قوتــان عالميتــان صاعدتــان تشــكلان تحديــا للغــرب
أن
ابلوم
صحيفة
واشنطن بوست ـ ترجمة:الاتحــاد
ليس عليك أن تنظر إلى
أكثر من تغطية شبكة التلفاز البريطانية عبر الشاشة المجزأة لاحتفالات
افتتاح وختام الألعاب الأولمبية في بكين مؤخراً ، حتى تقف على أفضل
تمثيل لحقيقة أن الإرهاب الإسلاموي سيعتبر ذات يوم أقل مشاكلنا على
الإطلاق. فعلى إحدى جهتي الشاشة، تلألأت الألعاب النارية، وطوى الآلاف
من الراقصين الصينيين أجسامهم وقد ارتدوا
ملابس صينية أنيقة، لتتخذ أشكال حمائم وأنظمة متناغمة، وأكثر من
ذلك.أما من الناحية الأخرى، رأينا الدبابات الروسية رمادية اللون وهي
تجتاح شوارع أوسيتيا الجنوبية، تلك المنطقة المتمردة من جورجيا. وكان
التأثير يبعث على الصدمة: ثمة قوتان من القوى العالمية الصاعدة، تتيهان
وتعرضان ما لديهما.يكمن الفارق، بالطبع، في أن إحدى المناسبتين جرى
التدرب على أحداثها لسنوات، بينما جاءت الأخرى مفاجأة كلية، والتي لم
يكن من المقرر أن تتم حقيقة في هذا الوقت الا أن ذلك أيضا ينطوي على
مغزى: لقد كان التحدي الصيني للقوة الغربية منتظراً منذ أمد طويل، وهو
قابل للتكهن به بمعنى ما. لكن الصينيين لا يقدمون، كقاعدة، على اتخاذ
خطوات مفاجئة، كما لا يحاولون التسبب بنشوب أزمات.
على العكس من ذلك، تعتبر
روسيا قوة غير قابلة للتنبؤ بها، وهو ما يجعل الرد على موسكو أمراً
ينطوي على صعوبة أكثر. وفي الحقيقة، أصبحت السياسة الروسية تتسم بغموض
كبير، إلى درجة يصعب معها القول لماذا تصاعد هذا النزاع "المجمد" في
هذا التوقيت على وجه التحديد وكانت مصادر
روسية قد قالت يوم الثامن من الشهر الماضي بأن جورجيا قامت بغزو
أوسيتيا الجنوبية بهدف إخضاع المنطقة المنفصلة
وفي أثناء ذلك، قالت جورجيا إن قواتها دخلت "عاصمة" أوسيتيا
الجنوبية رداً على تصعيد الهجمات التي ظلت تشن منذ أسبوع - وقد ظلت
تجري في الحقيقة منذ سنوات - بالإضافة إلى القصف الجوي الروسي للأراضي
الجورجية لكن ثمة لاعبين آخرين متورطين -
جهات شبه عسكرية، ومستفزين، بل وحتى صانعي سلام (روس)، والذين يبدو أن
بعضهم قد قتل - وسلسلة معقدة من التطورات التي لها تفسيرات لا تعد ولا
تحصى. وكانت توترات سابقة في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وهي القطعة
الأخرى من جورجيا التي كانت أعلنت استقلالها، قد حلت من دون حرب بشكل
ما. لكن ثمة جهة ما تريد لهذا الوضع، كما هو واضح، أن يستمر.
إن لدى الجانبين، على حد
سواء، دوافع عميقة للاقتتال؛ فالروس يريدون منع جورجيا من الانضمام إلى
حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بينما طال توق جورجيا، وهي ديمقراطية مؤهلة
من جهة الغرب - كان جورج بوش قد وصفها بأنها "منارة حرية" - لأن تكون
عضواً في الناتو. وبهذا، فإنهم سينجحون على نحو شبه مؤكد: إذ لا تمتلك
أي قوة غربية أي مصلحة في أي حليف عسكري يكون متورطا في نزاع عسكري
رئيسي مع روسيا.
