كيسينجر : حلف أميركي دولي ينقذ أفغانستان من براثن المتطرفين
هنري أ.
كيسينجر-
إعداد منال نحاسعن
يتنازع
ادارة اوباما نزاعان سبق أن اختبرتهما الإدارات الاميركية السابقة.
فأميركا ليس في وسعها الانسحاب من أفغانستان، ولا انتهاج استراتيجية
مسؤولة عما آلت اليه الامور. وتترتب على سيطرة «طالبان» على أفغانستان
تحديات كبيرة ومخاطر لا يستهان بها
فهذه
الغلبة تعزز نفوذ الجهاد العالمي، وتتهدد بإطاحة الحكم بباكستان عن يد
الجهاديين، وتؤجج الارهاب بالهند. وتتهدد هذه الغلبة أمن روسيا والصين
واندونيسيا
والى
اليوم، انتهجت اميركا تكتيكات تقليدية في مكافحة التمرد قوامها انشاء
حكومة مركزية، وبسط نفوذ الحكومة في البلاد، وارساء اسس مجتمع
ديموقراطي وبيروقراطي حديث. وهذه الاستراتيجية لن يكتب لها النجاح
بأفغانستان. فالبلد مترامي الاطراف، وسكانه خليط من اثنيات مختلفة،
والسلاح الثقيل منتشر بين السكان. ولم يفلح محتل أجنبي في احتلال
افغانستان. ويبدو أن الافغان يجمعون على ضرورة استقلال بلدهم، ولكنهم
لا يجمعون على حكم مركزي ذاتي وطني
ولا
شك في ان مستوى معيشة الافغان تدهور في ختام 30 عاماً من الحروب
الاهلية. وتكاد تجارة المخدرات أن تكون نواة الاقتصاد الافغاني. ولم
تعرف أفغانستان يوماً تقاليد ديموقراطية. واصلاح هذه الامور هو ضرورة
اخلاقية
ولكن
الاصلاحات هذه، وقد يحتاج ارساؤها عقوداً طويلة، لا تتناسب مع ما
تفترضه الحرب على العصابات. وفي مقدورنا أن نحسن ادارة توفير المساعدات
للنزول على حاجات الافغان، عوض تبديدها وبعثرتها
وهدف
الاستراتيجية العسكرية الحؤول دون أن تبرز دولة قوية يحكمها الاسلاميون
المتطرفون بأفغانستان، أي تفادي سيطرة الاسلاميين على كابول ومناطق
البشتون. ويتهدد احكام الاسلاميين قبضتهم على سلسلة المناطق الجبلية
الممتدة بين باكستان وأفغانستان استقرار افغانستان ودول الجوار. وبحسب
الجنرال دايفيد بترايوس، من شأن رفع عدد القوات الاميركية بأفغانستان
أن تمكنه من السيطرة على 10 في المئة من الاراضي الافغانية، وهي مصدر
80 في المئة من المخاطر العسكرية. وحظوظ نجاح الخطة التي سبق أن
استعملت بالعراق في هذه المنطقة كبيرة. وفي وسعنا انتهاج استراتيجية
عسكرية، في بقية أنحاء باكستان، ترمي الى الحؤول دون نشوء بؤر ارهابية
قوية من طريق التعاون مع القادة المحليين، والتنسيق مع ميليشياتهم.
وهذه من المفترض ان تتولى القوات الاميركية تدريبها.
وسبق أن
قطفت ثمار هذه الاستراتيجية في محافظة الانبار العراقية، معقل العرب
السنّة. ويبدو أن مقاربة بترايوس العسكرية في محلها. ولكن زيادة عدد
القوات الاميركية 17 ألف جندي، على ما تعهد أوباما، غير كافية. فسبل
قيادة الحرب أمر ثانوي قياساً على سبل انهاء الحرب. وطي صفحة الحرب
بأفغانستان يفترض حلاً تسهم أطراف متعددة فيه، ويمهد لرسم اطار سياسي
افغاني. وفي الوسع الاحتذاء على تجربة تحييد الدول بأوروبا، وهذه كانت
سائدة في أثناء القرن التاسع عشر. فعلى سبيل المثال، حيدت بلجيكا عن
النزاعات الاقليمية نحو مئة عام. وتحييد افغانستان هو رهن تعاون دول
الجوار الرئيسية ومكافحتها الارهاب
ولكن
سياسات هذه الدول بعيدة من قبول هذا الحل والاقدام عليه. وحريّ بهذه
الدول الاعتبار بالتاريخ وعبره، وادراك أن مساعي السيطرة الاحادية
مصيرها الفشل، على وقع مساعي الاطراف الاجنبية الاخرى. وعلى الولايات
المتحدة السعي في انشاء مجموعة عمل مع دول جوار افغانستان، ومع الهند
والاعضاء الدائمين في الامم المتحدة. ومن المفترض ان تسهم هذه المجموعة
في اعمار افغانستان، وفي الزامها مكافحة الارهاب. ومع الوقت، تقطف ثمار
جهود اميركا العسكرية الاحادية بأفغانستان ومساعي هذه المجموعة
الديبلوماسية. وشرط نجاح مثل هذه السياسية هو تعاون روسيا وباكستان
والحق أن تعاون باكستان حيوي. وعلى قادتها ألا يغفلوا عن أن احتضان بؤر
الارهاب يفضي الى عزلة بلدهم دولياً. وإذا احكم الاسلاميون المتطرفون
قبضتهم على افغانستان، قد تقع باكستان في قبضتهم، على ما يخططون. فهم
ينشطون على الحدود بين البلدين، ويبسطون نفوذهم في وادي سوات القريب من
اسلام آباد. وفي حال وقعت باكستان في أيدي الارهابيين، على الدول
المعنية التشاور والحؤول دون استيلاء الاسلاميين المتطرفين على ترسانة
باكستان النووية. وشأن غيرها من الدول المتورطة بأفغانستان، على
باكستان أن تتخذ قرارات تحدد مكانتها في المجتمع الدولي، في العقود
المقبلة
وعلى
رغم أن مشاركة قوات الـ «ناتو» العسكرية في حملة أفغانستان لا يستهان
بقيمتها الرمزية، لا تلقى هذه المشاركة تأييد سكان الدول الاعضاء في
حلف شمال الاطلسي
وقد
يسهم استحسان الاوروبيين سياسات أوباما في تغيير هذه المعادلة، وفي
اقبالهم على تأييد العمليات العسكرية بأفغانستان تأييداً فاتراً. وحريّ
بالرئيس الاميركي أن يدرك ان الاختلاف مع هذه الدول هو خلاف جوهري لا
يقتصر على اجراءات شكلية، بل يحدد مصير الحلف ومستقبله
وقد
نخلص الى أن انصراف قوات الـ «ناتو» الى اعادة بناء افغانستان أجدى من
الاسهام في العمليات العسكرية اسهاماً ثانوياً. وهذه سابقة تحول الـ
«ناتو» الى حلف «حسب الطلب» أو حلف يختار اعضاؤه مهماتهم على ما
يشتهون. وهذا يقوض مصالح الاعضاء كلهم. ويغفل من يحاول حمل الولايات
المتحدة على الانسحاب من أفغانستان أن الانسحاب قد يؤدي الى تناسل
الأزمات وكرّ سبحتها.
وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون
تعليق .
المصدر: daralhayat.com-عن
«واشنطن بوست» الاميركية، شبات «انترناشنال هيرالد تريبيون»
|