطقة
عبر تقوية أواصر علاقتها مع تركيا من خلال ما يلي:
أولاً: دعم الدور التركي
كجسر لتصدير للطاقة إلى الأسواق العالمية.
ثانيًا: زيادة ورادتها من
الغاز لاسيما من منطقتي وسط آسياCentral Asia
وبحر قزوين Caspian Sea وذلك اعتمادًا على السبل
الدبلوماسية.
ثالثًا: على إدارة أوباما
اختيار مبعوثين على قدر كاف من الخبرة يكونون مسئولين عن تعزيز وتنسيق
الالتزامات الأمريكية مع حكومات دول وسط آسيا وبحر قزوين لاسيما في
مجال الطاقة.
رابعًا: تطوير استراتيجية
جديدة لدعم التطورات المتزايدة في المنطقة لاسيما الدعم الاقتصادي
لمشروعات الأنابيب التي تربط عديدًا من الدول بعضها ببعضٍ بخاصة الخط
الذي يربط بين كل من تركيا واليونان وإيطاليا.
خاتمة:
إن النخبة
الأكاديمية والسياسية في أمريكا قد أصبحت على يقين كامل وبشكل لا ريب
فيه أن الدور التركي - سواء أكان في منطقة الشرق الأوسط أم خارجها ـ
على درجة كبيرة من الأهمية والتأثير، وأن على الولايات المتحدة إذا
أرادت تحقيق مصالحها الاستراتيجية أن تعمل على قدم وساق؛ لتدعم ذلك
الدور وتسانده وفى هذا السياق جاء اختيار الرئيس أوباما المدروس لتركيا
لتكون المحطة الإسلامية الأولى له لتدعيم ذلك الاتجاه باعتبار ما تمثله
تركيا من أهمية استراتيجيه لاسيما مع تنامي دورها الإقليمي في الشرق
الأوسط، وموقعها الاستراتيجي بين أوروبا ودول الجنوب، فضلاً عن
علاقاتها الوطيدة بالقوى الإقليمية المختلفة خاصة الدول التي تربطها
بالولايات المتحدة علاقات مباشرة سواء كانت سلبية أو إيجابية. كما حملت
تلك زيارة رسالة أمريكية مفادها أن الولايات المتحدة تدعم انضمام تركيا
للاتحاد الأوروبي مما أوسع صدر الأتراك، وبالتالي تجلت فكرة تبادل
المصالح مع تركيا في حد ذاتها، وليس التقارب مع العالم الإسلامي كما
يظن البعض.
وكل ذلك
بحسب رأي الكاتب نصاً ودون تعليق.
المصدر: taqrir.org
|