أميركا الجديدة والاستجابة الإيرانية

 

السير سيريل تاونسيند 

  

 

في العام الجاري 2009، تحل الذكرى الثلاثون لاختيار شاه إيران المنفى وإعلان جمهورية إسلامية في إيران تحت قيادة الخميني؛ وفي عام 2009 أيضاً ستجرى انتخابات رئاسية في إيران، في الثاني عشر من يونيو المقبل. والواقع أن 2009 يمكن أيضاً أن تكون السنة التي ينفد فيها "صبر" إسرائيل فتقرر قصف برنامج إيران النووي قبل أن تتمكن طهران من صنع سلاح نووي فيما حال كانت تلك هي بالفعل نية نجاد.

قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، شدد أوباما خلال حملته الانتخابية الطويلة على ضرورة التحدث مع رجال الدين الحاكمين في طهران بعد سنوات من الجمود الدبلوماسي؛ حيث قرر لعب الورقة السياسية المفهومة والمتمثلة في الحاجة في مجال العلاقات الدولية إلى الحديث مع الخصوم أيضاً، وليس الأصدقاء فقط. وأشفع هذه المبادرة بالدعوة إلى العمل على تحسين العلاقات مع العالم الإسلامي. وفي هذا الإطار قام أوباما خلال جولته الأوروبية الأخيرة بزيارة ناجحة إلى تركيا من أجل تدشين حوار مع البلدان غير المسيحية، كما دعا إيران إلى المشاركة في مؤتمر دولي حول أفغانستان. وعلاوة على ذلك، حرص على توجيه خطاب مصور إلى إيران يهنئ فيه القيادة والشعب الإيرانيين بمناسبة السنة الفارسية الجديدة ويمد لهم فيها يد الصداقة. غير أن عددا من المراقبين يلفتون إلى حاجة المبادرة إلى مزيد من الوضوح والمقترحات العملية.تصرفُ الإيرانيين أضر بسعي البيت الأبيض للمصالحة بين البلدين، وأظهر أن أحمدي نجاد لا ينوي تغيير وجهته ولا سبل الوصول إليها وفي شهر فبراير، بعث أوباما برسالة سرية إلى نظيره الروسي ميدفيديف يشير فيها إلى أن إقامة الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية، والتي أثارت حفيظة الكريملن، يمكن العدول عنها في حال تمكنت موسكو من إقناع إيران بالعدول عن السعي وراء برنامج نووي عسكري والحقيقة أننا لا نعرف ما إن كان أوباما يعتقد في قرارة نفسه بأن إيران يمكن أن تلين مواقفها وتتعاون مع الولايات المتحدة يوماً ما، لكن المؤكد هو أن أوباما درس جيداً الخطوة التي أقدم عليها، في ما يبدو، وخلص إلى أن من شأن عرض حوار جاد على طهران أن يبهر حلفاء الولايات المتحدة، المصدومين، لكون الحوار بين أميركا وإيران لم يجر كما ينبغي طيلة ثلاثين عاماً، منذ الاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران وما تلا ذلك من احتجاز للديبلوماسيين الأميركيين لأكثر من عام. ولاشك أن مستشاري الرئيس أوباما يدركون الحقيقة الثابتة في مجال الشؤون الخارجية والمتمثلة في أنه إذا لم تحرز المحادثات أي تقدم وظلت تراوح مكانها، فإنه يكون من السهل على المرء، في الداخل كما في الخارج، شرح لماذا ينبغي بحث إمكانية استعمال القوة وحسب ما علمتُ، فإن طهران تعاني، ومنذ سنوات عدة، من تنافس قوي ومحتدم بين وزاراتها الحكومية الرئيسية ومن الافتقار إلى تعاون مهني. ونتيجة لذلك، فإن رد الفعل على خطاب أوباما اتسم بالحذر والتفاوت، وهو ما يدفع إلى التساؤل بشأن رد الفعل الإيراني على أميركا الجديدة هذه.

لقد رأت طهران أن الحوار يمكن أن يتم على أساس المساواة والندية وبدون تهديدات، غير أن ما سيحدث لاحقاً أزعج الرئيس أوباما وشكل تحذيراً له؛ ذلك أن تصرف الإيرانيين أضر كثيراً بمخططات البيت الأبيض المتعلقة بمصالحة بين البلدين على المدى الطويل، وكان مؤشراً على أن نجاد لا ينوي تغيير وجهته ولا سبل الوصول إليها. ففي التاسع عشر من إبريل الجاري، حُكم على الصحافية الأميركية "روكسانا صبري" (31 عاماً)، بالسجن ثماني سنوات في معتقل "إيفين" بطهران، وذلك بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة. وقد صدر الحكم في جلسة لم تدم سوى دقائق معدودة. وقد حظيت هذه القضية باهتمام ومتابعة كبيرين من قبل الدبلوماسيين الغربيين الذين توصلوا إلى خلاصة مفادها أن الحكم تحركه دوافع سياسية، كما أشاروا إلى أن المتشددين في واشنطن كانوا يأملون أن يؤدي الحكم إلى تقويض مبادرة السلام التي جاء بها الرئيس الأميركي وعلاوة على ذلك، ألقى الرئيس أحمدي نجاد، في العشرين من إبريل الجاري، كلمة أمام مؤتمر الأمم المتحدة الثاني حول العنصرية في مدينة جنيف السويسرية. وقد كان الرئيسَ الوحيد الذي يشارك في هذا المؤتمر، ويبدو من خطابه أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية كانت حاضرة بقوة في ذهنه حيث وصف إسرائيل بأنها "أكثر نظام وحشية وعنصرية"، وقال إن "كلمة الصهيونية تجسد العنصرية التي تستند خطأ إلى الدين وتستغل المشاعر الدينية لتخبئ الكراهية". غير أن الدبلوماسيين الغربيين المشاركين في المؤتمر آثروا الانسحاب أثناء إلقاء أحمدي نجاد لكلمته؛ كما ندد أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بالخطاب واصفاً إياه بـ"خطاب الكراهية" ومما لا شك فيه أن معاملة العرب في أراضي عام 1948 مختلفة ولا ترقى إلى المعاملة التي يتلقاها اليهود، غير أن ثمة بالتأكيد طرقاً أخرى لتوضيح هذه المسألة في مؤتمر للأمم المتحدة، لاسيما إذا كانت عودة الدفء إلى العلاقات مع واشنطن أمراً مرغوباً فيه إيرانياً الآن والواقع أن احتمال تحسن العلاقات الإيرانية الأميركية احتمال كبير إذا ما كان ثمة رئيسان جديدان في البلدين، وهو أمر مؤمل، لكنه مستبعد في إيران، على أنه سيكون من الخطأ الفادح اعتبار الأمر مجرد مسألة تخص الشرق الأوسط. وشخصياً، أعتقدُ -وإن كنت أتمنى أن أكون على خطأ- نتانياهو يوجد في مزاج سيئ وخطير، ولا بأس من التذكير هنا بأن دعمه للاستيطان والمستوطنات، ومعارضته لاتفاقات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، في آخر مرة كان فيها على رأس هرم السلطة، تسببا في تعطيل عملية السلام وتجميدها إن مشكلة نتانياهو الرئيسية اليوم هي إمكانية انضمام إيران إلى إسرائيل باعتبارها دولة تمتلك السلاح النووي، ويبدو نتانياهو وحكومته مقتنعين بأن إسرائيل تتوفر على القدرة العسكرية لمنع حدوث ذلك

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitiihaad-29-4-2009