فصلُ الحِدَاد

 

حسين علي آل عمّار

  

تبكِي عليهِ مواجعِي

وعليهِ ينتحبُ البلاءُ

ويرتمي نزقُ الشكايةِ فِي دمِيْ

فألوّنُ الدنيـا بألوانِ السوادِ

أعبُّ من كأسِ الرمَـاد..

وحكت إليهِ عواطفِي:

يا ابن الكرامِ نَحَلتَنِي وجرحتَنِي

وأوَت بفقدِكَ غصّةٌ تجتاحني

حتى رنَا فصلُ الحِدَاد!

يا سيّدي

وَنَفضتَ من كفّيكَ كلَّ غبارنـا

وسموَتَ تعلنُ أنَّ رأسكَ شامخٌ

يعلو على الدنيـا

وفيكَ تشكّلت قِمَمُ الإباءِ

وفيكَ صُبَّ دَمُ الرشادِ معَ السدادْ..

لمّا عُجِنتَ مِنَ الولاءِ صبابةً

أسرجتَ ظَهْرَ العِلمِ

ثُرتَ كبتلةٍ في الريحِ

يا طوفانكَ الضارِي يفتّتُ صخرةَ المجهولِ

كنتَ عمامةً سوداءَ تنبضُ بالبياضِ

وهيبةً تسري بأعماقِ الفؤادْ. 

ناداكَ صوتُ الموتِ رحت ملبيا 

ونأيتَ عن دنياً تَشكّلَ من ركامِ السوءِ وجهُ بلائهـا

لماّ دعتكَ بزيفهـا

فنهرتها وزجرتها وصلبتها وقتلتها وتركتها

صفراءَ ينهشُ جسمهـا

نابُ الرحيلِ كجثةٍ

تتقاذفُ الأمواجُ سوأتهَا هناكَ بلا وِدَاد..

وها أنـا

يجتاحني سُقمُ القصيدِ وفي عروقِيَ يرتمي

 وأهيلُنِي فوقَ القبورِ ترابهـا

وأنثُّ من جسدِي غُبارَ تكلّسِي

وأثورُ من حزنِي هنـا

وأمزّقُ الأسماعَ أخرجُ صارخاً

وصدى الحقيقةِ ينحني نحوِي

ويصحو في دمِي

والنومُ أفقدهُ ويفقدُنِي الرُقاد!

وتبسَّم الشعرُ الحكيمُ مخاطباً:

هل كنتَ تأملُ مخطئاً

أنَّ الشموسَ بحجمهـا

ترضى معانقةَ الدجى؟

عسراءَ يُنهكُ عودهـا

سوطُ الرذيلةِ في البلاد؟

ها أنتَ تجرِي

والدموعُ علاوةً للحزنِ

تدفن في جرارِ العمرِ مقبرةَ العناءْ

ها أنتَ تجرِي

بحركَ اللجّي وَحْلٌ والسفينُ مهشّمٌ,

مجدافكَ المثقوبُ أعرجُ

والدجى لون السماءْ

ها أنتَ تنثرني قصيداً باكياً

والشعرُ لا يبكي لفقدِ النورِ لكن

يحتفِي بالطهرِ إذ لو مرةً ضمَّ المِدَاد!!

وهناكَ شُرِّعَ مقتلَي

لمّا جثوتُ بكاهلِي

ورأيتُني أبكِي و لا يبكي القصيدُ

أزفّهُ للموتِ حزناً,

والقصيدُ يراهُ عرساً باذخ الألوانِ,

فيهِ تجانسُ الأحزانِ،

يشخبُ من معينِ رحيلهِ بِئرُ الرشاد..!

وأنا أقولُ كآبةً:

نامَ الجليلُ وعافنـا

فيردُّ شعرِيَ ضاحكاً:

أنتَ الذي واللهِ نُمتَ

وباتَ ذاكَ الشهمُ صاحٍ

يرتدي ثوبَ البقاءِ

بلا فناءٍ فاتركِ الإصرارَ بالحزنِ الشديدِ

فما شفا هذا العناد!

وعلى شفيرِ هنيهةٍ للحزنِ أخنقُ عبرتِي

وأزجّني للصمتِ قسراً,

كَبَّلَ الإحساسُ صدري

دمعتي البتراءُ فصلُ روايتِي

وأنا الكئيبُ لفقدهِ

لكنَّ شعلتهُ التي

قد أوقدَ التاريخُ خيطَ زنادِهـا

تبقى إذا يفنى ولا يأوي لهـا الإخمادُ

شعلتهـا تنيرُ دياجراً للدينِ

في وقتِ الفســادْ..!