تحدي أوباما: أوروبا لاعب أم متفرج ؟

 

فيليب ستيفنز

 

 

كان هنالك أخيرا حديث كثير بأن مصير العالم وأوروبا بشكل خاص، أن يصابا بخيبة الأمل من أوباما، وحسبما أرى فقد يكون أكثر لباقة أن ننتظر على الأقل حتى يؤدي اليمين الدستورية، قبل أن نفقد الثقة في هذا السياسي المرموق، لكن إذا كنا نتحدث عن خيبة الأمل، فإنه يجدر التساؤل حول أي جانب من الأطلسي قد تقع أولاً وعند مراقبة ضعف الرد الأوروبي على القطع الأخير لإمداداتها من الغاز من روسيا، أو إرسال الوفود المتنافسة إلى الشرق الأوسط، فإن المرء يتساءل فيما إذا كانت أوروبا سوف تمتحن صبر أوباما، قبل وقت طويل من اتهام الإدارة الأمريكية الجديدة بالتخلي عن أصدقائها وقبل المشاعر الجياشة للتنصيب الذي سيجري يوم الثلاثاء فإن الرسائل في أوروبا مختلطة، فعلى الصعيد العلني يتحدث صانعو السياسات عن إحياء التحالف القديم عبر الأطلسي، وهم بشكل غير معلن، قلقون لأن التوقعات عالية جداً حتى أنها كفيلة بأن تحبط لكن على القادة الأوروبيين أن يخاطبوا ما يمكن لأوباما أن يتوقعه من حلفائهم بشكل معقول، فهل هو ما يمثل نهجاً أوروبياً مشتركاً إزاء توكيد روسيا الجديد لوجودها، ربما؟ هل هي سياسة نحو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتي تتجاوز ما وصفه ذات يوم المفوض الأوروبي السابق للشؤون الخارجية باستراتيجية مهيبة "لحضور اجتماعات اللجنة الرباعية"؟ ويكمن وراء هذا، التناقض الأعمق حول دور واشنطن، فمعظم الأوروبيين يريدون من الولايات المتحدة أن تستمر في ممارسة القيادة العالمية، والبدائل عموماً غير مستساغة، والتناقض يكمن في تأجيل الإجراءات القانونية، وعلى واشنطن ألا تتحدى الحساسيات الأوروبية، أو تطلب الكثير جداً من حلفائها. ومن هنا، بينما يجد قرار أوباما بالانسحاب من العراق استحساناً شاملاً، فإن تصميمه على تعزيز جهود الناتو في أفغانستان سبب ينذر بالشر، وإحدى العبارات المتكررة التي سمعتها في أغلب الأحيان في الأسابيع الأخيرة، هي أن الرئيس الجديد لا يمكن أن يتوقع من أوروبا أن ترسل المزيد من الجنود إلى أفغانستان، قبل أن تكون هنالك إستراتيجية سياسية موثوقة ويبدو أن هذا شرط معقول جداً، فبعد أكثر من ست سنوات من الإطاحة بطالبان، تظل أفغانستان في حالة اضطراب وفوضى، لكن كيف ستستجيب ألمانيا وإيطاليا، مثلاً ، إذا التقط أوباما الكرة وأنتج مثل هذه الخطة الاستراتيجية؟

لا أريد أن أكون متشائماً جداً، فهنالك قدر كبير من النوايا الطيبة لدى الجانبين، وهيلاري كلينتون، التي تنتظر تثبيتها كوزيرة للخارجية، تظهر بأداء واثق في جلسات مجلس الشيوخ لتثبيتها في هذا الأسبوع، ومع أنها تحدثت في العموميات فإن الترحيب بها على نطاق عالمي، كان ترحيباً بشخص يتطلع إلى كسب أصدقاء لأمريكا وليس السعي إلى أعداء ورغم كل التناقضات المذكورة سابقاً، فإنني لمست لهجة مماثلة في التفاؤل في مؤتمر ممتاز استضافته آسبن ايتاليا في واشنطن في الشهر الماضي، والقادة الأوروبيون يريدون الإمساك ببعض سحر أوباما، وهنالك تقبل قوي بأن عليهم أن يدفعوا رسم الدخول، إذا أرادوا أن يؤخذوا على محمل الجد في البيت الأبيض. ويجب على شعبية أوباما بين الناخبين الأوروبيين أن تسهل على الحكومات أن تجد ذلك الرسم وهنالك كثير من الأسباب الوجيهة التي تجعل أوروبا والولايات المتحدة تبني تحالفاً جديداً، والحقيقة الجيو سياسية المركزية في السنوات القادمة، سوف تتمثل في الإزالة المطردة للهيمنة دون أي جهد، التي مارسها الغرب على الشؤون العالمية طوال القرنين الماضيين وقد لا يكون هنالك أي وقت أهم من وقت الدفاع عن القيم التي تجسدت في النظام الحالي المتعدد الأطراف لكن ما لا تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا أن تقوم به هو ببساطة البدء مرة أخرى من النقطة التي وصلتا إليها قبل ثماني سنوات، حيث يجب إعادة بناء مجتمع متماسك عبر الأطلسي وفق ثلاث ركائز.

