من
الحرب الباردة إلى حروب الشرق الأوسط
ويليام
فاف
باستثناء تدخل قوات حلف
"الناتو" لمدة وجيزة في حروب كل من كوسوفو وصربيا عام 1999، فقد دارت
كافة الحروب الخارجية التي خاضتها أميركا منذ نهاية الحرب الباردة ضد
الآسيويين، وتكاد تكون خسرتها جميعاً، بينما تبقى عملياتها العسكرية
الجارية الآن في كل من العراق وأفغانستان -كلتاهما دولتان آسيويتان-
على المحك. وكانت كل هذه الحروب الآسيوية قد بدأت إما بجيوش حقيقية أو
بحركات مسلحة استهدفت تحديد مصير القارة
وتعود جذور الحرب الباردة في الأصل، إلى مساعي أجهزة المخابرات
السوفييتية والغربية لفرض هيمنتها على أكبر جزء ممكن من أوروبا بعد
نهاية الحرب العالمية الثانية.
فخلال الأعوام 1943-1945
تمكن الجيش السوفييتي من طرد الألمان من أوروبا الشرقية. ورغم المقاومة
التي أبدتها بعض جمهوريات البلطيق، والحركات المسلحة كالجيش الوطني
البولندي السري، فقد نجح السوفييت في تنصيب حكومات تألفت من العناصر
الشيوعية التي لجأت سياسياً إلى موسكو طوال سنوات الحرب العالمية
الثانية. واستقر توغل الجيش السوفييتي غرباً، عقب المعارك والاتفاقات
والترتيبات التي تمت بين الحلفاء، في كل من ألمانيا والنمسا
وتشيكوسلوفاكيا. وهذه هي الساحة الرئيسية التي دارت فيها المعارك
السياسية، إضافة إلى فرنسا وإيطاليا، حيث لعبت النقابات العمالية
والمنظمات السياسية الشيوعية، دوراً رئيسياً أثناء الحرب، باعتبارها
عناصر مساعدة لقوات الحلفاء خلال الأشهر الأخيرة للحرب العالمية
الثانية. ووفقاً لترتيبات ما بعد الحرب، فقد اقتسم الروس ودول التحالف
الغربي كلاً من النمسا وألمانيا فيما بينهم، بعد أن وزعوهما إلى مناطق
نفوذ. وخلافاً لهذه الترتيبات استمر الصراع السياسي في فرنسا وإيطاليا،
إلا أن ستالين أدرك أن الأميركيين والبريطانيين وجيوش فرنسا الحرة، سوف
تقاتل معاً ضد أي محاولات لقلب الأنظمة الحاكمة في هاتين الدولتين.
وعليه قرر الانسحاب، ما أدى إلى تجميد الحرب الباردة بين المعسكرين
السوفييتي والغربي عند تلك الحدود تلك هي
المرحلة الأولى من الحرب الباردة. أما مرحلتها الثانية، فلها أوجه
سياسية وعسكرية في كل من شرق أوروبا وجنوبها. وخلالها واصل الأميركيون
والبريطانيون عمليات الإنزال الجوي وغيرها من المساعدات المقدمة
للعناصر المسلحة المعادية للشيوعيين داخل ما أصبح يعرف حينها بمناطق
النفوذ السوفييتي. وفي هذه المرحلة سعت العناصر الشيوعية للسيطرة على
اليونان، بدعم ومساعدة من الزعيم اليوغوسلافي تيتو. ومن ناحيتها سعت
قوات التحالف الغربي لتحرير ألبانيا من الحكومة الشيوعية التي نصبت
فيها. وقد كان ذلك هدفاً ميسوراً، خاصة وأن قوات تيتو تمكنت من صد
الجيش السوفييتي ومنعه من اقتحام ألبانيا. لكن أدى الصدام الذي وقع بين
تيتو وستالين في عام 1948، إلى إحباط جهود الشيوعيين اليونانيين، بينما
أجهضت جهود المقاومة الألبانية بسبب الخيانة الغادرة التي تعرضت لها من
