منظمات
المجتمع المدني والدور المطلوب
د.أحمد
باهض تقي
لم يعرف العراق عبر
تاريخه الحديث مانعرفه اليوم بمنظمات المجتمع المدني، سوى ما عرفه من
تميز لأقدم منظمة مدنية كان قد عرفها عبر التاريخ ألا وهي العشيرة أو
القبيلة التي قدمت نموذجا للدولة أحيانا أو نموذجا للدولة – الأمة
أحيانا أخرى فلا غرابة أن تسمى دولة بأكملها باسم ولقب قبيلة معينة مع
وجود التنوع الاجتماعي القبلي فيها.
ويعد العراق من الدول
المتأخرة التي عرفت مفهوم منظمات المجتمع المدني بشكله العصري والحديث،
وذلك يعود إلى طبيعة الأنظمة الاستبدادية التي تعاقبت على حكم هذا
البلد ذو التاريخ العريق، تلك الأنظمة التي لم يرق لها في يوم ما أن
تبرز مراكز قوى جديدة متنوعة داخل المجتمع من شانها أن تسحب جزءا ولو
بسيطا من سلطاتها المطلقة، أو تشير ولو بإشارة بسيطة إلى عيوب أو نواقص
فيها أو حقوق للمجتمع ترجو تحقيقها وبعد
التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حصلت في العراق بعد
نيسان 2003 إبان سقوط وانهيار النظام الديكتاتوري السابق، برزت وبشكل
واسع ماعرف اصطلاحا بمنظمات المجتمع المدني، هذه المنظمات التي تعد
بالآلاف كرقم مسجل لدى الجهات ذات العلاقة، لكنها في حقيقة الأمر وعلى
مستوى النشاط المجتمعي لا نجد أن ذلك النشاط يوازي ذلك الرقم الكبير
المعلن.
ومن هنا يمكن القول إن
ذلك يعود لجمله من الأسباب لعل من أهمها:
1. ارتباط الكثير من هذه
المنظمات بالأحزاب السياسية بحيث إنها تتلقى دعما ماليا ومعنويا يجعل
من الصعب لهذه المنظمات إن تقف المواقف المطلوبة حيال الكثير من
القضايا وبالتالي فإنها تستمد مواقفها من مواقف الجهة المرتبطة بها
وهذا يجعلها مسلوبة الإرادة والقرار.
2. هناك العديد من
المنظمات غير الحكومية التي تعتمد على التمويل الدولي عبر منظمات الأمم
المتحدة أو مكاتب الدول المانحة أو المنظمات غير الحكومية الدولية،
وهذه المنظمات في حقيقة الأمر أصبحت تؤدي أدوارا مرسومة لها داخل
المجتمع العراقي وفقا لأجندات ربما تتعارض في بعض الأحيان مع طبيعة
المجتمع العراقي ولكن لايمكن القول بالجزم إن أعمالها غير مستحسنة بل
أنها قامت بالعديد من المهام والانجازات التي يشار لها لكنه للأسف
يلاحظ عليها عدم تعاونها مع المنظمات المحلية بشكل متساوي وعادل بل
أنها تتعامل مع عدد محدود من هذه المنظمات لأسباب تتعلق كثيرا بالجانب
المالي، ولابد أن نشير أن عدد من هذه المنظمات أصبح أحزمة ناقلة للفساد
الدولي إلى المجتمع العراقي والتقارير التي أعلنتها الإدارة الأمريكية
بشان حالات التبديد المالي على مشاريع وهمية داخل العراق أشارت إلى
مساهمة منظمات غير حكومية بذلك، فلا نتعجب إذا منحت هذه المنظمات لباحث
معين خلال عشرة أيام مايقرب ألف وخمسمائة دولار بمقابل الشكر المعنوي
الذي يحصل عليه الباحث نفسه عندما يعمل مع منظمة محلية.
3. هناك عدد من المنظمات
غير الحكومية أصبحت وسطاء أي مقاولين ثانويين لتنفيذ برامج ومشاريع
تدريبية كانت قد حصلت عليها المنظمات المرتبطة بالمانحين وبالتالي أصبح
الهم الوحيد لديها هو الربح المالي ومن ثم فإنها بذلك فقدت الكثير من
مصداقيتها أمام المجتمع.
4. يوجد عدد مهم من
المنظمات غير الحكومية التي تزاول أنشطة متقطعة في أوقات متباعدة نتيجة
لاعتمادها على تبرعات من متبرعين محليين أو خارجيين مما جعلها عرضة
للابتزاز أو التلكؤ في انجاز أعمالها ولعل الكثير منها أصبح مجرد اسم
معنوي ورقم ضمن قائمة المنظمات غير الحكومية في العراق.
5. هناك عدد من المنظمات
غير الحكومية وهو قليل الذي يتمتع بالاستقلالية بالتخطيط والتنفيذ
والسلوك العام نتيجة لتوظيفها مواردها المالية بشكل صحيح واعتمادها على
مشاريع ذاتية استطاعت من خلالها تدوير الأموال المتحققة في تنفيذ
برامجها.
من هنا نخلص إلى نتيجة
مفادها وهي إذا أردنا أن نقوم ببناء مجتمع قائم على دعامات أساسية
وقوية لعل من أهمها منظمات المجتمع المدني فعلى الدولة الإسراع بإقرار
القانون الخاص بهذه المنظمات ومن ثم إبداء المساعدة وفي شتى المجالات
لها كي تنهض هذه المنظمات بأعباء مسؤوليتاها ولذلك سوف نجد أنفسنا إذا
ماتحقق ذلك أمام وضع جديد في العراق لعل ابرز مافيه ينبئ بوجود تكوينات
من شانها صياغة وصناعة مجتمع الرفاهية والعدالة والمساواة واللاعنف.
* مدير مركز الفرات
للتنمية والدراسات الإستراتيجية
وكل ذلك
بحسب رأي الكاتب نصاً ودون تعليق.
المصدر:fcdrs.com
|