على
التخوم بين الإقليميّ والدوليّ
حازم
صاغيّة
واضح ان تركيّا تحاول أن
تقترب إيجابيّاً من نزاعات جوارها، أكان منها ما هي معنيّة به، منخرطة
مباشرة فيه، كالمشكلة مع أرمينيا، أو ما هي معنيّة به بشيء من التوسّط
والاستطراد، كالنزاع السوريّ - الإسرائيليّ. لذا يتحرّك رئيساها عبد
الله غل ورجب طيّب أردوغان، زيارات واستقبالات، وطبعاً وساطات، في
الاتّجاه هذا. وهو، تعريفاً، ما يلاقي هوى أوروبيّا تريد تركيّا ذات
الحكم الإسلاميّ أن تخاطبه وتغويه. فروسيا التي يحاول الرئيس الفرنسيّ
نيكولا ساركوزي أن يتوسّط مع نزاعها مع جورجيا، هي نفسها الجار
الشماليّ لتركيا والذي كان لجيرته، في وقت سابق، أن دفعت الأتراك الى
الانضواء في حلف «الناتو».
واليوم، لا تركيا تريد
العودة الى «الناتو»، ولا أوروبا تريد التصعيد حيال روسيا مكتفيةً بقدر
من التوبيخ الصارم. وهما طبعاً لا يريحهما الانبعاث الإمبراطوريّ
الروسيّ، كما لا يريحهما الاحتمال الإيرانيّ النوويّ. إلا أنهما، كذلك،
غير متحمّستين لضرب إيران عسكريّاً إلا بالقدر الذي تتحمّسان فيه
للتصعيد حيال موسكو وهي عموماً سياسة لإطفاء
الحرائق بالتي هي أحسن، تشارك فيها، من موقعها، إمارة قطر، أحد أطراف
قمّة دمشق الأخيرة. فقطر التي تعالج ضعف الجغرافيا بقوّة النفط والغاز
الطبيعيّ و «محطّة الجزيرة»، هي الأخرى توّاقة الى دور كبير يندرج في
المسار الفرنسيّ - التركيّ.
بيد أن هذا كله يجري في
لحظة من الغياب الأميركيّ، ليس فقط بسبب الانتخابات الرئاسيّة ولكنْ
أيضاً بسبب توزّع القوّات العسكريّة، ومن ثمّ الانشغالات السياسيّة، ما
بين العراق وأفغانستان. وهي نقطة ضعف تشكّك بقوّة الضخّ التي تملكها
خراطيم الإطفاء. فنتذكّر، مثلاً، والحال على ما هي عليه، أن صلح أوسلو
لم يصر جدّيّاً إلاّ بعد أن استقبلته حديقة البيت الأبيض فصار صلح
واشنطن. تفاقم نقطة الضعف الكبيرة غيابات أخرى بينها الجيوبوليتيكيّ
الذي لاحظه المراقبون وهم يسجّلون عدم الحضور المصريّ والسعوديّ قمّة
دمشق الرباعيّة. ولا يخفى، من ثمّ، ان المشكلات التي يراد تذليلها
تستلزم طاقات أكبر وجهوداً أضخم، يصحّ ذلك في الأزمة التاريخيّة
المعقّدة بين تركيا وأرمينيا، كما في السلام السوريّ - الإسرائيليّ،
ناهيك عما بات البعض يسمّيه «عودة الحرب الباردة». فأن تشارك روسيا
فنزويلا في مناورات عسكريّة بحريّة في أميركا الوسطى، وأن ترسل
الولايات المتّحدة سفينتين حربيّتين الى المياه الجورجيّة، فهذا يضعف
الحدّ الفاصل بين الإقليميّ والدوليّ. وغني عن القول إن القوى التي
تتصدّى للنزاعات إقليميّة الطاقة في أحسن أحوالها، معلّقة الجهد الذي
لا يثمر، إذا أثمر، إلا بعد الانتخابات الرئاسيّة في الولايات
المتّحدة. وهل نذكّر بمنطق هذه التسويات التي ما إن شهدنا بعض أبرز
عيّناتها في الدوحة حتّى انفجرت في طرابلس!
ويُخشى في هذا الالتباس
المقيم على التخوم الفاصلة بين الإقليميّ والدوليّ، أن ينبري طرف
إقليميّ مهتاج، هو إسرائيل، فيبادر بطريقته. والكلام الإسرائيليّ
المتكاثر لم يعد يستدعي الشروح والتفاسير، فيما توصية الشرطة بالتحقيق
مع إيهود أولمرت ربما أفضت الى التعجيل في ترتيب البيت الداخليّ للدولة
العبرية والتمهيد لإزعاج بيوت داخليّة كثيرة، أو ربّما خراب بعضها.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:daralhayat.com
|