الرؤية الأمريكية في دور تركيا الإقليمي

 

زياد عبدالوهاب النعيمي

  

 

مقدمة:

تشهد المنطقة العربية والإقليمية تطورات ايجابية واضحة وملموسة كان لها أثرها في تحديد ملامح السياسات الخارجية لها ، فضلا عن اشتداد المنافسة بين هذه القوى من اجل كسب ادوار فعالة في تنمية العلاقات الاقليمة وصولا إلى العلاقات الدولية التي تؤثر وتتأثر بكل علاقات ايجابية أو سلبية تطرحا المتغيرات الدولية في عالمنا المتغير وعند الحديث عن واقع المنطقة الاقليمة على وجه العموم والمنطقة العربية على وجه خاص نجد أن اللاعبين الأساسيين في تفعيل الدور الايجابي نحو بناء علاقات تكاملية من النواحي السياسية والاقتصادية والقانونية تصب في خدمه تعزيز مراحل التلاحم الإقليمي أو التكتل الإقليمي مما يضع في حسبان الدول الكبرى أهمية مراجعة نفسها تجاه كل خطوة تخطوها هذه التكتلات الإقليمية.من خلال قراءة متأنية يمكن أن نتلمس أدوارا تلعبها القوى الإقليمية اليوم في المنطقة ذات اثأر ايجابية واضحة ويمكن أن نأخذ تركيا مثالا على هذا الدور الحيوي والمحوري في السياسة الاقليمة  باعتبارها ابرز القوى الفاعلة من ناحية بناء وترصين العلاقات الإقليمية لذلك فان الواقع اليوم ينبئ عن دور ريادي سوف تكون محوره تركيا وإطرافه الدول التي تريد بناء علاقات إقليمية ذات طبيعة سلمية قائمة على تبادل المصالح ، حيث كسبت تركيا عمقا استراتيجيا في المنطقة العربية والإقليمية وخاصة بين العرب والإيرانيين. وأصبحت الآن على أتم الاستعداد للتحول إلى قوة إقليمية تتمحور حولها السياسة وتدور في فلكها المصالح الخاصة بالدول الكبرى لتجعل منها شريكا أساسيا في عملية التحول الايجابي نحو بناء علاقات مع الدول الإقليمية من خلال تركيا. إن تركيا اليوم بدأت باتجاهاتها الواضحة والصريحة في دعم الكثير من القضايا العربية فيما يخصها وحتى التي تجد إنها حريصة عليها من باب الوفاء لجيرانها، وبالنسبة للقوى المؤثرة في المنطقة العربية والإقليمية التي تحاول أن تؤثر على العرب من خلالها لكنها وجدت أن تركيا حليفا قويا للعرب في صد أي رغبة غير قانونية في المنطقة ابتدءاً من رفضها التعاون مع القوات الأمريكية باحتلال العراق عام 2003 وانتهاءاً بمغادرة السيد اردوغان منتدى دافوس من اجل قضية عربية( غزة )التي ذبحها عدوان إسرائيلي مدعوم.                             

العلاقات التركية الأمريكية

- شراكة..... بشروط

‏‏تشهدت السياسة الخارجية التركية، خاصة منذ وصول حزب " العدالة والتنمية " إلى الحكم في العام 2002، تغيّرات جوهرية ذات صفة ايجابية مهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، ذلك ان تركيا بدأت تلعب دورا متميزا وفاعلا في السياسة الخارجية وقضايا العرب والقضايا الإقليمية على العموم ما دفع الغرب الى إعادة النظر بالعلاقات معها حرصا على الشراكة الاستراتيجية من اجل حل القضايا المتعثرة التي لايمكن حلها ألا بواسطة قوى إقليمية فاعلة مثل تركيا ، هذا الأمر حوّل تركيا إلى مركز في السياسة الدولية، تحاول توظيف قدرتها الفاعلة من اجل حل المشاكل المتعلقة بالمنطقة الإقليمية ورغم أن العلاقات بينهما مرت أحياناً بفترات توتر لا سيما في أعقاب تفجر الأزمة القبرصية عام 1974 إلا أنها كانت تعود الى حالة من الاتزان والتأني بسبب حاجة الغرب إليها وقد تجلى ذلك بصورة خاصة بعد توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين في 10 كانون الثاني عام 1980 والتي أعطت دوراً متميزاً لتركيا على الصعيد العسكري والاستراتيجي في المنطقة فهذه (الاتفاقية) جاءت عقب قيام الثورة الإسلامية في إيران والاجتياح السوفيتي لأفغانستان. كما أن تركيا استفادت من هذه الاتفاقية بالحصول على ترسانة عسكرية ضخمة من الدول الغربية، وزيادة المساعدات المخصصة لها.وبقيت العلاقات بين البلدين بين مد وجزر حتى في عهد بوش الابن الذي ابتعد عن تركيا أو حاول إهمال أي تعامل استراتيجي معها خصوصا بعد أن رفضت تركيا دخول القوات الأمريكية إلى العراق عبر أراضيها عام 2003 .

