تشجيع الهجرة... حل لمعضلة اليابان الديموغرافية  

  

بلين هاردن

 

 طوكيو:

لا تستطيع اليابان، التي تشهد تزايداً مطرداً في عدد المسنين، السماح بخسارة الشرائح الشابة من المجتمع، لكن مع ذلك وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وتراجع الطلب على السيارات اليابانية والسلع الإلكترونية، تم تسريح الآلاف من العمال الشباب من ذوي الأصول الأجنبية، فأخرجوا أبناءهم من المدارس وراحوا يفكرون في الرجوع من حيث أتوا وهكذا باع ''بولينو أونوما'' وزوجته ''ليديان'' سيارتهما واشتريا تذكرة طائرة للعودة إلى موطنهم الأصلي في ساو باولو بالبرازيل، حيث يعتزمان الرجوع ومعهما ابنتاهما اللتان ولدتا في إحدى المدن اليابانية، وفيما فقد الزوج وظيفته في أحد مصانع السيارات، الذي كان يعمل فيه توقفت الزوجة عن بيع وجبات الغذاء للعمال الذين ينحدر معظمهم من البرازيل ويقول ''يولينو'' ذو 29 عاماً، والذي قضى 12 سنة الأخيرة في اليابان مع عائلته ''نحن لا نريد الرجوع إلى البرازيل، لكننا مضطرون للعودة بسبب الظرف الطارئ وفقداننا لوظائفنا''. غير أن هذا النزيف في العمال المستقرين في اليابان ومغادرتهم للبلاد أزعج الحكومة في طوكيو ودفعها إلى استحداث برامج تساعد المهاجرين الذين سرحوا من وظائفهم على البقاء في البلد والبحث عن فرص جديدة ويقول في هذا الإطار ''ماساهيكو أوزيكي''، المسؤول الياباني المكلف بالتنسيق بين الوزارات ''إن هدفنا اليوم هو تشجيع المهاجرين على البقاء، وكحكومة هذه أول مرة نقوم فيها بشيء مماثل''، ويضيف المسؤول الياباني أن جهوداً بدأت تُبذل في هذا الاتجاه مثل تدريس اللغة اليابانية للعمال الذين لا يجيدونها، واستحداث برامج تدريبية، فضلاً عن تقديم إرشادات بشأن الوظائف الجديدة حتى يتمكن المهاجرون من الاندماج على نحو أفضل في المجتمع الياباني، لا سيما في القطاعات التي تشهد نقصاً حاداً في الموارد البشرية مثل الرعاية الصحية والخدمات الأخرى الموجهة لكبار السن. ولحد الآن لم تخصص الحكومة الكثير لتشجيع العمال على البقاء، حيث لا يتعدى المبلغ المرصود لهذا الغرض مليوني دولار في العام، وهو أقل بكثير مما هو ضروري لمساعدة العمال الذين خسروا وظائفهم على الاندماج مجدداً في الحياة الاقتصادية ومضاعفة حظوظهم في تأمين فرص عمل بديلة. ولمواجهة واقع مغادرة العمال لليابان في وقت هي في أمس الحاجة إليهم بسبب ارتفاع نسبة الشيخوخة بين سكانها، أشار المسؤول الحكومي إلى أن البرلمان الياباني يستعد للمصادقة على برنامج موسع كجزء من خطة الإنقاذ الاقتصادي التي ستطرح للتصويت في البرلمان خـلال العـام الحالي ويرى ''هيدوروني ساكندا''، الرئيس السابق لمكتب الهجرة في طوكيو والمدير الحالي لمعهد سياسات الهجرة أن الجهود التي تبذلها الحكومة اليابانية لاستبقاء المهاجرين وثنيهم عن المغادرة هي خطوة ''ثورية'' بكل المقاييس بالنظر إلى ''تاريخ اليابان الطويل في رفض السكان الأجانب الذين سعوا إلى الاستقرار على أرضها، ففي الأوقات العادية ما كانت الحكومة لتعمل على استبقاء العمال بعد فقدانهم لوظائفهم، ومع أننا لم نصل بعد في اليابان إلى تغيير جوهري في سياسات الهجرة، إلا أنه بالمقارنة مع تاريخ البلاد فلا شك أن اليابان اليوم مقبلة على مرحلة مفصلية'' ويعتقد ''ساكندا'' أن قرار الحكومة باستبقاء العمال سيحل رسالة مهمة إلى الذين يفكرون في الهجرة إلى اليابان في المستقبل بأنهم سيعاملون معاملة جيدة، وستحرص الحكومة على راحتهم حتى خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة. ويسود شعور متنام بين السياسيين اليابانيين ورجال الأعمال بأن فتح المجال أمام الهجرة من جميع أنحاء العالم هو الطريق الوحيد لتجنب كارثة ديموغرافية تهدد بشل ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتتوفر اليابان على نسبة كبيرة من المسنين مقارنة مع إجمالي السكان، حيث انخفض عدد الأطفال لسبع وعشرين سنة متوالية، كما أن نسبة السكان التي تفوق أعمارهم 65 سنة تشكل 22% من إجمالي عدد السكان، وهي نسبة قياسية مقارنة مثلاً مع الولايات المتحدة، التي لا تتعدى فيها تلك الشريحة العمرية 12%. ويحذر المراقبون من أنه في حال استمرار هذا الوضع السكاني ستفقد اليابان في غضون الخمسين سنة المقبلة ثلث سكانها البالغ عددهم حالياً 127 مليون نسمة، وستفقد ثلثي سكانها على مدى القرن المقبل والأكثر من ذلك ستصل نسبة المتقاعدين في اليابان بحلول 2060 اثنين لكل ثلاثة عمال، وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على نظام المعاشات قد يؤدي به إلى الإفلاس. وإدراكاً منهم لحجم المشكلة الديموغرافية التي تهدد الاقتصاد الياباني أجمعت ثمانين شخصية سياسية تنتمي إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم خــلال الصيـــف الماضي على أن البلاد في حاجـــة ماسة إلى استقبال عشرة ملايين مهاجـــر على مدى الخمسين سنـــة القادمــة، وأشاروا أيضاً إلى أن هدف الحكومة يجب ألا يقتصر فقط على استقطـــاب المهاجرين، بل يتعين رعايتهم مـــع عائلاتهم من خلال تلقينهم اللغة اليابانية وإخضاعهــــم للتدريبــــات المهنية في أفق تسوية وضعيتهــــم ومنحهم الجنسية ليصبحوا مواط نين يابانييـــن كاملـــي الحقوق والواجبات والأمر لا يقتصر فقط على رجال السياسة، بل يمتد إلى تنظيمات رجال الأعمال مثل فدرالية ''نيبون كيدانرين'' ذات التوجه المحافظ التي أقرت بأنه في اليابان ''لا يمكننا الانتظار طويلاً، بل علينا استقبال أناس جدد''، مشيرين إلى تقديرات الأمم المتحدة بأن اليابان ستحتاج إلى 17 مليون أجنبي بحلول عام 2050 وذلك فقط للحفاظ على مستوى سكانها في عام 2005.

وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر: icaws.org - ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست