العواصف قادمة... هل نحمي رؤوسنا؟

 

عرفان نظام الدين

 

لا ابالغ إذا قلت إننا نقف على أتون مرحلة هي الأخطر في تاريخنا على رغم الاعتراف بأن كل «مراحل» أمتنا خطيرة وبائسة ويائسة. فبالإضافة إلى الصراعات القائمة في المنطقة والمرشحة للتفجير والتصعيد، هناك عوامل ومعطيات وتطورات دولية متسارعة تفتح باب عودة الحروب الباردة التي قد تتحول إلى حروب ساخنة بمختلف الأحجام والأبعاد.

ولا أهول إذا قلت إن معظم هذه الحروب والصراعات ستصب حممها في المنطقة، ويا لحسن حظنا، وتتركز في التأثير على قضايانا وأحوالنا حتى لو كانت بعيدة عنا جغرافياً وسياسياً.

ولا أورد هذه الاشارات لصب الزيت على النار، ولا لأزيد هموم شعوبنا والتنقيص على الناس في ما تبقى من هدوئهم واطمئنانهم وآمالهم، بل لأدق نواقيس الخطر من الآتي الأعظم. فالعواصف قادمة إلينا جملة وفرادى، ولا بد من المسارعة إلى تحصين أنفسنا لمواجهتها بإنهاء الخلافات القائمة فوراً، والسعي لحل الأزمات الراهنة بسرعة وتقوية أجهزة المناعة العربية لمنع تسرب رياح السموم الناجمة عن الصراعات الدولية والمطامع الأجنبية والاقليمية والمؤامرات الصهيونية الرامية لإقفال أبواب التسويات والحلول وإلحاق الهزيمة بالعرب بالضربة القاصمة عن طريق الهائهم بحروبهم وأزماتهم وفتنهم السياسية والطائفية والمذهبية، وتحولهم إلى أدوات تستخدم في أتون هذه الصراعات والمطامع وتصفية الحسابات.

فالعالم يتغير وموازين القوى تتبدل وقواعد اللعبة تأخذ أبعاداً جديدة ينتظر أن تستمر لفترة من الزمن قبل أن تستقر على إقامة نظام عالمي جديد وتوزيع مختلف لمناطق النفوذ والاستغلال في ضوء النتائج التي ستؤول إليها «المنازلة» الحالية بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين والقوى الملحقة بها أو السائرة في ركابها.

وكنت قد حذرت منذ زمن بعيد من «الضياع العربي» ومن مخاطر استمرار الخلافات والأزمات التي أدت، بكل أسف، إلى خسارة العرب لمعظم أوراق القرار وزمام الحل والربط في المنطقة، الشرق الأوسط أو العربية، لحساب القوى الاقليمية، كتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة التي حلّت ضيفاً ثقيلاً بين ظهرانينا.

هذه الخسارة الكبرى أخلت بالتوازنات بعد أن كان العرب يملكون زمام الأمور والقدرة على اتخاذ القرار أو على الأقل المشاركة فيه على رغم تشرذمهم وخلافاتهم التي لا تقاس بشيء في الشرخ الراهن والمتمادي منذ عام 1990 حتى الآن، أي منذ إقدام النظام العراقي على احتلال الكويت وما تلاه من نتائج وتداعيات وانعكاسات، ليأتي بعدها زلزال 11 ايلول (سبتمبر) 2001 الناجم عن تفجيرات نيويورك وواشنطن ليزيد الطين بلة ويفتح أبواب جهنم على المنطقة تحت ستار ما يسمى بمحاربة الإرهاب.