بعد تسلم الرئيس الأمريكي اوباما منصبه خلفا لبوش الابن ، بدأت سياسة التغيير واضحة من خلال جهد حاول من خلاله اوباما أن يصحح أخطاء سلفه وان يلمع صورة أمريكا التي ساءت علاقاتها مع الدول محاولا التخلص من هذه السلبيات وفتح صفحات جديدة في المنطقة العربية وغيرها من المناطق الأخرى ،وبالنسبة لتركيا فقد حاولت الولايات المتحدة أن تعزز علاقاتها الثنائية معها خاصة بعد ان  كان لتركيا موقفها الواضح من قضية احتلال العراق عام 2003 ماسمح لتركيا أن يكون لها الدور الايجابي من الحرب على العراق برفضها الصريح الذي لم تستطع بعض الدول العربية أن تمنعه أو توقفه ، وقد لخص رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان رؤيته للعلاقات التركية- الأمريكية بالقول إن “علاقاتنا تقوم على القيم السياسية المشتركة والشراكة الإستراتيجية”. وبالاستناد إلى هذه الرؤية لجوهر العلاقات التركية- الأمريكية دخل إردوغان في تفاصيل علاقة بلاده بأمريكا بالقول إن “العلاقات متعددة البعد بين تركيا والولايات المتحدة تصير أكثر عمقا وقوة كل يوم”مؤكداً أن البلدين يتعاونان في أفغانستان وفي العراق وإعادة أعماره، ولهما أفكار مشتركة في ما يتعلق بقبرص كما أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين في نمو مستمر وهناك تبادل للآراء رفيع المستوى في المحافل الدولية.أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أعرب لنظيره التركي عبد الله غول ورئيس وزرائه رجب طيب أردوغان عن أمله في تقوية الروابط مع أنقرة، كما عبر عن تأييد الولايات المتحدة للعلاقات المتنامية لتركيا مع العراق حيث أشار بيان للبيت الأبيض أفاد بأن الزعماء ناقشوا في المحادثتين بعض القضايا الراهنة ومنها أهمية التعاون في جهود السلام في الشرق الأوسط ومراجعة الولايات المتحدة لسياستها بشأن أفغانستان وباكستان إضافة لتأييد الولايات المتحدة للعلاقات التركية العراقية المتنامية، كما أكد بيان البيت الأبيض أن أوباما أكد على أهمية التحالف بين الولايات المتحدة وتركيا وعبر عن رغبته في العمل بشأن جدول أعمال عام من الاهتمام الاستراتيجي المتبادل والعمل معا بشكل فعال في حلف شمال الأطلسي في المقابل، أعلن مكتب أردوغان أن رئيس الوزراء شدد على التعاون الاستراتيجي بين البلدين معبرا على وجه الخصوص عن حساسيات تركيا بشأن أرمينيا وسياسات الشرق الأوسط، ومؤكدا على ضرورة أن تنتهج الولايات المتحدة سياسة نزيهة غير متحيزة حتى لا تضر بالعلاقات بين البلدين، حسب رأيه ومع كل ما سبق،‏ فإن معطيات التحالف الأمريكي ـ التركي التي ترسخت في عهد حزب العدالة الحاكم ،‏ خاصة وأن تركيا وكما يذهب البعض نجحت في دمج حضورها الجغرافي ودورها التاريخي وقوة اقتصادها ونفوذ مؤسستها العسكرية في صياغة مشروع جديد.‏

وهناك من يرى أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس باراك أوباما، قد بذلت كل جهدها لإعادة هيكلة وضع علاقاتها مع تركيا وستأتي بأجندة كاملة محاولة منها لتحسين علاقاتها مع تركيا من خلال تعزيز علاقاتها  الاقليمية وأولها في الشأن العراقي الذي يعد ذات أولوية للأجندة الأمريكية في المنطقة، وتفعيل التعاون المشترك بين أنقرة وواشنطن ويرجح المراقبون أن تطلب أنقرة مقابل أي تعاون مع الأمريكيين في الملف الإيراني، صفقة شاملة تحصل فيها مقابل هذا التعاون على تعهد أمريكي بمكافحة أنشطة حزب العمال الكردستاني، وتشير التقديرات إلى أن العلاقات التركية الأمريكية مقبلة على مرحلة جديدة من مراحل التحالف الإستراتيجي بين البلدين. وهذا التحالف من منظور إقليمي هو مرحلة تحضير وتمهيد لترتيبات إقليمية جديدة وسيناريوهات متعددة في المنطقة تلعب فيها تركيا دورا كبيرا وفاعلا،وتبدو الأمور في حالة وفاق بين الدولتين علي صعيد السياسة الخارجية‏,‏ كما أن كليهما ينسجم مع الطروحات الأمريكية الأساسية للمنطقة والتي سيكون دور تركيا فيها فاعلا ،  وستكون إدارة أوباما مستعدة علي الأرجح للتعاون مع تركيا في إطار سياسة واقعية أكثر مرونة في التعاطي مع قضايا المنطقة‏,‏ ,‏ إذ أن جميع المتغيرات تشير إلى أن أوباما سيتبنى سياسات إقليمية قائمة على التهدئة والحوار دون التنازل عن تحالفات بلاده الأساسية مع  الدول المؤثرة في المنطقة ومنها تركيا.

تحسين العلاقات التركية-الأميركية يعتمد بشكلٍ كبير على التحّولات السياسية الكبرى من الجانب الأميركي في عدة ميادين ، والضغط على الأطراف المعنية من اجل التوصل نحو تحقيق تسوية للنزاع تعود إلى تحّول ايجابي جوهري في المناخ السائد في المنطقة العربية والإقليمية  وتحقيق مطلب تركيا في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي والإسهام خاصة بعد الإعلان الصريح الذي أدلى به مؤخرا باراك اوباما في قمة العشرين  في نيسان 2009 حين دعا الاتحاد الأوروبي إلى قبول تركيا في عضويتها والذي قوبل برفض فرنس صريح أيضا على لسان الرئيس الفرنسي ساركوزي. وهذا يكشف أن تركيا  هي (دولة محورية) فيما يخص السياسة الخارجية الأميركية تجاه العالم الإسلامي وفي الواقع العلاقات التركية الأمريكية هي علاقات استراتيجية محورية مرشحة للمزيد من التطور بسبب أهمية كل طرف للآخر في تحقيق تطلعاته حيث تتقاطع المصالح والمواقف بشأن العديد من القضايا الحيوية في العالم مما يهيئ على الدوام قيام تحالفات استراتيجية مهمة ومحورية يكون لكل طرف شروطه .. إذ نلاحظ أنّ الإدارة الأمريكية اليوم تحتاج إلى تركيا أكثر من أي وقت مضى، لكي تلعب دورا في سلسلة من الأدوار في المنطقة الإقليمية والعربية .

مبررات التقارب الأمريكي لتركيا

من هنا يثار تساؤل مفاده، ماهي مبررات التقارب الأمريكي التركي اليوم خاصة ان تركيا اتجهت نوعا ما إلى أوروبا وابتعدت عن الولايات المتحدة ؟

للإجابة عن هذا السؤال يمكننا القول أن مبررات التقارب الأمريكي التركي يمكن إجمالها في النقاط آلاتية:-

1- في الماضي القريب أصاب العلاقات الأمريكية التركية نوعا من التدهور بسبب التطورات السريعة التي شهدتها المنطقة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر على الولايات المتحدة فضلا عن الغزو الأمريكي للعراق. فعلى الرغم من التلكؤ الأوروبي في قبول تركيا عضواً بالاتحاد الأوربي، فإن أنقرة تتحرك بعيداً عن الولايات المتحدة، وفي اتجاه أوروبا سعيا وراء انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وهي بذلك تحقق تقاربا أوروبيا مع الاتحاد وكل الدول الأوروبية وتحقق نجاحا أخرا في إبعاد أي تأثير أمريكي عليها باعتبارها دولة فاعلة في المنطقة اليوم .