الأولى هي التواضع، وهذا يعني بالنسبة لأمريكا إدراك أن القوة غير كافية وأنها لا مفر منها في محاولة إقامة نظام عالمي مستقر، فالحلفاء مصدر مهم للشرعية وبالنسبة لأوروبا فإن هذه الركيزة تتطلب إدراكاًَ بأن عالم ما بعد الحداثة لتوجه متعدد الأطراف قابل لاحتضانه، بأن البعض تصوروا أنه يمكن أن يتحقق بعد سقوط جدار برلين، لم يتحقق، وقد تكون الحرب الأمريكية في العراق قد اختبرت درجة التدمير لكفاءة القوة العسكرية الأحادية، لكن الأحداث منذ عام 1989 أظهرت أن تلك القوة المعيارية، أو اللينة ليست رداً غير مناسب للصراع والفوضى. وعلى أوروبا أن تتقبل تحمل المزيد من عبء العمل والركيزة الأخرى هي الواقعية، وهي علاقة قوية لا يمكن إقامتها إلا وفق تقييم صادق للممكن، ولا يمكن إحياء التحالف القديم أيام الحرب الباردة. وبدون التهديد الوجودي من قبل الاتحاد السوفيتي فإن التحالف الجديد هو خيار أكثر من ضرورة، فمصالح أمريكا الأمنية، كما كتب زبجنيو بريجنسكي في هذه الصفحات في أوائل هذا الأسبوع، قد انتقلت إلى آسيا والشرق الأوسط ويشعر الأوروبيون من جانبهم أنهم أقل اضطراراً، للاحتماء بالمظلة الأمريكية النووية، ولهذا سيكون هنالك مناسبات بين الحين والآخر عندما تختلف التصورات الاستراتيجية لكن أي قائمة من التهديدات والتحديات – من التغير المناخي وانتشار الأسلحة إلى صراع الشرق الأوسط، من أفغانستان والقاعدة وولع روسيا بالقتال – تظهر تضافراً قوياً للمصالح، وما هو مطلوب هو الإرادة السياسية لإبقاء هذا الفهم في قلب العلاقة والشرط المسبق الثالث هو الخيال، فحافز السياسيين وصانعي السياسات الغريزي هو وضع القضايا في مستودعات محكمة الإغلاق: الشرق الأوسط لهذا الأسبوع، وروسيا للأسبوع التالي، وإيران للأسبوع الذي يليه، ويمكن للتغير المناخي وعدم انتشار الأسلحة أن ينتظرا شهراً أو شهرين. والتحدي هنا يتمثل في الاعتراف بالتعقيدات وضرورة بعمليات الربط، ليس فقط الأمور الواضحة مثل الرابطة بين التطرف الإسلامي في باكستان والحرب في أفغانستان، بل عبر مساحة جيوسياسية أوسع وما هو الحافز للصين، مثلاً، للعب دور مساهم مسؤول في الجهود الرامية إلى إحباط إيران نووية، حين ترفض الولايات المتحدة وأوروبا المشاركة في السلطة في المؤسسات العالمية؟ التحالف القديم لم يكن خط ممتازاً كما يبدو في بعض الأحيان عند التأمل في الأحداث السابقة، كما أن الحقائق غير المريحة لعالم كانت القوة فيه تتدفق شرقاً، تعني أن الأمور لا يمكن أبداً أن تظل كما كانت، وذلك ليس سبباً يدعو إلى تفويت الفرصة التي تطرح نفسها الآن.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر: aleqt.com