النظام
الدولي في 2009
د.
أحمد جميل عزم
يمكن لمؤرخي النظام
الدولي أن يسجلوا أن شكل هذا النظام دخل عام 2008 طوراً غير مسبوق
تاريخياً، فعلى رغم شبه الاتفاق بأنّ "اللحظة الأميركية"، أي لحظة
الأحادية القطبية، التي بدأت مطلع التسعينيات، انتهت عام 2008، لأسباب
أهمها، أولًا، "عدم الفاعلية" العسكرية الأميركية، وحاجة الجيش
الأميركي -عدا الانسحاب من العراق- إلى إعادة بناء لمعالجة ثغرات عديدة
في العقيدة العسكرية لتتلاءم مع متطلبات المرحلة. ثانياً، بسبب الأزمة
المالية والاقتصادية الأميركية. ثالثاً، نمو قوى دولية جديدة، ناشئة،
نافست الولايات المتحدة، فتعززت مكانة دول مثل الصين وروسيا والهند،
الاقتصادية، مما قلّص قدرات الولايات المتحدة في السياسة الدولية لكن
في الوقت ذاته، لم ينتج هذا الوضع نظاماً متعدد الأقطاب بشكله
الكلاسيكي الذي كان موجوداً قبل الحرب العالمية الثانية، حيث كان يسود
التنافس والصراع، وذلك لأسباب من أهمها ظاهرة "التكاملية" في العلاقات
الدولية؛ فالعالم بفعل العولمة والتجارة الحرة يعيش حالة تجعل خسارة
أحد الأقطاب الدولية خسارة للقطب الآخر، على عكس الوضع الكلاسيكي حيث
خسارة طرف تمثل كسباً للآخر. فتراجع الولايات المتحدة اقتصادياً، لا
يعني تقدماً لمنافسيها، بل يعني خسائر لكل من الصين، وروسيا، والهند،
وحتى إيران، وذلك لأنّ الولايات المتحدة سوق رئيسي وحاسم لبعض هذه
الدول مثل الصين، التي تعتبر الولايات المتحدة شريكها التجاري الأكبر،
ولأن تراجع اقتصادها يعني تراجع الطلب على النفط، وبالتالي تراجع
عائدات الدول النفطية المنافسة أو المتحدية للولايات المتحدة ومنها
روسيا وإيران، ويعني تراجع الاقتصاد العالمي، عموماً، حيث كان الدخل
القومي الأميركي يشكل حتى الأزمة الأخيرة، نحو 25% من الدخل القومي
العالمي.
كذلك وفي مقابل عدم
الفاعلية العسكرية الأميركية، فإنّ الدول الكبرى إمّا غير راغبة أو غير
قادرة على ممارسة دور بديل أو منافس. فمثلًا تفتقد كل من روسيا والصين
للأيديولوجيا العقائدية التي كانت تدعوها لمنافسة الولايات المتحدة،
وبالتالي لا تقيم روسيا تحالفات دائمة على أسس سياسية وأيديولوجية، بل
على أساس المصالح، ولا تدير صفقات سلاحها على أسس عقائدية، وجهودها
العسكرية مركزة في محيطها الجغرافي. كما لا توجد في العقيدة العسكرية
الصينية توجهات لدور في المجال الجغرافي البعيد عنها، هذا فضلًا عن
الفجوة الهائلة بين الولايات المتحدة وهذه الدول في القدرات العسكرية
ونتيجة لهذه المعطيات نعيش مرحلة تحولت فيها الولايات المتحدة من كونها
"الدولة العظمى"، و"القطب الأوحد"، إلى "الدولة "رقم 1" في العالم،
بمعنى أنّها لم تعد في وضع مريح بالقدر الذي كانت عليه سابقاً، وباتت
تحتاج موافقة ومساعدة دول أخرى (إقليمية وعالمية) لتتدخل في أي منطقة
بالعالم، ولكنها مع ذلك لا زالت الدولة الوحيدة في العالم التي لها
مصالح ونشاط ودور فاعل اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في كل إقليم في
العالم، أو على الأقل أكثر وبمراحل من أي دولة في العالم، وهناك فجوة
كبيرة بين عناصر قوتها وبين من يليها من القوى ويتوقع أن يكون عام 2009
عام محاولات الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما وقف تدهور القوة
الأميركية، وغالباً فلن يتغير شكل النظام الدولي كثيراً، ولكن مع نهاية
العام ربما نجد مؤشرات على اتجاه العالم في أحد ثلاثة اتجاهات. فقد
تستمر التكاملية إذا استمر التقدم أو التراجع الاقتصادي عالمياً
متوازياً يشترك فيه الجميع.
أمّا إذا نجحت الولايات
المتحدة في اجتراح حلول ذاتية، ومنفردة، ومن ذلك زيادة الاعتماد على
الطاقة المنتجة محليا، فقد نجد تكاملية بوزن أميركي أكبر قد تؤدي في
النهاية إلى عودة "الأحادية القطبية". أمّا إذا استمر التراجع الأميركي
اقتصادياً وعسكرياً، إلى درجة لا يعود معها الاقتصاد الأميركي حيوياً
للأقطاب الأخرى، وإذا ما تحقق نمو عالمي بمعزل عن التراجع الأميركي،
فهذا سيعني تكاملية أقل، قد تصل يوماً إلى درجة التعددية القطبية
الكلاسيكية الأقرب إلى التنافسية، أو ربما تكون هناك علاقة تعاونية،
وعودة لنظام "الأمن الجماعي"، ولكن بدور أميركي أصغر، إمّا بفجوة أقل
في القدرات بين الولايات المتحدة والأقطاب الأخرى، أو حتى بانتهاء
الفجوة، وفقدانها مكانة الدولة "رقم1" في العالم، لتصبح مجرد قطب ضمن
أقطاب الصف الأول الأخرى.
وكل ذلك حسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصاً ودون تعليق .
المصدر :alittihad.ae
|