هذا هو الواقع المرير، وهذا هو الدافع الرئيسي لدق نواقيس الخطر من جولة جديدة من العواصف الآتية إلينا من الشرق والغرب، ما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى استعداد العرب لمواجهتها في ظل أوضاعهم الحالية المزرية وعن الخطوات المرجوة والمطلوبة لحماية رؤوسنا كأمة وكأفراد وكحاضر ومستقبل للأجيال المقبلة وكمصير عربي مهدد؟

حتى الآن لا شيء يسر، ولا خطوات تطمئن، ولا دلائل على استيعاب مخاطر المرحلة التي نمر بها ولا المخاطر المرتقبة وهي أدهى وأعمق، فالخلافات تزداد حدة والشرخ يتسع عمقاً والعناد يتفاعل وينعكس على الشارع العربي، والجنون يتصاعد ويثير الأحقاد والفتن وينبش الماضي ويهدد الحاضر والمستقبل، والأمل بالتوصل إلى استراتيجية عربية دفاعية لتحصين الذات وتقوية أجهزة المناعة يتلاشى، والقمة العربية المقررة في دمشق مهددة على رغم الوعي الكامل لمضمون قائمة الأزمات التي تحمل رياح العواصف، وهي على سبيل المثال لا الحصر:

* عودة الحرب الباردة وتجدد المخاوف بتحولها إلى حروب ساخنة في مناطق متفرقة أكثرها في ديارنا «العامرة» كما يتوقع المراقبون.

* تمرد الدب الروسي على التحديات الغربية واستعداده للرد عليها بعد أن تلقى طعنات عدة أدمت كرامته وأثخنته بالجراح كان آخرها تبني الغرب استقلال كوسوفو على رغم تحذيرات بوتين المتحالف مع الصرب الذين ارتكبوا المذابح بحق المسلمين الألبان بعد مذابح أخرى بحق المسلمين البوسنيين. والأرجح أن لا تمر الأزمة على خير وأن تندلع حرب بلقان جديدة تمتد آثارها إلى المنطقة وسط تساؤلات من موقف الدول الإسلامية في حال تعرض المسلمين في كوسوفو لمذابح جديدة.

* اصرار الولايات المتحدة على اقامة مشروع الدرع الصاروخي على أبواب موسكو، وهو الأمر الذي تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها وتستعد للرد عليه، على أن يكون معظم هذا الرد في منطقتنا، ما يؤدي إلى زيادة الاختلال في التوازنات وتأجيج نار الصراعات، خصوصاً أن الروس يزوّدون إيران بالوقود النووي ويجهزون المفاعل النووية.

* تسارع التطورات الدامية في باكستان وتزايد المخاوف حول مصير الأسلحة النووية الباكستانية وانعكاسات الأحداث على حركة الإرهاب ومصير أفغانستان، وبالتالي على المنطقة العربية.

* تداعيات تأزم قضية الملف النووي الإيراني وتوقع مفاجآت وأحداث دراماتيكية خلال الأشهر القليلة المقبلة قد تؤدي إلى حدوث مواجهة عسكرية طاحنة أو قلب كامل للتوازنات القائمة.

* قرب رحيل الرئيس الأميركي جورج بوش عن البيت الأبيض ومراوحة التحليلات والتوقعات بين حدوث حال فراغ مقلقة من الآن وحتى نهاية العام الحالي وفترة التسلم والتسليم في مطلع العام المقبل، وبين إقدام الرئيس الأميركي على قرار حاسم بالمواجهة على مختلف الأصعدة ولا سيما بالنسبة للملف النووي الايراني.

وبالطبع فإن عواصف كل هذه التطورات ستضرب في أعماق منطقتنا ما يستدعي الحذر واليقظة والعمل على درء أخطارها، فالعراق سيواجه تسارعاً في الاحداث بين قوات الاحتلال الأميركي و «القاعدة»  من جهة، وبين تركيا والأكراد من جهة ثانية وبين أطياف المشهد العراقي من سنة وشيعة وأكراد من جهة ثالثة وبين شيعة وشيعة وبين ايران والولايات المتحدة، وبين ايران والعراقيين في معركة حسم الأمور ورسم صورة مستقبل العراق ومصيره بين الوحدة والتقسيم والفوضى والاستقرار.

