آراء : "الناتو" وروسيا... الى تنقيح قواعد
الحرب
ويليام فاف
"الناتو"
وروسيا... وقواعد الحرب
ينسب إلى المارشال الإنجليزي بيرنارد
لو مونتجمري قوله: "قواعد الحرب الثلاث هي: إياكم وغزو روسيا.. إياكم
وغزو روسيا... إياكم وغزو روسيا". وفي التعليق على هذه القواعد الحربية
اليوم، فربما يضع من يقرؤها ملحوظة هامشية تقول إن إقليمي أبخازيا
وأوسيتيا الجنوبية الجورجيين المتنازع عليهما اليوم، لم يعودا جزءاً من
الإمبراطورية الروسية. غير أن هذه الملحوظة لا تنفي حقيقة أنهما كانا
بالأمس القريب جزءاً من روسيا، وربما يبقيان كذلك غداً وما بعده إلى
أبد الدهر. فالكثير من مواطني الإقليمين يحملون جواز السفر الروسي،
إضافة إلى وجود قوات عسكرية روسية في كليهما. وإذا ما أردنا الآن إضافة
قاعدة رابعة إلى ما ذكره المارشال مونتجمري فربما تكون صياغتها الأنسب
كالتالي: "لا تدعوا أحداً يخدعكم بغزو روسيا".
ذلك أن المدافعين عن الرئيس الجورجي
سكاشفيلي يرون أن روسيا كانت على استعداد مسبق للتصعيد العسكري رداً
على الاستفزازات الصادرة عن الهجمات التي شنتها تبليسي على متمردي
أوسيتيا الجنوبية. ولكن على أية حال، فقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"
عن مسؤول أميركي رفيع قوله: "لا يبدو لي أن ما حدث من الجانب الروسي
كان مقصوداً، بدليل أن موسكو كانت تلعب دوراً بناءً حتى الليلة السابقة
لتصعيدها العسكري ضد جورجيا". أما الرواية الروسية لدوافع هذه الحرب،
وما صحبها من خيانة مزعومة من جانب سكاشفيلي لبلاده، فهي أن نائب
الرئيس الأميركي ديك تشيني هو من حرض سكاشفيلي على شن الحرب، أملاً منه
في دعم حملة جون ماكين الانتخابية، طالما أنه ليس من أمل لهذا الأخير
في الفوز بالمنصب الرئاسي، إلا أن تكون هناك حرب أياً تكن!
تلك هي وجهة نظر سيرجي ماركوف، مدير
معهد الدراسات السياسية في موسكو، مع ملاحظة أنها وجهة نظر شائعة
الانتشار في روسيا. ويبقى القول إن لها منطقها، وإنها إذا ما صحت، فإن
من الواجب توجيه تهمة إساءة استغلال المنصب العام لديك تشيني، مع
ملاحظة أن هناك من كان قد اقترح توجيه اتهام كهذا إلى تشيني سابقاً،
بسبب استغلاله لمنصبه مرات عديدة من قبل. أما تعليق تشيني على الهجمات
المضادة التي شنتها موسكو على تبليسي، فقد اتسم بطابع جد رئاسي: "يجب
ألا تمر هذه الهجمات الروسية دون مساءلة وتقديم توضيحات عليها من قبل
موسكو. وفيما لو استمرت، فإنها لاشك ستلقي بعواقب وخيمة على العلاقات
الروسية-الأميركية". ويمكننا أن نلاحظ أن هذه العبارة قالت كل الذي يجب
أن يقال، بذات القدر الذي لم تقل فيه شيئاً البتة!
إلى هنا يمكن القول بوجوب أن تكون
القاعدة الخامسة للحرب تحذيرية: حذار أن يخدعك أحد بأنك إذا غامرت
بمهاجمة روسيا، فسوف تهب الولايات المتحدة أو حلف الناتو لنجدتك، سواء
كانت هذه الخدعة صادرة عن المعاهد الأميركية الداعية إلى نشر الحرية
والديمقراطية حول العالم، أم من مؤسسات البحث العلمي التابعة
لـ"المحافظين الجدد"، أم صدرت عن كبار كتاب الأعمدة الصحفية والمعلقين
التلفزيونيين الأميركيين.
نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني هو من
حرض سكاشفيلي على شن الحرب، أملاً منه في دعم حملة جون ماكين
الانتخابية وبهذا نصل إلى قاعدة الحرب
السادسة، التي تتسم بقدر كبير من الواقعية السياسية، إلى جانب تفسيرها
للقاعدة الخامسة. واضع هذه القاعدة هو وزير الخارجية الأميركية السابق
هنري كيسنجر: "لا تقدم الدول العظمى على الانتحار العسكري السياسي من
أجل حلفائها". وتكتسب هذه القاعدة أهمية أكبر، خاصة حين تكون الدولة
الحليفة صغيرة وثانوية بحجم جورجيا.
والقاعدة السابعة: "لا تعط ضمانات أو
تطلق تهديدات لا تستطيع الوفاء بها". وعلى حد قراءتي الواسعة للتعليقات
التي كتبت عن هذه الحرب الأخيرة المهمة على رغم صغرها ومحدوديتها،
فإنني لم أعثر مطلقاً على أي إجابة عن السؤال: لمَ يتعين على جورجيا
وأوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو؟ فالملاحظ أن كلتا الدولتين تصحبان
معهما حروباً جاهزة، ليس في مقدور "الناتو" ولا في نيته تحمل وزرها أو
التصدي لها. والمقصود بهذا أن كلتيهما منقسمتان على نفسها عرقياً
وثقافياً، وأن تاريخهما عبارة عن سلسلة طويلة من التناحر الداخلي بين
تكويناتهما المتنافرة ففي جورجيا، يستمر هذا
النزاع بين المجموعات الناطقة باللغة الروسية، التي كانت تابعة سابقاً
لروسيا ولا تزال ترغب في هذا الانتماء لها، والأغلبية الجورجية الطامحة
للالتحاق بالغرب الأوروبي، والراغبة في الوقت ذاته في فرض هيمنتها على
الأقلية الروسية. وفيما لو تنازلت جورجيا سلمياً عن المناطق التي
تسكنها الأقلية الروسية، وحققت بذلك وحدتها السياسية الثقافية العرقية،
فإنه يحق لها أن تلتحق بحلف "الناتو" كما تشاء. ولكن الذي تقرره
العمليات الحربية التي شهدتها جورجيا في الأسبوع الماضي، ولا تزال
معاركها المتفرقة تدور هنا وهناك داخل التراب الجورجي، هو أن من الواضح
أن الرئيس سكاشفيلي يتشبث بأن تحميه عضوية بلاده في حلف "الناتو" من
عواقب النزاعات المحتملة جراء إرغام عاصمة بلاده للجماعات الروسية
المتمردة على البقاء في إطار الوحدة السياسية العرقية الثقافية التي
تفرضها عليها جورجيا فرضاً، بما في ذلك الانتماء إلى عضوية "الناتو".
يذكر أن "الناتو" لم يُبدِ استعداداً لتحمل عبء عسكري كهذا، وخاصة أن
عضوية جورجيا فيه تأتي مصحوبة بحرب كامنة فيها، على نحو ما رأينا في
تطورات أحداث الأسبوع الماضي.
وفي أوكرانيا تكمن حرب مماثلة، بين
نصفها الأرثوذكسي الغربي، وشقها الآخر المتحدث للغة الروسية. ومثلما هو
حادث في جورجيا، تحاول أوكرانيا الأرثوذكسية الغربية الاستعانة
بـ"الناتو" في دعم مساعي هيمنتها على شقها الروسي. وإذا ما استمع
"الناتو" جيداً إلى نصائح المارشال مونتجمري آنفة الذكر، فإن عليه
النأي بنفسه بعيداً عن هذه الحروب الكامنة في كلتا الدولتين الطامحتين
إلى نيل عضويته. وبعد الذي حدث الأسبوع الماضي، فربما بدا "الناتو"
محظوظاً جداً هذه الأيام، لمنع كل من فرنسا وألمانيا انضمام جورجيا إلى
عضويته في وقت مبكر من العام الحالي.
ويليام
فاف كاتب ومحلل سياسي
ينشر
بترتيب خاص مع "تريبيون ميديا سيرفيس"
وكل ذلك
حسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .
alittihad.ae
|