أوباما وإيران وسباق الزمن
علي الشهابي
سيتسلّم
باراك أوباما مقاليد الأمور في الولايات المتحدة وهي في وضع لا تحسد
عليه، لا داخلياً ولا خارجياً. ومع ذلك يظل الوضع الداخلي مشكلة صغيرة
مقارنة بالخارجي؛ فالأميركيون سيعتادون على الكساد الاقتصادي الذي لم
يبدأ في عهد أوباما، ولأنه شيئاً فشيئاً ستعقبه مرحلة من الانتعاش تعيد
الوضع إلى ما كان عليه
أما
الوضع الخارجي فمشكلة عويصة جداً حتى أن أوباما قد لا يتمكن من لملمته
بطريقة يحافظ فيها على المصالح الحالية للولايات المتحدة، لكنه سيحاول
والتهديد الأكبر لهذه المصالح يكمن في إيران، التي يقول مارتن إنديك
إنها قد تنتج سلاحاً نووياً مطلع 2010 (جويس كرم/الحياة 6 تشرين
الثاني/نوفمبر 2008).تمثل إيران
هذا التهديد لانصباب جهودها على صيرورتها قوة إقليمية تفرض على
الولايات المتحدة مقاسمتها بثروات الخليج، وهذا ما ستحاول أي إدارة
أميركية منعه بشتى الوسائل. فكيف ستسمح الولايات المتحدة بهذه المقاسمة
وهي التي كانت حتى الأمس القريب تفرض على الآخرين مقاسمتهم بثرواتهم؟
لذا أعتقد أن أوباما سيحاول السير باتجاه إزالة كافة العقبات التي تعيق
الولايات المتحدة عن وأد المشروع الإيراني المرتكز على امتلاك السلاح
النووي، ولهذا سيسير بنفس الوقت باتجاهين:
1ـ إعادة
تجهيز القوة العسكرية والانسحاب من العراق. فالعراق غير المستقر، إن لم
يكن المقاوم، يستنزف الجيش الأميركي بلا طائل، ويبقي إيران مطمئنة إلى
أن التهديد الأميركي بضربها عسكرياً مجرد تهديد طالما أن المهدد لا
يهدد، بل يصرخ مهدداً
أما
الانسحاب من العراق فيحرر الجيش الأميركي من المحيط المعادي له،
ويمكّنه من حرية الحركة
وبنفس الوقت يسمح بنشره في أفغانستان بحيث تصير قوات الناتو أكثر
فاعلية في التصدي لطالبان والقاعدة، ووقت اللزوم لإيران. كما يسهم
الانسحاب أيضاً في الضغط على إيران بتفهيمها أن الخيار العسكري ضدها
بات جدّياً.
2ـ العمل
على رأب الصدع مع روسيا، عبر الاعتذار العملي عن محاولة إدارة بوش
إذلالها. وهذا ما يتم بالتفاهم، وربما بالتنسيق، معها حول الدرع
الصاروخية في أوروبا الشرقية والاعتراف بمصالحها الإقليمية؛ بالإضافة
إلى مجموعة حوافز كإدخالها إلى منظمة التجارة العالمية ودعم مفاوضاتها
مع الاتحاد الأوروبي للوصول إلى اتفاق شراكة استراتيجية بينهما.لا شك
في أن روسيا ترحب عموماً بمثل هذا التعاون مع الولايات المتحدة
وإعلانها غداة انتخاب أوباما عن نشر شبكة صواريخ للتعامل مع الدرع
الصاروخية الأميركية بمثابة جس نبض لكيفية توجه أوباما نحوها، ونبفس
الوقت للفت انتباهه إلى استعدادها للتفاهم معه بخصوص كل المشاكل
القائمة بينهما من خلالها. صحيح أنه من غير المعروف مدى الإغراءات التي
ستقدمها إدارة أوباما لروسيا مقابل تأييدها للمساهمة في إجبار إيران
على التخلي عن برنامجها النووي، وإن كانت روسيا ستقبل أم لا
لكنّ
المؤكد أن برنامج إيران النووي سيصبح عما قريب ورقة بيد روسيا للمساومة
مع الغرب؛ وأعتقد أن روسيا تميل بهذا الاتجاه لأنها تحبّذ إدماجها في
الغرب على قاعدة المساواة التامة معه في المصالح. فماذا تريد غير ذلك
طالما أنها روسيا الروسية، وليست ما يتصورها خيال الشعوب العربية
والإسلامية؟على كل حال، إن تمكنت إدارة أوباما من التفاهم مع روسيا
بخصوص البرنامج النووي الإيراني، فسيتوحد «المجتمع الدولي» ضد إيران
ليتعامل معها بسياسة الجزرة والعصا: سيقدم لها سلة حوافز سخية مقابل
تخليها عن تخصيب اليورانيوم، تحت طائلة إصدار قرار دولي بحصارها
اقتصادياً
وفي
حال إصرارها على التخصيب، سيتم اتخاذ هذا القرار الذي سيعني منعها من
تصدير النفط ومن التعامل التجاري معها حتى من قبل بلدان كبلدان الخليج.