من الجهة الأخرى، أصبحت
القيادة الجورجية تعتقد بأن الضغط الثابت الناجم عن العدوان الروسي،
إلى جانب الفشل الغربي في دمج جورجيا في الناتو، قد أجبرها على إظهار
"اعتمادية على الذات". وفي الحقيقة، كان الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي
يشتري الأسلحة استعدادا لهذه اللحظة. ويقول أولئك الذين يعرفونه إنه
اعتقد بأن النزاع المسلح كان أمرا حتمياً، وبأنه يمكن تحقيق النصر فيه
إذا ما سيس باقتدار. واعتبارا من ليلة الثامن من الشهر الماضي ، ومع
مشاركة الجنود الروس في القتال في أوسيتيا الجنوبية - على بعد عشرين
ميلاً فحسب من العاصمة الجورجية تبليسي، بدا وأنه قد أخطأ الحساب على
نحو سيئ؛ ذلك أن روسيا لم تدفع بحوالي 150 دبابة عبر تلك الحدود لكي
تخسرمع ذلك، يظل الأساس في هذا كما يلي: كان يجب على جورجيا أن تكون قد
تراجعت عندما وصلت إلى الشفير - ومايزال يترتب عليها فعل ذلك إذا ما
حصلت على فرصة - لكن نشر روسيا لمثل هذه القوة الضخمة والمعدة بعناية،
وليس في أوسيتيا الجنوبية فقط، وإنما أيضا في بقية جورجيا، يظل شأناً
غير مقبول جملة وتفصيلاً. ولكن، ما هو الاستنتاج الآخر غير القابل
للدحض؟ أينما يوجه اللوم فيما يتعلق بالتصعيد مؤخراً ، فإن لدى الغرب
القليل من القدرة على التأثير في النتائج. ولعل مناشدات ساكاشفيلي
لتقديم المساعدة والدعم المعنوي - "إن هذا لا يتعلق بجورجيا"، كما قال
لشبكة (سي. إن. إن.)، "إنه يدور حول القيم الأساسية التي كثيراً ما
بشرت بها الولايات المتحدة" - لن تصل إلى أي مكان ما لم تكن روسيا تريد
ذلك وفي أثناء ذلك ، يحاول كل طرف بذل قصارى
جهوده بالطبع: وحتى بينما أكتب هذه السطور، ثمة عشرة أو أكثر من
الدبلوماسيين ورؤساء الدول يزحمون خطوط الهاتف بين بكين والقوقاز، في
محاولة البحث عن الطرف الذي أشعل فتيل الأزمة. ربما سينجحون - أو ربما
يريد أولئك الذين أشعلوا فتيل هذه المعركة لهذا أن يستمر
على أي حال، فإن الوقت الحالي ليس هو المناسب للبت في أمر هذا
النزاع، فقد كان من المفروض القيام بذلك قبل سنتين أو حتى أربع سنوات.
لقد كان من الواضح منذ وقت طويل جداً وجود فراغ أمني في منطقة القوقاز،
وأن هذا الفراغ كان خطيرا، وأن الحرب كانت مرجحة الحدوث، وأن جورجيا،
الحليف القريب للولايات المتحدة، لن تخرج منتصرة من أية مواجهة، وأن
غزوا ناجحا لجورجيا، وهي بلد يتواجد على أرضه جنود أميركيون، ستكون له
آثار سيئة على الغرب. لقد منع الجبن والضعف والافتقار إلى الأفكار،
وفوق كل شيء، التشتت الذي فرضته المناسبات والتطورات الأخرى، كل ذلك
منع حدوث انخراط أعمق. وربما يكون الوقت قد أصبح الآن متأخراً جداً على
مثل ذلك الانخراط.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:alitthad.ae |