انتقال دولنا من المراهقة إلى النضج

  

علي محمد فخرو

 

  

موضوع البترول العربي، سعراً وثروات واستثمارات، يمر الآن في فترة فوضى تحليلية محيرة، وفي مثل هكذا ظروف يتساءل الإنسان إن كان باستطاعة حكومات البترول العربية التخطيط لأية خطوات معقولة في المستقبل القريب. والواقع أن قلة الشفافية في مناقشات الدوائر الرسمية تؤدي إلى زيادة في تلك الفوضى وإلى قلق عند مؤسسات المجتمع الاقتصادية على الأخص والمواطنين.

من ناحية السعر الذي يمكن اعتباره معقولاً وكافياً لتسيير أمور هذه الدول تتضارب الآراء حوله بشكل لافت. فمنظمة أوبك تعتبر سعر البرميل الذي يتراوح بين سبعين وتسعين دولاراً سعراً معقولاً وعادلاً، لكنها لا تعطي تفسيراً اقتصادياً مقنعاً لذلك الاستنتاج. ومنذ فترة وجيزة خرج علينا “خبراء” عبر التلفزيون ليؤكدوا لنا بأن سعر الستين دولاراً للبرميل سيكون كافياً لتسيير أمور دول البترول الحياتية ولتنميتها. لكننا فوجئنا منذ بضعة أيام “بخبير اقتصادي” من السعودية يؤكد أن دول مجلس التعاون البترولية قادرة على تحمل انخفاض أسعار النفط حتى لو هبط إلى ثلاثين دولاراً.

إزاء كل هذه التكهنات الغامضة المتضاربة، وغير المسببة، لم نقرأ أو نسمع بعد من مسؤولين رسميين تعليقاً على موضوع حساس يمس صميم حياة هذه الدول: دفع رواتب موظفيها، توفير مشترياتها الغذائية والمعيشية الأخرى، وصيانة بنياتها التحتية. والحكومات التي تحترم مسؤولياتها لا تستطيع أن تترك شعبها في حيرة من أمره، خصوصاً أن التاريخ القريب يعلمنا بأنه عندما نزلت أسعار البترول في أواخر القرن الماضي إلى المستويات الدنيا تبين بأن بعض الحكومات اضطرت لأن تستدين قروضاً لدفع رواتب موظفيها إن ما يجعل أمر السعر أمراً جدياً ومقلقاً هو كثرة الحديث عنه في دوائر الغرب وخلف الأبواب المغلقة في أرض العرب، فشبكات الانترنت نقلت مقابلة للخبير الاقتصادي الأمريكي وليام لندزي على إحدى شاشات التلفزيون الأمريكية ذكر أثناءها بأن اتصالاته ببعض أصحاب القرار والنفوذ في الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت إصراراً متزايداً على تخفيض أسعار البترول، ومنع دول البترول العربية من أن يكون لها أي تأثير في الحياة الاقتصادية في الغرب. وأضاف ذلك الخبير بأن بعض أصحاب النفوذ أضافوا بشماتة عنصرية “بأننا سنعيد العرب إلى صحرائهم كرعاة جمال وأغنام”. فإذا استذكرنا مقالة الصهيوني كيسنجر، وزير خارجية أمريكا الأسبق، التي نشرها منذ فترة وجيزة وطالب من خلالها بمنع العرب من تكوين ثروة بترولية قادرة على التأثير في مستقبل الأسواق العالمية، وأضفنا ما تناقله البعض من أن  مسؤولاً سعودياً رفيع المستوى عبر عن خشيته من أن جزءاً من العاصفة المالية العولمية الحالية موجه لاستنزاف أموال البترول العربية، فإننا لا يمكن أن نعتبر قضية سعر البترول قضية عرض وطلب فقط. إنها قضية مرتبطة بالحراك الجيوسياسي الدولي، وبالتالي فالتعامل معها يجب أن يمر من خلال مناقشات مجتمعية واسعة ومن خلال شفافية رسمية واضحة لكن الاهتمام بقضية أسعار البترول العربي يجب أن يربط مباشرة وبصورة مستعجلة باستعمال واستثمار ثروات البترول. إذ من غير المعقول القبول بعد الآن بأنه إذا ارتفعت الأسعار زاد سفه التبذير والاستهلاك في بلداننا وإذا انخفضت الأسعار زاد التقتير والبخل على فقرائنا ومهمشينا ثم إن هناك موضوع مكان الاستثمارات وأنواعها. فالحقيقة المرة هي أن عوائد دول الخليج البترولية العربية من البترول خلال الخمس سنوات الماضية قدرت بحوالي ألفي مليار دولار. لكن استثمارها في بورصات وعقارات الغرب وتبذيرها في مضاربات الأسهم والعقارات المحلية قد أضاع ألف بليون منها خلال هذا العام بسبب الهزة المالية الحالية. فهل ستتعلم حكوماتنا ومجتمعاتنا مما حدث، وتبدأ بإعادة التفكير في كيفية وفي أمكنة استثمار ثروة البترول؟ هل ستتعلم، حكوماتنا ومجتمعاتنا، أن ننتقل من مرحلة المراهقة إلى مرحلة النضج عند تعاملنا مع القضية البترولية برمتها؟ إن رؤساء حكوماتنا يجب أن يجتمعوا مع ذوي العلم والخبرة المحليين لبحث هذا الموضوع بدلاً من إضاعة اجتماعات قممهم في البحث عن وسائل احتواء تلك الدولة الإقليمية أو الاستجابة لأجندات ومطالب تلك الدول الكبرى العالمية.

وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر: الخليج