من المؤكد
أنه ليس من مصلحة أحد توجيه ضربة عسكرية لها، فالقتل بخيط الحرير أسلس
وأنعم و»إنساني» مقارنة بالسكين، ويؤدي نفس الغرض. وبنفس الوقت فإن من
شأن هذا الخيط تجنيب المنطقة احتمال حرب قد يبادر لها حزب الله ضد
إسرائيل، دفاعاً عن نفسه قبل أن يدافع عن إيران
فماذا ستفعل إيران إن
قامت السفن الحربية الأميركية والأوروبية، بموافقة روسيا والصين،
بمصادرة ناقلات النفط الإيرانية في الخليج أو حتى خارج مضيق هرمز؟ هل
ستحارب العالم بإغلاق مضيق هرمز؟ أم ستشن الحرب لفك الحصار، وضد من؟ ضد
السعودية وبلدان الخليج أم ضد إسرائيل؟ وفي كل هذه الأحوال، فالعصا
الأميركية ـ الأوروبية ليست رفيعة. لا شك في أن أوباما سيبذل قصارى
جهده لدفع الأمور بهذا الاتجاه، وبسرعة. وأعتقد أنه لهذا السبب تم
ترتيب لقاء قريب بينه وبين الرئيس الروسي، حتى قبل تنصيبه رسمياً،
طالما أن «الوقت لص»، كما يقول المثل الإنكليزي، وعلى أوباما «أن يمسك
به من الخلف، من قبة قميصه». فهل ستتجاوب روسيا مع هذه الجهود، أم أنها
ستظل تدعم إيران على الأقل بتغطية برنامجها النووي دولياً ريثما تنتج
أول سلاح نووي يقلب طاولة العلاقات الدولية الجديدة التي يزمع أوباما
صياغتها؟
من الواضح
أنني لم أتطرق إلى ما سيكون عليه موقف القيادة الإيرانية إن تجاوبت
روسيا، وكيف سيكون إن لم تتجاوب
لكننا رأيناها تتعامل بهذا الموضوع بمنتهى العقلانية منذ أن انطرح
برنامجها النووي على طاولة المفاوضات، أيام الرئيس خاتمي. فقد أعلن
وقتها بمنتهى الصراحة «يريد الغرب ملاكمةً يتم الفوز بها بالضربة
القاضية، أما نحن فنريد سباقاً ماراتونياً»، وانحنت إيران وقتها
للعاصفة
أما
بعد انكشاف الورطة الأميركية في العراق فوقفت كالرمح في وجه العاصفة،
لأنها كانت عاصفة من الكلمات. فماذا ستفعل إن اتفق أوباما وروسيا؟
أعتقد أن هذا يتوقف على معادلة بسيطة يتفاعل فيها الزمن مع الزمن:
الزمن الذي قد تتوصل فيه الولايات المتحدة وروسيا إلى الاتفاق والزمن
المتبقي لنجاحها بأول تفجير نووي، هذا الذي قد لا يعرفه أحد بدقة إلا
هي.
*كاتب
سوري
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:daralhayat.com
|