2-عملت تركيا على تحسين روابطها الاقتصادية مع روسيا المنافس القديم الجديد للولايات المتحدة الأمريكية والتي ربما تلعب دورا حيويا في المنطقة الإقليمية لتعزز مكانتها وتعيد شبح الحرب الباردة إلى العلاقات.وهذا ماترك قلقا عميقا لدى الادراة الأمريكية من عودة النفوذ الروسي إلى المنطقة خاصة بعد ان كانت ملامح الحرب الباردة وما تزال تلوح في الأفق . حاجة الولايات المتحدة الأمريكية إلى تركيا بسبب التوجهات الروسية في المنطقة وخاصة منطقة القوقاز مما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة ترتيب أوراقها الدولية لإقامة شراكة مع تركيا في مواجه روسيا المنافس القديم الجديد لامريكا .

3- بدأت تركيا في التحرك بعيداً عن إسرائيل "حليف أمريكا الاستراتيجي في الشرق الأوسط"، حيث اتهمتها بممارسة إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين وهو ماتعزز في منتدى دافوس الاقتصادي حين غادر السيد اردوغان المنتدى بعد ان اسمع الاسرائليين حقيقتهم الإجرامية في فلسطين وهو ماعزز التقارب العربي التركي أيضا .

4- التقارب العربي التركي عموما والتقارب التركي الخليجي على وجه الخصوص وإقامة شراكات إقليمية سيؤدي بالنتيجة إلى تقوية الدور التركي في المنطقة العربية والإقليمية ويعزز من مكانة تركيا اليوم أمام التطورات الدولية الراهنة والمقيدة بالتفاعل الإقليمي أكثر من الاعتماد على الدور الدولي .

5- حاجة الولايات المتحدة الأمريكية إلى انسحاب مسؤول من العراق ، حيث ان العلاقات التركية الأمريكية تراجعت بسبب عدم قبول تركيا وهي العضو الفاعل في حلف شمال الأطلسي من عدم دخول القوات الأمريكية العراق عبر الأراضي التركية مما جعل الولايات المتحدة تحسب لموقف تركيا الجارة للعراق حسابا أخر ، لذلك هي تسعى إلى التقارب لتؤمن انسحابا مسؤلا من العراق عبر تركيا مما يجعل دور تركيا أكثر ايجابية .

6- الدور المحوري والحيوي الذي ستلعبه تركيا في معالجة الأزمات الإقليمية في إيران خاصة بعد زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وتوجيه رسالتها إلى إيران تحمل في مضمونها الرؤية الأمريكية الجديدة في عهد اوباما لإيران وملفها النووي الشائك. ويؤكد هذه الحقيقة، أن واشنطن رفضت دور الوساطة الذي عرضته أنقرة، للتوسط بينها وبين طهران، بعيداً عن محاولات عزل إيران ومعاقبتها اقتصادياً، بل العمل على إدخالها شريكا في  والحوار معها بشأن الاستقرار في المنطقة. وأكثر من ذلك تفاقم الخلاف بين واشنطن وأنقرة، بشأن إيران، عندما رفضت تركيا العمل بنظام العقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة والأمم المتحدة على إيران، بل ذهبت تركيا أبعد من ذلك، بتعزيزها العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع إيران، خصوصاً في مجال الطاقة. حيث لعبت الدبلوماسية التركية دوراً مهماً في الملف النووي الإيراني، فاجتمع كبير مفوّضي شؤون السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (خافيير سولانا) مع كبير المفاوضــــين الإيرانيـــين (علي لاريجاني) في أنقرة عدة مرات حرصا منها على عدم إحداث اضطرابات داخل النطاق الإقليمي بعد تهديد الولايات المتحدة لإيران بالعمل العسكري .

7- أهمية تركيا في العالم الإسلامي اليوم ، خاصة بعد وضع تقرير غربي وقع عليه كبار المسؤوليين الغربيين ومنهم مادلين أولبرايت وريتشارد ارميتاج وصفوا تركيا بأنها الأهم في العالم الإسلامي وأكدوا دورها الإقليمي كذلك.