وفي فلسطين ينتظر ان تحسم الأمور خلال الاشهر القليلة المقبلة بين «فتح» و «حماس» من جهة، وبين السلطة الوطنية واسرائيل، من خلال المفاوضات العبثية الجارية حالياً بزعم ان نهاية العام الحالي سيشهد اتفاقاً حول مسائل الحل النهائي وفي مقدمه الدولة المستقلة والقدس والحدود والمستوطنات والمياه والقضية المركزية المثيرة للجدل والخلاف وهي حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

أما في لبنان، فالأزمة أكثر تعقيداً بعد تحولها الى صراع لبناني وديني وطائفي ومذهبي وعربي واقليمي ودولي، وزاد عليها بعد آخر ينذر بأخطار مرتقبة في اي لحظة وهو اغتيال القائد العسكري لـ «حزب الله» عماد مغنية وتهديد أمينه العام السيد حسن نصرالله بالثأر والانتقام من خلال حرب مفتوحة نعرف بدايتها ولكن ما من أحد يستطيع ان يحدد نهاياتها بعد ان تبدلت قواعد اللعبة.

فلبنان سيدفع الثمن في كل الأحوال، لأن الحل يجب ان يكون جذرياً ولا ينتهي لمجرد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وطنية «وتبويس اللحى»، فهناك قضايا شائكة كثيرة يمكن ان تهدد بتفجير الأوضاع مثل سلاح المقاومة والصراع مع اسرائيل والعلاقات مع سورية والملف النووي الايراني والأوضاع الفلسطينية ومجريات واتجاهات المحكمة الدولية التي ستبصر النور خلال الأشهر القليلة المقبلة، إضافة الى قضايا لبنانية كثيرة من بينها كيفية اتخاذ قرارات الحكم وقانون الانتخاب المنتظر ثم النتائج المرتقبة لهذه الانتخابات المقررة العام المقبل.

ويضاف الى كل هذه الاستحقاقات والعواصف براكين خامدة تشبه النار تحت الرماد وتهدد بالاشتعال في اي لحظة وتتمثل في الأوضاع الاقتصادية في معظم الدول العربية من فقر وبطالة وهجرة أدمغة وغيرها.

هذه الصورة البانورامية الواضحة قد توحي باليأس وتدفع البعض للاحتجاج على تظهيرها بهذا الشكل الدرامي، ولكني أرى ان من واجبنا كإعلاميين ان نظهر الحقائق وندق نواقيس الخطر من أجل الحث على تلبية النداء والمسارعة الى ايجاد الحلول ونزع فتيل صواعق التفجير. فخلال الحرب اللبنانية، كنا نتحدث عن «قبرصة لبنان» ثم تطور الأمر لنتحدث عن لبننة العالم العربي، ثم جاءت الأفغنة والصوملة والعرقنة وأخيراً «الكيننة» نسبة لمجازر كينيا المخزية التي يندي لها جبين الانسانية والتي انتهت باتفاق السلطة والمعارضة على اقتسام حصص الحكم!

نعم، بكل بساطة، حصص وسلطة وحكم ونفوذ، والشعوب هي التي تدفع الأثمان الباهظة من دمها وأرواح أطفالها واقتصادها وعرق جبينها وحاضرها ومستقبلها، على رغم إدراك الجميع ان بعد كل حرب سلاماً، ولكل أزمة حل، ولكل بداية نهاية، فلماذا هذا العناد؟ وماذا نستفيد من المكابرة، وأي عقول جهنمية تلك التي تثير الفتن وتنشر الأحقاد وتزرع اليأس في النفوس؟ وأي ضمائر توجهها وهي تدرك تماماً ان الحل سيأتي حاملاً معه سلطة زائفة وكراسي وهمية وتقاسم حصص مسمومة بعد ان تدفع الشعوب الثمن ويسقط الضحايا الأبرياء وتدمر آمالها وحاضرها ومستقبل أجيالها؟

إنها الحقيقة المرة نعرضها كما هي رغم قساوتها حتى يعرف أبعادها القاصي والداني... ويتحرك الحكماء العرب لاجتراح الحلول السريعة قبل فوات الأوان، حتى لو اعتقد البعض انها صارت في حكم المستحيلات ان لم أقل المعجزات، فهل من مجيب؟ وهل من ضمير ينتفض ويدرك حجم الأهوال فيسارع للانقاذ في وجه العواصف الآتية حاملة معها الويلات؟ أو على الأقل ليوفر للعرب مظلات تحمي رؤوسهم في هذه المرحلة الحرجة.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:daralhayat-3-3-2008