قبل البريطاني كيم فيلبي. إثر اندثار
الشيوعية، اتجهت أنظار واشنطن إلى الشرق الأوسط، حيث تكمن موارد
الطاقة، وحيث تحتاج إسرائيل لدعمها وتأمين احتلالها للأرض
أما المرحلة الثالثة من الحرب الباردة، فدارت رحاها في كل من
الصين وشبه الجزيرة الكورية. ففي الصين انتصر الشيوعيون على "شيانج كاي
شيك" الذي كان مدعوماً من قبل الولايات المتحدة. أما في كوريا، فقد
أسفرت مغادرة القوات السوفييتية لشقها الشمالي في نهاية الأمر، عن ترك
الجزيرة مقسمة إلى نصفيها الحاليين، رغم محاولات ستالين دفع الشيوعيين
لخوض حرب ضد الجنوب لتوحيد الشطرين. وفي غضون ذلك نشبت حرب جديدة هي
التي لا نزال نخوضها إلى اليوم. فقد نجحت العناصر الشيوعية والوطنية في
شن هجمات على بقايا الأنظمة الاستعمارية البريطانية والفرنسية
والهولندية القائمة وبحلول عام 1947 تم
تقسيم الهند لتظهر باكستان. وتواصلت معارك التحرر الوطني في المنطقة،
حيث أبدى السوفييت تعاطفاً كبيراً معها. غير أن هذه المعارك لم تسفر عن
وصول الشيوعيين إلى السلطة إلا في دولة واحدة هي فيتنام الشمالية،
وجزيرة لاوس الصغيرة التابعة لها. وفيما عدا هذه الحالة، تظل التجربة
الشيوعية الصينية الهندية، ظاهرة وطنية خالصة من أي تدخل سوفييتي
وإثر التحول الذي أصاب القوتين الشيوعيتين، روسيا والصين، اتجهت
أنظار واشنطن إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث تكمن موارد الطاقة التي
تحتاجها، وحيث تزداد حاجة إسرائيل لدعمها من أجل تأمين الأراضي
الفلسطينية التي احتلتها عام 1967. ومن هنا انطلقت الهجمات الإرهابية
التي لاستهدفت القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة. وللسبب عينه
طردت أميركا من إيران، ونشبت الحرب العراقية -الإيرانية، وصولاً إلى
حرب الخليج الأولى، واقتحام تنظيم "القاعدة" حلبة الصراع، في أعقاب
هجمات 11 سبتمبر التي شنها داخل الولايات المتحدة، وغزو الأخيرة لكل من
أفغانستان والعراق. وهاتان هما الحربان اللتان يواجه تحدياتهما الرئيس
الأميركي الجديد أوباما هذه الأيام. لكن لأي مصلحة تخوض واشنطن هذه
الحروب المكلفة في دول مثل باكستان وأفغانستان؟ فالأخيرة تعد من أفقر
دول العالم قاطبة، بينما لا تشكل الترسانة النووية الباكستانية أدنى
تهديد لأميركا، طالما أنها مدخرة نظرياً لردع الجارة الهند. الإجابة
الظاهرية هي أن كلتا الدولتين تمثلان قاعدتي انطلاق لأشد الجماعات
الإسلامية تطرفاً. ووفقاً للأيديولوجية التي تبشر بها هذه الجماعات،
فلا سلام يعم العالم إلا إذا خضع الكل لقوانين وشرائع هذه النسخة
المتطرفة من الإسلام، حسبما تراها القبائل البشتونية المقيمة في الشريط
الحدودي الشمالي الغربي من باكستان. هذا هو ما تخشاه واشنطن فيما
يبدو... لكن لماذا؟!
*
كاتب ومحلل سياسي
وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون
تعليق .
المصدر: الاتحاد- 2-3-
2009- ينشر بترتيب خاص مع "تريبيون ميديا سيرفيز"
|