8- تعاظم دور تركيا السياسي في المنطقة وتوسع نفوذها ترافق مع انفتاحها على جيرانها العرب وبالذات (سوريا)، والتي تنظر الحكومة التركية إليها بوصفها 'دولة إستراتيجية إقليمية' لا يمكن تحقيق أي تقدم في عملية السلام من دونها،وقد تعززت هذه العلاقة في مرحلة اكثر تطورا ومتانة حين قام رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب أردوغان لدمشق عام 2004، والتزام تركيا الصمت وعدم التأييد للضغوط الدولية والإقليمية بقيادة واشنطن ضد سوريا في 2003 لكي تسحب قواتها من لبنان، مما أثار استياء واشنطن. وازدادت العلاقة توتراً بعد توطد التحالف بين سوريا وتركيا، فضلا عن ذلك يلاحظ ان تركيا سعت الى قيام المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل والتي بدأت في ربيع العام الماضي.

9- وبالنسبة للعلاقات العراقية التركية ، التي تنامت في الوقت الحاضر بسبب من التقارب في السياسة الخاصة بكلأ البلدين وبغية تعزيزها كان لابد لتركيا أن تشرح مشاكلها الخاصة والمرتبطة بمشاكلها مع العراق من خلال وجود قواسم مشتركة وملفات عالقة بانتظار الحل الجذري لتتهيأ الفرصة لعودة العلاقات بين البلدين الجارين ،ويمكن القول أن أي تدعيم للعلاقات المشتركة بين البلدين لابد أن يكون لفائدة المنطقتين العربية والاقليمة مما يعزز فرص تحقق السلام في داخل المنطقة التي تشهد توترات وتبادل اتهامات وضغوط خارجية محاولة النيل من أي تقارب مزمع ،ويمكن أن تتبين حجم أهمية هذه العلاقات على المستوى الدولي من خلال الدعم الأمريكي الصريح لتعزيز العلاقات مما يسمح بإقامة شراكة اقليمبة مستقبلا بين العراق وتركيا ومن بين أهم المؤثرات الواضحة في تعزيز هذه العلاقات وأهميتها ،نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وهي لاعب رئيس في المنطقة يؤثر ويتأثر فيها قد أعلن صراحة أهمية هذه العلاقات من باب توفير الأمن مما يسمح لعدم تعرضهما إلى أي ضغوط خارجية تؤدي بالعلاقات إلى التردي مما يؤثر على مستقبل القوات الأمريكية في المنطقة ويعزز فرص الانسحاب من العراق مما يقوض الجهود الأمريكية في العراق والمنطقة ، لذلك فان التقارب العراقي التركي أمر لابد منه في المنطق العام لكون أن الدولتين جارتين وتربطهما مصالح مشتركة كثيرة ، فضلا عن ذلك أن لكلتي الدولتين مع الأخرى مصالح متبادلة ناهيك عن محاولات التكامل الإقليمي التي تجري في المنطقة بين دول الخليج العربي وتركيا والتي يمكن للعراق أن يكون طرفا فاعلا فيها مستقبلا.

فاعلية الدور التركي

يمكن القول أن تركيا اليوم تلعب دورا لايستهان به في الواقع الإقليمي والدولي وهي نتيجة السياسة المعتدلة والهادئة التي يتسم بها الزعماء هناك والرغبة الحيادية في تبني علاقات قوية ومنهجية ورصينة مع الدول الجارة ، فقد وجدت فيها واشنطن أن دورها على الصعيدين الإسلامي والعربي لايمكن الاستغناء عنه ولايمكن تركه دون إقامة علاقات ثنائية متطورة تضع في حسبانها أن تركيا دولة قد فرضت نفسها على الغرب بسبب دورها المتوازن مما دفع الغرب إلى اللجوء إليها واعتبارها شريكا دوليا وإقليما لايقل أهمية عن غيرها من الدول الحليفة ، لكن مايميز تركيا إنها أقامت شراكتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بشروط ومتطلبات فرضتها على الغرب عموما وعلى أمريكا خصوصا كي تدخل طرفا لايستهان به بل تضع له الإدارة الأمريكية حسابا كبيرا لدى ارتكابها اخطاءا مستقبلية في المنطقة.

