لن يكون له مفعول السحر الاتفاق النووي الهندي··· المال هو الهدف

 

ميرا كامدار

 

 

إذا كانت جورجيا وأولمبياد بكين و''سارة بالين'' قد طغت على حديث الناس مؤخرا، فإن أهم تطور في العالم ربما لم يلفت أي انتباه إليه تقريبا؛ حيث تقوم الهند والولايات المتحدة، إلى جانب كبريات الشركات، بالدفع في اتجاه اعتماد اتفاق نووي جديد مربح وخطير في آن واحد؛ الاتفاق النووي المدني الأميركي- الهندي الذي يسعى البلدان جاهدين إلى أن توافق عليه ''مجموعة المزودين النوويين''، التي تضم 45 بلدا وتنظم تجارة المواد النووية في العالم، والكونجرس في تصويت أخير قبل أن يرفع جلساته هذا الشهر. يقول رئيس الوزراء الهندي ''مانموهان سينج'' إن الاتفاق سيسمح لبلده، الذي يرفض توقيع ''اتفاقية حظر الانتشار النووي'' و''اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية''، بأخذ ''مكانتها الصحيحة بين الأمم''؛ وشخصيا، أفهم جيدا لماذا تريد الهند اليوم، وهي الدولة الديمقراطية المنخرطة في عملية العولمة والتحديث، الاعتراف والاحترام؛ وأوافق على أنها تحتاج إلى مزيد من الطاقة؛ غير أن هذا الاتفاق المتهور والخطير ليس الطريقة المناسبة للحصول على أي من هذه الأشياء، والواقع أن ديمقراطية الهند بدأت تدفع ثمنا باهظا، والآن ربما حان دور العالم أيضا.

الاتفاق التاريخي سيسمح للشركات النووية الأميركية بالتعامل التجاري مرة أخرى مع الهند، وهو أمر كان محظورا منذ 1974 حين أجرت ''نيودلهي'' اختبارا لأول قنبلة نووية لهـــا -يذكر أن الهند اختبرت قنابل نووية مرة أخرى في ،1998 مما دفع باكستان لتحذو حذو جارتها وتجري اختبارات بعد ذلك بأيام؛ كما سيرفع أيضا قيودا على مبيعات دول أخرى للتكنولوجيا والوقود النوويين إلى الهند، بدون أن يطلب من الهند أي شيء تقريبا مقابل ذلك؛ غير أن الاتفاق سيقوض النظام الدولي نفسه الذي تسعى الهند جاهدة إلى الانضمام إليه فالاتفاق يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح جديد في آسيا؛ ذلك أنه في حال اعتماده، فإن باكستان المنزعجة وغير المستقرة ستسعى إلى الندية النووية مع الهند، في حين ستستشيط الصين غضبا من حيلة أميركية واضحة ومكشوفة تستطيع إحداث توازن إزاء صعود بكين عبر تقوية الهند كوزن مضاد في المنطقة؛ كما سينسف الجهود الدولية الرامية لاحتواء انتشار المواد النووية، وسيشجع بلدانا أخرى على تجاهل اتفاقية حظر الانتشار النووي التي تُكافأ الهند اليوم على عدم توقيعها؛ وعلاوة على ذلك، فإن الاتفاق الأميركي-الهندي سيصرف مليارات الدولارات عن متطلبات التنمية الحقيقية للهند في الزراعة والتعليم والرعاية الصحية والسكن والصرف الصحي والطرق؛ مثلما سيصرفها عن تطوير مصادر طاقة نظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بغية تقليل الانبعاثات التي تنتجها محطات الفحم الكثيرة التي تتوفر عليها؛ وبدلا من ذلك، سيركز الاتفاق جهود الدولة على مصدر طاقة لن يساهم، وفق أحسن التوقعات، سوى بـ8 في المائة فقط من مجموع احتياجات الهند من الطاقة على أنه لن يفعل ذلك حتى .2030 وعليه، فما الذي سيحققه الاتفاق؟ الحقيقة هي أن الاتفاق سيدر مليارات الدولارات من العقود المربحة على الشركات الأعضاء في ''المجلس التجاري الأميركي- الهندي'' و''كونفدرالية الصناعة الهندية''؛ كما أن إدارة ''بوش'' تأمل أن يساهم في إنعاش قطاع الطاقة النووية المحتضر وتوسيع استعمال هذه الطاقة ''غير الملوِّثة''، والذي يعد واحدا من أركان سياسة إدارة ''بوش'' في مجال الطاقة؛ وعلاوة على ذلك، سيسمح الاتفاق للزعماء الحقيقيين لتجارة الطاقــــة النوويــــة في العالم -فرنسا وروسيا اللتين تدعمان الاتفاق بقوة-بجني أرباح هائلة في الهند؛ وسيوفر فرصا مربحة جدا لكبريات الشركات الهندية، التي تطمح إلى وضع يدها على حصة من الغنائم؛ كم من الغنائم؟ صحيفة ''واشنطن بوست'' تقدرها بأكثر من 100 مليار دولار من الصفقات التجارية على مدى السنوات العشرين المقبلة، إضافة إلى عشرات الآلاف من الوظائف ربما في الهند والولايات المتحدة.

