هل إيران سلطنة معاصرة يحكمها المرشد ؟

 

أكبر غانجي

 

 

مع اقتراب الانتخابات البرلمانية الإيرانية في آذار (مارس) 2008، رأى إيرانيون كثر أن الأوضاع في بلدهم كانت لتكون في أفضل حال لو لم يفز أحمدي نجاد بالرئاسة وشأن الإيرانيين، يحمّل عدد كبير من وسائل الإعلام الغربية والسياسيون الغربيون نجاد مسؤولية المصائب التي تعاني منها إيران، أي القمع، والفساد، والاقتصاد الفاشل، واحتمال تعرض إيران الى هجوم اميركي. وتغالي هذه الآراء الإيرانية والغربية في تقويم دور أحمدي نجاد وثقله، وتغفل عن أن من يمسك بمقاليد الحكم بإيران هو علي خامنئي، مرشد الثورة منذ 1989.

فهو الفيصل في عمل السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية. وهو الرئيس صاحب السلطة المطلقة في إدارة الشؤون الاقتصادية والدينية والثقافية. ويحكم خامنئي قبضته على المجتمع من طريق مجالس الحكومة، وأجهزة القمع، ومنها الحرس الثوري. وفي 2004، أعلن محمد خاتمي، وكان يومها الرئيس الإيراني الإصلاحي، أن صلاحيات الرئيس الإيراني قلصت، وأن الرئيس يكاد أن يكون حاجباً. ويفترض من يحسب أن نجاد مسؤول عن الويلات الإيرانية أن مشكلات إيران تذلل فور انتهاء ولايته. وهذا بعيد من الواقع، وضعيف الصلة به ولا تختلف ولاية نجاد الرئاسية عن ولايات الرؤساء الإيرانيين السابقين، على رغم أن خاتمي (رئيس إيران بين 1997-2005) حاول انتهاج سياسات ليبرالية.. فالانتخابات في إيران، سواء منها التشريعية، او الرئاسية، أو البرلمانية، أو البلدية، مزورة. ويفترض في المرشحين إليها كتابة تعهد خطي يفيد التزامهم الدستور الإيراني الإسلامي، وقبول سلطة المرشد الأعلى المطلقة. ومُنع عدد كبير من النواب اليساريين المنتخبين من الترشح الى دورة ثانية، في انتخابات 1992، في عهد الرئيس رفسنجاني. وفي ولاية خاتمي، خُص المحافظون بـ 190 مقعداً من 290 مقعداً من دون الاحتكام الى الاقتراع، ومنع 43 في المئة من المرشحين من التنافس في الانتخابات ولكن بعض الأمور تحسنت في ولاية نجاد، على رغم أن الفضل في هذه التغيرات لا يعود إليه. فظروف الاعتقال تحسنّت عما كانت عليه في العقود الثلاثة السابقة، على رغم أنها بعيدة من التزام حقوق الإنسان. وفي العام الماضي، لقيت طبيبة وطالبة كردية حتفهما في زنزانات النظام. ولكن ميل الناس الى مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان قيّد، الى حد ما، يد الحكومة في ارتكاب الجرائم. وكتبت مجموعات سياسية إصلاحية رسائل مفتوحة تندد بسياسة خامنئي.

وفي عهد نجاد، تراخت الحكومة في فرض «الأمن الاجتماعي»، وهو مرادف القمع الاجتماعي، وتحرر الجيل الشاب من القيود الصارمة على أزيائه. ولقي احمدي نجاد ردوداً على خطابه الشعبوي لم ينتظرها، ولم تكن في حسبانه. وبعث خطاب الرئيس المعارضين على انتقاده انتقاداً شديداً. فعلى سبيل المثال، أعلن نجاد أن السياسيين الإصلاحيين غير مؤهلين للترشح الى الانتخابات. فردّ عليه إصلاحي بارز رداً عنيفاً، ودعا الى منع نجاد من الترشح. وكتب وزير الداخلية السابق أن أحمدي نجاد يفتقر الى الكفاءة في إدارة السلطة التنفيذية والشؤون الإدارية.

