هل ينتهي الركود في وقت أقرب مما نعتقد؟

 

صموئيل بريتان

 

 

كما يمكن أن يُتصور، المنظمات الاقتصادية الدولية، أيا كان ما تقوم به، أو ما لا تقوم به، فهي تعدّ كميات هائلة من أوراق البحث. وأغلب هذه الأوراق جدير بالاهتمام، لكنها محدودة الفائدة. ومن الأمثلة الفرضية على ذلك "الأسواق الآجلة، والمحاصيل النقدية في روريتانيا (وهي مملكة خيالية في وسط أوروبا)" لكن في بعض الأحيان يظهر شيء ذو منفعة حقيقية. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ورقة بحث لصندوق النقد الدولي بعنوان: "ماذا يحدث أثناء الركود الاقتصادي، انهيارات وأزمات؟"? وبرغم أنه لا يوجد فعلاً شيء اسمه "ترك الأرقام تتحدث عن نفسها"، لكن في الحقيقة هذه الدراسة خفيفة من حيث فحواها النظرية وهي تحديداً تطرح السؤال الآتي: "هل تختلف أشكال الركود الاقتصادي المرتبطة بأزمات الائتمان وتراجعات أسعار الأصول عن غيرها من أشكال الركود الأخرى؟". لقد قام الباحثون بدراسة 122 حالة ركود اقتصادي في 21 مؤسسة في دول تابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على مدار الأعوام الممتدة بين 1960 و2007. وعلى ما يبدو، هذا النهج يتخلله قصور واضح من خلال تعامله مع اقتصادات، كاقتصاد البرتغال، بالقدر نفسه من الأهمية التي يوليها لاقتصاد الولايات المتحدة. لكنه يتسم بميزة توفير المزيد من الحالات للدراسة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دورات الاقتصاد العالمي تتزامن بصورة تكفي لمنع إغراق الدراسة بالخاصيات المحددة لبعض الدول وتوصل المؤلفون إلى أن الركود النمطي في فترة الدراسة استمر لمدة أربعة أرباع، وأدى إلى خسارة في الإنتاج قدرها 2 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. وارتبط شكل واحد تقريبا من كل ستة أشكال من الركود بالانهيار الائتماني، ونحو واحد من كل أربعة بأزمة أسعار المنازل، ونحو واحد من كل ثلاثة بانهيار الأسهم. وإن الركود المرتبط بمثل هذه التوترات المالية تنتج عنه خسائر في متوسط حجم الإنتاج بنحو ضعفين، أو ثلاثة أضعاف أكثر، مقارنة بأشكال الركود الاقتصادي الأخرى.