تلك هي حقيقة الاتفاق النووي الأميركي-الهندي؛ وهذا هو ما تتم المجازفة بنظام حظر الانتشار النووي، الذي جنب العالم كوارث نووية لعقود عدة، من أجله: المال. في هذه الأثناء، تمارس المنظمات القطاعية ضغوطا قوية على الكونجرس، وتسعى إلى جلب المشرعين الأميركيين إلى صفها؛ حيث لجأ المجلس التجاري الأميركي-الهندي، الذي يعد أبرز منظمة تدافع عن الشركات الأميركية التي تستثمر في الهند، إلى خدمات أفضل المهنيين في اللعبة، مثل شركة المحاماة والضغط ''باتون بوجس''، التي تعمل على الاتفاق منذ عامين، في حين لجأت الحكومة الهندية إلى شركة ''باربر، جريفيث وروجرز''، التي كان يرأس فريقَها الدولي إلى غاية الشهر الماضي ''روبرت بلاكويل'' سفير ''بوش'' الأول إلى الهند والذي يعد من بين القوى الرئيسية وراء الاتفاق ويمكن القول إن مجموعات الضغط نجحت إلى حد كبير في تقديم الاتفاق على أنه استفتاء على الهند نفسها، وعلى قوة الديمقراطية الهندية، وعلى متانة الصداقة الهندية-الأميركية؛ في حين تم وصف المعارضين للاتفاق -بل حتى الأشخاص الذين يتجرأون على التساؤل بشأن بعض أحكامه ومقتضياته- بأنهم ''متشددون مناوئون'' و''أعداء للهند''، ملمحين إلى أن هدفهم الحقيقي هو الإبقاء على الهند في الخلف، وهو ما يعد تلفيقا مهينا للأفراد والحكومات والهيئات الدولية التي تحرص على إبقاء العالم آمنا من أخطر سلاح من أسلحة الدمار الشامل.

على أي حال، فإن الاتفاق النووي لن يحول الهند على نحو سحري إلى ند اقتصادي أو عسكري للصين؛ ذلك أن 42 في المائة من الهنود يعيشون تحت خط الفقر الجديد الذي وضعه البنك الدولي بـ 1,25 دولار في اليوم؛ ثم إنه حتى في حال تمكنت الهند من أن تضاهي الصين من حيث عدد المفاعلات وعدد الصواريخ -وهو أمر مستبعد في أحسن الأحوال- فإن نيودلهي لن تستطيع القيام بذلك إلا على حساب الاستثمارات في البنى التحتية البشرية والمادية التي يمكن أن تحول الهند بالفعل إلى قوة عظمى مزدهرة وآمنة.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitthad.ae