وأخذ عليه سيد محمد صدر، نائب وزير الخارجية في حكومة خاتمي، جهله شؤون السياسة، ونعته معارضيه بـ «المشعوذين الدينيين» و «المجانين». ولكن قيد الرقابة على الصحافة لم يُرفع ولا شك في ان خامنئي مسؤول عن وضع إيران الحالي. فهو أحكم قبضته طوال أعوام على الحكم فيها. وفي كتابه «الاقتصاد والمجتمع»، الصادر في 1922، رأى ماكس فيبر أن النظام التعسفي المنفلت من أي عقال هو نظام سلطاني. والنظام الإيراني هو «نيو - سلطنة»، أو سلطنة حديثة، وليس نظاماً فاشياً أو توتاليتارياً. فعلى خلاف هذا النوع من الأنظمة، وفيها تغلب عقيدة واحدة على المجتمع وتهيمن عليه، تتعدد التيارات السياسية، وبعضها ليبرالي وبعضها الآخر اشتراكي أو نسوي في إيران. ولا يتولى حزب واحد تنظيم شؤون المجتمع كلها، بل تتقاسم عشرات الأحزاب،  هذه المهمة. وعلى رغم أنها لا تضاهي الأحزاب الغربية الديموقراطية، تخالف هذه الأحزاب الحكومة الرأي. واضطر خامنئي الى مراعاة هذه الأحزاب. ففي 1998، يوم احتدمت موجة اغتيال المعارضين، اضطر مرشد الثورة الى طمأنة الشعب من منبر خطبة الجمعة بطهران. فألقى مسؤولية الاغتيالات على أعضاء مارقين في وزارة الاستخبارات والأمن.

وليست إيران دولة إسلامية تلتزم الشريعة. فالدولة توسلت التعاليم الإسلامية لخدمة مآربها، منذ الثورة الإسلامية في 1979 الى اليوم. ونظر الخميني الى الإسلام نظرة سلطانية. فكتب، في 1988، أن «سلطة الدولة تتقدم على نواهي الشرع وفروضه... والحاكم يملك صلاحية تدمير جامع أو منزل لشق طريق، ومنع الحجاج من الحج في مكة والمدينة في حال تعارض هذا الفرض مع مصالح الجمهورية الإسلامية». وعلى رغم أن ثمة قراءات فاشية وإيرانية للإسلام، ليست إيران دولة فاشية. وعلى خلاف الخميني، وهذا حظر على «حرس الثورة»، التدخل في الشؤون السياسية، شرّع خامنئي الأبواب أمام تدخل «حرس الثورة» في الحياة السياسية وفي القطاعات الاقتصادية، واستعان به لمحاصرة مقر «مجمع آيات الله ومراجع التقليد»، في 1992، وحمل العلماء قسراً على تنصيبه مرجعاً.

وفي ولاية أحمدي نجاد الرئاسية، تعززت قوة «حرس الثورة» الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وتضاعفت الموازنة العسكرية عما كانت عليه في عهد خاتمي، وبلغت 5 في المئة من الناتج القومي الإيراني. وعيّن نجاد عسكريين سابقين، ومسؤولين في الاستخبارات، في مناصب سياسية. وبيضت حكومة نجاد صفحة «حرس الثورة» غير الشرعية. ففي التسعينات، مول حرس الثورة والجيش النظامي وضباط، مشاريع سكنية، شمال طهران. ورفضت السلطات المحلية منح أصحاب هذه المشاريع رخص بناء، ما حال دون حيازة أصحاب الشقق السكنية صكوك ملكية. وبعد فوز الإصلاحيين في مجلس بلدية طهران، أصدرت البلديات تراخيص بناء لـ «حرس الثورة»، وأضفت طابعاً شرعياً على أعمالهم في قطاع البناء. وجنى هؤلاء أرباحاً كبيرة. ومنحت المصارف شركات «حرس الثورة» قروضاً ميسرة ومخفضة الفائدة. ولكن أصحاب الشركات لم يسددوا ديونها، واسهم هذا في تفاقم مشكلات النظام المصرفي الإيراني وفي حال آلت الرئاسة الى شخص آخر في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالسياسة الخارجية الإيرانية مقيمة على حالها. فخامنئي يحكم قبضته على وزارة الخارجية، ويتابع شؤونها تفصيلاً.

*(صحافي ايراني معارض، اعتقل بين 2000 و2006)، عن «فورين أفيرز» الاميركية، 11-12/2008

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر :daralhayat.co m