إننا نجد أن تركيا لابد أن تكمل هذا الدور الذي بدأته بخطوات صحيحة وسليمة ودون أن تؤذي أو تهدد امن دولة معينة أو تعمل على مساعدة الغرب في التدخل في شؤون الدول الإقليمية بل كانت سياستها منذ دخول الأمريكان للعراق وحتى العدوان على غزة موقفا مشرفا يشار إليه بالسياسة الصحيحة والحكيمة والمعتدلة في منطقة لاتخلو من الضغوط الدولية والأزمات الداخلية والصراعات المتواصلة.تركيا اليوم لاعب فاعل في المنطقة الإقليمية ولاعب مؤثر في السياسة الإقليمية ولذلك فانه من الممكن أن يكون لها دورا فاعلا في الأدوار الدولية او التمثيل الدولي وربما تتعزز المنطقة بظهور تركيا لتقف سدا منيعا بوجه المطامع الغربية في المنطقة العربية والإقليمية على حد سواء غير أن ما تريده تركيا من دور لها في شؤون وقضايا المنطقة واستقرارها، لا يعتمد على الرغبة التركية فقط، وإنما على مواقف وأدوار الأطراف الأخرى وتعاونهم، إقليميا ودوليا، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. ومن هنا تجدر مراقبة تطور الأحداث خلال الأشهر المقبلة، ورؤية ما إذا كانت تسير نحو رؤية مشتركة وتعاون بين واشنطن وأنقرة، أم العكس. وهذا يعزز الرأي الذي يؤيد  "إمكانية قيام تركيا بدور الوسيط الايجابي لحل بعض القضايا العالقة، على اعتبار ان تركيا دولة ذات عمق استراتيجي ثقيل"خط السياسة الجديد هذا وضع أنقرة في موقع تجد فيه نفسها تقدم النوايا الطيبة للوساطة في حوار سوري-إسرائيلي والضغط على دمشق من أجل تحقيق إصلاح داخلي فضلا عن المسالة النووية الإيرانية الشائكة حيث نجد أن تركيا، اتبعت سياسة ثابتة في إقناع إيران من أجل تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة. أما سياسة تركيا الخارجية فهي ليست ببساطة مجرد انعكاس لسياسة الغرب ، مع ذلك تختلف أنقرة بشكلٍ جذري عن الغرب في سياستها تجاه الحكومة الفلسطينية. وخاصة بعد العدوان الأخير على غزة الذي أعقبه رفض تركي واضح وحيوي في إسماع الغرب صوت تركيا باعتبارها دولة ذات بعد إقليمي ترفض هذا العدوان وترفض أساليب إسرائيل في التعامل المسلح مع الفلسطينيين هذا الموقف عزز من المكانة الاقليمية لتركيا عموما ولدى الدول العربية على وجه الخصوص أن تركيا تلقى قبولا وترحيبا من الأوساط العربية والإقليمية لانها وقفت الى جانب القضايا العربية التي عجز فيها العرب عن المطالبة بها او النهوض بها كالحرب على غزة عام 2008 والتي وقفت فيها تركيا موقفا ايجابيا أكثر من الدول العربية التي عجزت على إقامة قمة طارئة إلا بعد فترة طويلة.تركيا اليوم أثبتت متانة وحرص عميقين من اجل دعم القضايا العربية لذلك نجد ان الغرب يحاول اللجوء إليها باعتبارها شريكا إقليميا فاعلا في المنطقة،ولذلك نجد أن أي تحالف أمريكي تركي ستكون فيه الغلبة لتركيا لانها ستكون طرفا يفرض شرطه للتحالف أو بمعنى أخر يتحالف بشروطه التي يضعها هو لا التي تفرض عليها ...لقد أظهرت القوة الدبلوماسية في السياسة الخارجة التركية مقدار الترتيب العقلاني والاتزان في القرار السياسي الخارجي والداخلي والذي عجل من عملية التطور الخارجي لموقع تركيا الإقليمي والدولي على حد سواء ، تركيا وهي تخطو بسرعة محسوبة ومسؤولية باتجاه دور فاعل لاتنسى جيرانها العرب وبالتالي من خلال هذا الموقف الايجابي تجاه العرب جعل كمن تركيا حليفا استراتجيا مع العرب يقاسمه همومه ومشاكله ويشاطره المواقف الايجابية من اجل دعم القضايا العربية التي يجد العرب في تركيا إنها جديرة بالتحالف لأنها أثبتت صدق سياستها وعمق علاقتها مع العرب ، أما الغرب وبخاصة الولايات المتحدة فتجد في تركيا شريكا يؤثر ويتأثر ويلعب دورا إقليميا وهي أساس متين للعلاقات والتحالفات لأنها دولة بدت قوية اليوم بفضل حكمة زعمائها عليه فان أي تحالف تركي مع الغرب أو مع  الولايات المتحد الأمريكية أن تم فسيكون بشروط تركية خالصة.

* مركز الدراسات الاقليمية - جامعة الموصل 

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب نصاً ودون تعليق.

المصدر: إيلاف - 23-5-2009