اليهود والعرب ...الأساطير تتجدد

 

سعد محيو

 

 

اعتاد الغربيون على أن يطلقوا على الصراع العربي - “الإسرائيلي” الراهن على أنه صراع تاريخي مديد. وهنا للقصص الأسطورية الدينية شأو كبير في هذا التوّجه، حيث يفسّر كل شيء إما على انه تنفيذ لرغبة إلهية عتيقة، أو بأنه صراع بين الخير والشر والحال أن مثل هذا التفسير يقفز فوق فجوة تاريخية هائلة. فجوة عمرها 1400 سنة تمثّل جل التاريخ الاسلامي. وهذه القفزة، على أي حال، مبررة لمن يريد أن يبرر تاريخية الصراع العربي  “الإسرائيلي”. فحين يتم إغفال العهد الاسلامي المديد، تقام الصلة حينها فوراً بين أنبياء اليهود 2000 سنة قبل الميلاد بأسلاف اليهود 2008 سنوات بعد الميلاد وهكذا ينتصب بنيان الأسطورة شامخاً، وتصبح أحداث ما قبل الميلاد وكأنها وقعت الأمس أو حتى انها تحدث اليوم لكن الواقع غير الأسطورة. الواقع يشير الى أن اليهود طردوا مرة من أرض الميعاد على أيدي الرومان (أي الاوروبيين) وهو يشير أيضاً الى أن الفلسطينيين والعرب أقاموا في فلسطين لأكثر من 14 قرناً على نحو متصل. وهذا بالطبع لم يحدث في فلسطين ما قبل الميلاد.هذه الحقائق يفترض أن تصفي الحساب مع الانطباع السائد عن أن الصراع العربي  “الإسرائيلي” يمتد في جذوره الى داوود ونبوخذ نصر والبابليين والكنعانيين. وحتى لو كانت هذه الجذور الأسطورية موجودة، لكان يفترض بمئات السنوات التي قطن فيها العرب فلسطين أن تكتب على الاقل تاريخاً جديداً.  

يقول الباحث الأمريكي البارز ر. ستيفن هامفريز “مع الاعتذار لكل الأطراف، يجب القول إن عمر النزاع العربي  “الإسرائيلي” بالكاد يبلغ قرناً واحداً. إنه كان بشكل حاسم صراعاً للقرن العشرين. أما النصوص الدينية فهي مهمة فقط حين تستخدم لإضفاء القداسة على الأفكار والمواقف التي تكمن جذورها في العصور الحديثة” ويلاحظ هامفريز أيضا أنه من سخرية القدر أن معظم  اليهود كانوا خلال هذه السنوات يعيشون بقدر كبير من الأمن والبحبوحة في الأراضي الإسلامية. وهم (يضيف) استفادوا من التسامح التقليدي العثماني الذي يعود الى نهاية القرن الخامس عشر حين وجد اليهود المطرودون من إسبانيا الملجأ في سالونيكا، كما استفادوا من الاصلاحات السياسية العثمانية بعد 1865 حين يكون النزاع العربي  “الإسرائيلي” ابن عصره، تتغير الصورة الى حد كبير. فالاسطورة تنزاح جانباً، والصراع لا يعود خناقة حول تاريخ منغلق على نفسه لدى كل طرف. الآلهة الغاضبة في المعبد ستبقى غاضبة، لكن لن يسمح لها بالقفز من 2000 سنة قبل الميلاد الى العصر الحديث بالطبع، مسألة الشعور بأن المرء ضحية، وهو إحساس يدفع الى الشعور بالاذلال وبالغضب، ليس قصراً على العرب. يهود “إسرائيل” يشتركون في الشعور نفسه. لكن المفارقة الكبرى هنا أنه في حين يشعر العرب بأنهم ضحية “الإسرائيليين”، يشعر “الإسرائيليون” بأنهم ضحية الاوروبيين وكل العالم وهنا تكمن سخرية ترقى الى مرحلة التراجيديا: العرب و”الإسرائيليون” يشعرون معا بأنهم كانوا ضحايا الأوروبيين: العرب بسبب الاستعمار الاوروبي، واليهود بسبب اللاسامية الأوروبية. وهذه المعاناة المشتركة كان يفترض أن تدفع الى قيام أوثق العلاقات بين الطرفين لكن التاريخ لم يسر على هذا النحو.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب نصاً ودون تعليق.

المصدر: alkhaleej.ae