وبرغم أن حالات الركود الاقتصادي الناجمة عن أمور مالية لا تدوم لفترة أطول من ثلاثة أشهر أكثر من أشكال الركود الأخرى، هناك في العادة فجوة بين الأحداث المالية نفسها وحالات الركود المرتبطة بها، إذ تستمر الأزمة الائتمانية العادية لعامين ونصف عام، وهي مرتبطة بهبوط يبلغ 20 في المائة في الائتمان. ويستمر انهيار أسعار الأسهم الفترة نفسها تقريبا، لكنه مرتبط بهبوط يعادل نحو نصف قيمة الأسهم. أما أزمة المنازل، فتستمر فترة أطول تعادل نحو أربعة أعوام ونصف عام، وتجلب معها هبوطاً قدره 30 في المائة في الأسعار الفعلية للمنازل. وأقوى تلك العلاقات هي العلاقة بين هبوط أسعار المنازل وعمق الركود الاقتصادي. فبرغم التقلب في أسعار الأسهم، فإن علاقته بالاقتصاد الفعلي هي الأكثر غموضاً وعلى أية حال الأسوأ في انتظارنا. فأشكال الركود الاقتصادي المرتبطة بصدمات أسعار النفط تجلب معها هبوطاً في الإنتاج يعادل 0.8 نقطة مئوية أكثر من غيرها من أشكال الركود وحين يتم أخذ نتائج دراسة صندوق النقد الدولي على ما هي عليه بحد ذاتها، فإنها مقيتة أكثر من كونها كارثية، حيث لا تدّعي نتائجها تمثيل أكثر من معدل الخبرة السائد. ففي أي حالة لا يُقدّر لنا تكرار الماضي بحذافيره. قال فيلسوف القرن التاسع عشر، هيجيل، إن الدرس الوحيد المستفاد من التاريخ هو أن "الناس والحكومات لم تتعلم إطلاقاً أي شيء من التاريخ، ولم تتصرف وفقاً للمبادئ التي استدلت عليها منه". وقال المنتمي لمدرسته، كارل ماركس، الذي على ما يبدو أنه قديم الطراز بعض الشيء، إن التاريخ يعيد نفسه، أولاً كمأساة، ومن ثم كمهزلة. وبرغم ذلك، فإن التاريخ هو كل ما علينا أن نمضي فيه قدماً. ذلك يشجعني على مناقشة وجهة النظر تلك، وهي "سينتهي الركود في غضون فترة أقصر بكثير مما تعتقد"، وهو عنوان مقتبس لمقالة نُشرت في "سنتربيس" Centerpiece من قبل أكاديميين أمريكيين اثنين، هما نيك بلوم وماكس فلوتوتو. والجزء من التاريخ الذي يؤكدان عليه هو أن الشك المتمثل في سوق الأسهم، والمقاس بالتقلب الضمني لمؤشر بورصة ستاندار آند بورز 100، من الواضح أنه يُعرف بـ "عامل الخوف المالي". ووصل ذلك إلى نقطة الذروة القياسية في الوقت الذي انهار فيه ليمان براذرز في أيلول (سبتمبر) الماضي، لكن منذ ذلك الحين تراجع بما يعادل 50 في المائة و"تراجعت كذلك مقاييس أخرى لعدم اليقين" ويتوقع المؤلفون أن يبدأ حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي النهوض مجدداً في خريف هذه العام. ومن الممكن أن تبدو المؤشرات المستخدمة من قبل أولئك الخبراء ذات أساس واهٍ لبناء مثل هذه التوقعات عليها، لكن ليس أكثر من الأشكال مرتفعة الوزن، متعددة المعادلات، التي أدت بنا إلى الحضيض بصورة سيئة للغاية في الأوقات الحرجة. إن حدسي الخاص يشير إلى أن الولايات المتحدة ستبدأ النهوض مجددا قبل اقتصادات أخرى كبرى، ويعود ذلك جزئياً إلى التوجهات االوطنية "الواثقة من نفسها"، وبخاصة تحت رئاسة أوباما وعلى أية حال، الولايات المتحدة متحررة على نحوٍ رائع من المخاوف بشأن عجز الميزانية وميزان المدفوعات و"طباعة الاحتياطي الفيدرالي للأموال". وسواء كانت تلك المواقف جزءا من الاقتناع الراسخ، أو مجرد انعكاس مشاعر بأن الولايات المتحدة في حالٍ أفضل من غيرها من الدول للاستخفاف بالعقيدة، فهو ليس أمراً مهماً، وليس له علاقة بالأمر.الأمر الأكثر تشجيعاً في كل ما قرأت هو تلك المقابلة المنشورة في "فاينانشيال تايمز" هذا الأسبوع مع لورنس سمرز، المستشار الاقتصادي لبراك أوباما، الذي دعا إلى طلب تحفيزي قصير الأمد من قبل الحكومات. وأضاف أن أجندة عدم التوازن العالمي القديم المتمثلة في "مزيد من الطلب في الصين، وطلب أقل في أمريكا" يجب إهمالها. "فلا يوجد مكان في الوقت الراهن عليه أن يقلص من مساهمته في حجم الطلب".

وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر: aleqt.com